عماد فجاج: عن أي استراتيجية لتسيير المسرح نتحدث؟

توصل موقع مجلة الفرجة بمقال للمسرحي المغربي عماد فجاج، وللأمانة ننقله الى الجمهور وقراء الموقع

**************

الى من يهمه الامر:
الأصالة والمعاصرة: الشعار المفخخ
عن أي استراتيجية لتسيير المسرح نتحدث؟
في زاوية معتمة من المشهد الثقافي المغربي، يقف المسرح كمنارة مطفأة، شاهدة على أمجادٍ مضت وعصورٍ كانت الخشبات فيها تضج بالأحلام والأصوات. اليوم، لم تعد الخشبة مساحة للإبداع بقدر ما صارت ساحة لمعركة خفية، تُسيّرها أيادٍ خفية ومصالح ضيقة. المسرح المغربي، الذي كان رمزًا للأصالة وروح الأمة، أصبح محاصرًا بجدارٍ من القرارات البيروقراطية، يشبه في قسوته جدار برلين الذي فصل الأحباء، أو الجدار العازل في القدس الذي قسم الأرض وشطر القلوب.
المسرح المغربي، الذي كان في جوهره لقاءً بين “الأصالة والمعاصرة”، تحوّل إلى مساحة مشحونة تخدم مصالح فئةٍ محددة، فئةٌ ترفع شعار الأصالة والمعاصرة لكنها تُفرغه من معناه الحقيقي. الإدارة الحالية للمسرح تستغل هذا الشعار كوسيلة لتمجيد من يطيعونها ويُسبّحون بحمدها، بينما تُقصي كل من يجرؤ على النقد أو محاولة الإبداع الحر. وكأننا أمام ثنائية زائفة، تُكرّس الهيمنة بدلًا من الجمع بين تراث الماضي وطموحات الحاضر.
في هذه الإدارة، الأصالة ليست تلك التي تُعيد الاعتبار للتراث المسرحي المغربي، والمعاصرة ليست تلك التي تدفع بالفنانين نحو آفاق جديدة. بل هي أدوات سياسية وثقافية لخدمة المصالح الشخصية لمجموعة قليلة تُمسك بزمام القرارات، تحكمها العلاقات والولاءات.
لك أن تتخيل المسرحي المغربي، ذلك الفنان الذي عاش سنوات وهو ينقل صوت الشعب وهمومه إلى الخشبة، اليوم يقف على بوابة مسرحه وكأنه غريبٌ عنها. يطلبون منه “تأشيرة” للدخول، تأشيرة بشروطٍ تُشبه الإجراءات الحدودية بين دول متنازعة. وإذا أراد أن يمرّ، فعليه أن ينحني، أن “يُطيح سرواله” – كما يُقال في لهجتنا – ليحظى بمكانٍ في فضاءٍ يُفترض أنه بيته الطبيعي.
هذه “التأشيرة” لا تعتمد على سنوات الخبرة أو جودة العمل، بل على مدى الولاء للإدارة وأصحاب القرار. كأن المسرح المغربي تحوّل إلى قلعةٍ مغلقة، لا يُسمح بالدخول إليها إلا لمن يُثبت ولاءه ويُثني على شعارات الأصالة والمعاصرة، وإن كانت مجرد غطاء يُخفي تحته مصالح ذاتية.
الأصالة والمعاصرة، تلك الثنائية التي كان من المفترض أن تُكرّس للابتكار والتوازن، أضحت اليوم سلاحًا لتصفية الحسابات. الأصالة تُستخدم لفرض الهيمنة باسم التراث، والمعاصرة تُستغل لتسويق الحداثة المزيفة التي تخدم مصالح خاصة. وبينهما، ضاع المسرحي المغربي الذي لا يملك إلا نصوصه وأحلامه.
الإدارة الحالية لا تسعى إلى خلق جسر بين الماضي والحاضر، بل إلى بناء جدار يفصل المسرحيين “المُطيعين” عن أولئك الذين يجرؤون على الخروج عن السطر. وهكذا، أصبحت الخشبة مجالًا للنفاق الثقافي، حيث يتم الترويج لمسرحٍ “حديث” يُرضي معايير المانحين الدوليين، بينما يُطمس التراث الحقيقي الذي يحمل نبض الهوية المغربية.
في الماضي، كان المسرح المغربي صوتًا للمقاومة، منارةً تُضيء الطريق أمام مجتمعٍ يُصارع للتحرر والتطور. كان اللقاء بين الأصالة والمعاصرة يعني تلاقح الثقافات وتطور النصوص والإخراج والتمثيل. أما اليوم، فإن المسرح يُدار بعقلية السوق، حيث الأولوية لمن يخدمون أجندات معينة ويُقدّمون “الطاعة” كشرط أساسي.
إذا كان المسرح يعاني اليوم من جدار العزل الذي صنعته إدارة تعتقد أنها تملك مفاتيح الخشبة، فإن الحل يكمن في تحطيم هذا الجدار وبناء جسور حقيقية تُعيد الاعتبار للأصالة والمعاصرة بمعناها الحقيقي. نحن بحاجة إلى:
– إعادة تعريف الأصالة والمعاصرة: الأصالة يجب أن تُكرّم التراث، والمعاصرة يجب أن تكون بوابة للإبداع الحر، لا أدوات للهيمنة.
– تحرير المسرح من البيروقراطية: لا يمكن للمسرح أن يُزدهر تحت ثقل الإجراءات والقرارات التي تُقصي الكفاءات.
– فتح المجال للجميع: المسرح يجب أن يكون فضاءً ديمقراطيًا، لا يحتاج المسرحي فيه إلى “تأشيرة” أو ولاء للحصول على فرصة.
– تعزيز الشفافية في الدعم: الدعم المالي والفني يجب أن يُمنح بناءً على جودة العمل، لا على العلاقات الشخصية أو السياسية.
– إحياء المسرح كفضاء للمقاومة الثقافية: المسرح هو مرآة للمجتمع، ويجب أن يعكس هموم الناس وطموحاتهم، لا أن يخدم أجندات خاصة.
عن أي استراتيجية لتسيير المسرح نتحدث؟ عن استراتيجية تُحرّر المسرحي المغربي من قيود الجدران الحديدية، تُعيد الأصالة إلى مكانتها الحقيقية، وتفتح الأبواب للمعاصرة التي تحتضن الإبداع. المسرح المغربي بحاجة إلى نهضة حقيقية، إلى إدارة تُؤمن أن الخشبة ليست مكانًا للمساومة، بل مساحة للحرية. حين نُزيل الجدران ونُعيد الاعتبار للفن، سيعود المسرح ليكون منارة للأصالة، وجسرًا يُوصلنا إلى معاصرة تحمل روح المجتمع وهويته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت