المسرحيون المهجريون العراقيون يفتحون سجل اغترابهم
كتاب جديد يوثق ندوة نظمتها الهيئة العربية للمسرح عن المسرح العراقي في المهجر
مسرحيون مهجريون عراقيون، جمعتهم الهيئة العربية للمسرح على مائدة مستديرة للحوار، ضمن فعاليات المؤتمر الفكري للدورة 14 من مهرجان المسرح العربي، التي نظمتها الهيئة في بغداد يناير الماضي، وذلك تقديراً منها للدور الكبير الذي يلعبه المسرحيون المهجريون العراقيون في الحراك المسرحي في البلاد التي هاجروا إليها.
وقد أصدرت الهيئة العربية للمسرح كتاباً يوثق وقائع تلك الندوة والأوراق التي قدمها المشاركون والتي تناولت محاور وجوانب مهمة في رسم صورة ذلك العطاء والتجاوب الذي ميز تجارب المهجريين العراقيين، وكانت الندوة قد عقدت تحت عنوان “المسرح العراقي في المهجر. التأثير والتأثر” وقد حمل الكتاب ذات العنوان.
أسماء وازنة قدمت أوراقها ومداخلاتها وشاركت في الندوة التي أدارها الدكتور فاضل الجاف، وهم إياد حامد، حازم كمال الدين، رسول الصغير، صالح حسن فارس، فاضل السوداني،كريم رشيد، محمد سيف، مخلد راسم، ناجي عبد الأمير، هوشنك وزيري، هيدر فو، شامال عمر.
الكتاب الذي يقع في 285 صفحة يشكل سفراً ملهماً للمسرحيين المجربين المغامرين، فهو مبني على سؤال الهوية، وسؤال أنا والآخر، وسؤال المثاقفة والتناسج، وسؤال العولمة، وسؤال الصراع الذي تسبب بالهجرة والصراع الذي ولدته الهجرة، صراع الذات مع الذات وصراع الذات مع الموضوع، الأمر الذي ولَد نظرية دراموتورجيا الهجرة عند يانا ميرزون.
إياد حامد صاحب (أوبرا كارمن) التي مزج فيها الثقافتين السويدية والعراقية، ووطن الحدث في البصرة، يؤكد تأثره بدراسة أعمال إنغمار بيرغمان.
حازم كمال الدين الذي يعتبر من أوائل المهاجرين ويهتم كثيرا بما يكتنزه الجسد من لغة يذهب باتجاه العودة للوطن، البيت، بما يشكلانه من مصدر إلهام، وفي تجربته “ساعة الصفر” انتقل بالعرض من بيت لبيت، في بلجيكا، في مقاربة إبداعية لاستخدام الفضاءات المألوفة كمسرح، كفضاء درامي.
رسول الصغير أكد أن فكرة المنفى تسيطر على تفكيره، حيث المنفى فكرة داخلية شخصية، وفي أعماله التي ظهرت ثقافته العراقية جلية فيها، يرصد الوقوف المهم بين ثقافتين.
صالح حسن فارس صاحب عرض سيمفونية المطر في هولندا، انطلق منها لكسر حاجز اللغة المنطوقة بالتركيز على لغة الجسد، مما يتيح للفنان المهجري إظهار إبداعه للمجتمع الجديد الذي انتقل إليه.
كريم رشيد الذي يتبوأ مكانة هامة في مالمو، تحدث عن أخطاء التصور الذي عاشه للهجرة التي رآها ذهابا للضفة الأخرى، وكيف ظن بأن المجتمعين العربي والسويدي سيناقشان الوجود وما وراءه بنفس الطريقة، مؤكدا أن المسرح مكان ازدهار الأفكار المشتركة.
ناجي عبد الأمير الذي استلهم كلمات أمين معلوف “أنا لم أهاجر، البلد هو من رحل” جعل من التحديات فرصة الإبداع تجاوزها، وقدم في فنلندا أعمالاً تعزز فرص الفهم المتبادل، مبرزاً القدرة على التكيف بمسرح ينطق بغير لغته الأم.
مخلد راسم يعتبر تجربته في بلجيكا ملهمة، حيث قدم أعمالاً مهمة مع ممثلين بلجيكيين وعرب، واسس مسرح ديليفري والتي تعمل على العرض في فضاءات مختلفة متجاوزاً الحدود التقليدية للمسرح والسعي لتقديم حلول مبتكرة.
شامال عمر صاحب مختبر لاليش في فيينا مع نيكار حسيب، يؤكد أن الحياة في النمسا ليست جحيماً وليست جنة، بل هي فضاء معرفي جديد يقدم فرصاً وتحديات تثري الحياة الشخصية والفنية.
فاضل السوداني شدد على أهمية الحصانة الداخلية للمبدع المغترب، وأشاد بكوبنهاجن كمدينة للثقافة، ومر بتقدير على تجربته مع فرقة “كوم دي بيترا”، وناقش أهمية الذاكرة الجسدية التي تعتبر مخزناً للإنفعالات والإشارات والعلامات.
محمد سيف صاحب مسرحية الحرائق والمقيم في باريس منذ 40 عاماً، استعرض كم الصعوبات والإغراءات التي يواجهها المسرحي المغترب، وبالتالي أهمية امتلاكه الموقف والإيمان بقوة الفن في تجاوز الحواجز، وهو الأمر الذي جعله يصمد حين استأجر مسرحاً كبيراً في باريس.
هوشنك وزيري الكاتب المسرحي المقيم في الولايات المتحدة والذي قاسى وعانى الكثير قبل أن يقف على قدميه كاتباً، ذكر أن مهرجانات وتجارب مثل (المسرح العراقي في المنفى) التي نظمها حازم كمال الدين تعكس التأرجح بين الحنين لفضاء الوطن وفضاء المهجر.
نيابة عن الممثلة العراقية هيدر فو المقيمة في الولايات المتحدة، قدمت داليا بسيوني ورقة تحدثت فيها هيدر عن مسرحيات تسع ألفتها وترجمتها بسيوني تعرض الثقافة العراقية للمتلقي الأمريكي.
باختصار الكتاب الذي تعتز الهيئة بإصداره هو سياحة عميقة في هذا المجال الذي يضج بالأسئلة وبالإجابات والاشتباك ما بين ماض لا ننسلخ عنه تماماً وحاضر علينا أن نصبح جزءاً منه بشكل تام.