حول فرضية موت المؤلف: قراءة مسرحية “بيت أبو عبدالله” للعراقي أنس عبدالصمد/ هايل علي المذابي
ضمن عروض الدورة 25 من مهرجان أيام قرطاج المسرحية بتونس عرضت مسرحية المخرج العراقي أنس عبدالصمد “بيت أبو عبدالله ” وتصدمنا عرض مسرحية بيت أبو عبدالله بأنه لا نص له تماما مثلما نجد ذلك في عروض الحركة الجسدية أو عروض الكوريغوراف والرقص لكن العرض ينحو منحى العروض الحداثية فبدت المسرحية، على الأقل بالنسبة لي، كأنما المؤلف قد مات أو هي تجسيد حرفي لمفهوم “موت المؤلف” الذي تحدث به الكثير من النقاد والمنظرين مثل رولان بارت وغيره، لولا أن هذه الفكرة أي فكرة موت المؤلف يمكن رؤيتها أو رؤية أسبابها بوضوح في فكرة مقابلة لها وتشبهها كثيرا او هي امتداد لها وهي فكرة موت الإله عند الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه.
كيف مات المؤلف عند بارت؟ وكيف مات الإله عند نيتشه؟
المؤلف هو إله يخلق ما يشاء من شخصيات ويحدد لها ما يشاء من القيم، والمؤلف/الإله لا يموت إلا عندما تموت القيم في المجتمع/المحتوى الإبداعي فيتساوى النبلاء في أخلاقهم مع العبيد على حد تعبير نيتشه عندما صاح مجنونه معبرا عن هذه الحالة “لقد مات الإله”، ما هي مهمة الإله بعدها وأين يمكن أن يكون له وجود في المجتمع؟، فالإله فكرة قوامها القيم بكل اتجاهاتها تعيش في ثنايا المجتمع وتفاصيل حياة الناس وتتغلغل فيها، وعندما تموت هذه القيم والأخلاق فذلك إعلان بأن الإله قد مات، ولم يعد له وجود، والمؤلف بالمثل فإن كان له من مهمة أو وجود فوجوده مرهون بالقيم التي تنشرها شخصيات مؤلفاته ونجدها في تفاصيل حياتهم داخل المحتوىالإبداعي، وعندما تفتقر أعمال المؤلف إلى القيم والأخلاق فالمؤلف معنويا قد مات ولا وجود له، أليس الأثر يدل على المسير والغيوم تدل المطر والبعرة تدل على البعير، وكذلك القيم والأخلاق تدل على المؤلف وتدل على الإله وبدون تلك القيم والأخلاق فلا وجود ولا حياة للإله أو للمؤلف.
كيف نستدل على موت المؤلف في مسرحية بيت أبو عبدالله؟ هل لأنه لا وجود لنص يدل عليه أم أن تفاصيل المسرحية وحيثياتها تقول ذلك؟
كما رأينا في تفاصيل حياة أسرة “بيت أبو عبدالله” في عرض مسرحية أنس عبدالصمد فإن الثوابت جميعا غائبة عن تفاصيلها وهي غير محكومة سوى بالهستيريا والعبث واللامعقولية هنا يمكن التأكيد على أن المؤلف قد مات ولكن ليس لأنه لم يكتب نصا للمسرحية ولكن لعدم وجود أي قيم تحكم تفاصيل حياة إنسان بيت أبو عبدالله..
مسرحية بيت أبو عبدالله هي رمز لحالة المجتمع العربي .
وكما قال الأول: ” قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم.. وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ
أختم بالقول:
أنس عبدالصمد فنان حقيقي وهو ما يجب التريث والتوقف عنده وأعماله الفنية إخراجا وسينوغرافيا تستحق التقدير والاحتفاء . ولعل من المنصف في نهاية هذا المقال القول أن نص الحوار غائب عن العرض المسرحي بيت أبو عبدالله لكن اللوحات السينوغرافية الفنية التي رسمها أنس في هذا العرض المسرحي نصوص تجريدية شعرية فيها من الحوارات أكثر مما تستوعبه المسرحية ذاتها وأي مسرحية من حوارات كلامية وهنا تكمن القيمة الفنية وتتجسد البراعة.