نص مسرحي: “أُمنية خرافيّة” / تأليف: حيدر حسين ناصر
الشخصيات :
المرأة: في عمر العشرين .
الرجل : في عمر الأربعين .
المكان : فناء بيت قديم متهالك آيل للسقوط في وسطه أريكة خشبية قديمة على الجانب الأيسر شماعة ملابس معلق عليها ملابس رجالية وعلى الجانب الأيمن باب البيت، الفناء مقسم إلى قسمين قسم فوقه سقف والقسم الثاني مفتوح للسماء، حبل نشر الملابس معلق عليه مجموعة من الفساتين مختلفة الألوان ومجموعة من الأغطية.
الإستهلال : ظلام دامس والهواء يضرب جدران البيت التي نصفها من الحديد فيصدر صوت صفير يعطي المكان نوعاً من الرعب .
المرأة : (جالسة على الأرض وهي تنظر للسماء، ترتدي زي العمليات وآثار الدم على ملابسها) منذ سنة… أو عشر سنوات… أو ربما أكثر وأكثر وهذه الغيمة السوداء تحجب الشمس عنا، هيّ … هيّ أنتِ أيتها الغيمة ابتعدي من هنا قلت لكِ ابتعدي (بحزن) ثلاثةُ أيامٍ مرت على هروبي من المستشفى ثلاثة أيام وأنا أنتظر أن ألمح الشمس ولو لدقيقة واحدة وأغني لها يا شمس يا شموسه يا بنت علي وموسى، خذي سن الحمار وأعطيني سن الغزال، لكن ليس سنّناً ما سوف تأخذين وتعطين (تبكي) هيا أخرجي أرجوكِ أتوسل إليكِ ثلاثة أيامِ وأنا لا أشعر بأي شيء من حولي كأنني جثة، نعم جثة ولكن جثة متحركة (تضرب على صدرها) ليتني مت في تلكَ المستشفى ليتني لم أدخل تلك الغرفة (تنام على الأرض) هكذا كنت أنظر لهم وهم يقولون لي لا تخافي سيكون كل شيء بخير (تبكي بحرقة) خير أي خير هذا وقد أصبحت إمرأة … .
(الباب يطرق بقوة )
المرأة :(بتردد) من …. من أنت ؟.
الرجل :(من خلف الباب) أنتِ من طلبتِ حضوري .
المرأة : (تفتح الباب بسرعة ) أهلا وسهلا بك يا سيدي تفضل يا سيدي البيت بيتك.
الرجل : أعتذر على تأخري غير المقصود ، أطلب من الله أن يغفر تقصيري هذا .
المرأة: لا بأس فأنا أعرف أنك مشغول بحوائج الناس .
الرجل : بخدمة عباد الله .
المرأة: قهوة أم شاي..(تتدارك نفسها) عفوك يا سيدي عفوك حضورك أربكني ماذا تحب أن تأكل قبل الشاي و القهوة .
الرجل : حقاً إنكِ إمرأة كريمة لكن شكراً لكِ لا أريد شيئاً .
المرأة : لا لا يصحُ هذا أطلب أي شيء.
الرجل 🙁بعصبية) دعي الأكل والشرب جانبا دعينا ننهي ما جئت من اجله .
المرأة: كما تحب يا سيدي .
الرجل :(يقف فجأة) أشم في هذا البيت رائحة غريبة .
المرأة: إنها رائحة الديتول لأني قد خرجت حديثاً من المستشفى.
الرجل : بل رائحة عمل خبيث .
المرأة: عملٌ خبيث قل أعوذُ برب الفلق .
الرجل: (يغمض عينيه) هذا ما يقولونه خَدَمَتِي ومُريديّ ولابد من أبطاله .
المرأة : أين مكانه لنُخرجه ونُبطله ؟.
الرجل (يبدأ بالبحث في كل مكان من دون أن يجد شيئاً)
المرأة: هل وجدت شيئاً ؟.
الرجل : كلا .
المرأة: الحمد لله.
الرجل : خَدَمَتِي ومُريديَّ يقولون أنهم حولوه إلى رمادٍ ونثروه في هواء هذا البيت .
المرأة: يا سيدي كيف يدخل عمل خبيث بيتاً يُذكر أسم الله فيه أليست كلماته حصن المؤمن؟! .
الرجل (يُخرج قنينة ماء يتمتم عليها بكلماتٍ غير مفهومة يشرب الماء ثم ينفخ الماء في الهواء)
المرأة: ماذا تفعل ؟.
الرجل : ماء مبارك يطرد الأعمال الخبيثة .
المرأة: وهذا الماء أطهر من كلمات الله التي تحوم بهذا البيت .
الرجل: (بعصبية) هذا تجاوز عليّ وعلى خَدَمَتِي ومُريديَّ وأنا لا أسمح به (يذهب باتجاه الباب) إذا كنتِ غير واثقة بي لماذا طلبتِ حضوري ؟.
المرأة: (بخوف) عفوك يا سيدي فلقد طلبت حضورك من أجل شيء مهم، مهم لي كإمرأة لا أعرف كيف من أين أبدأ بالحديث عنه … .
الرجل: (يضحك) حسناً… حسناً لقد فهمت .
المرأة: ما الذي فهمت ؟.
الرجل : عطلٌ ما قد أصاب قطار زواجكِ لا تقلقي الحل موجود عندي (يعطيها القنينة ذاتها ) خذي هذه .
المرأة: إنها القنينة نفسها ماذا أفعل بها ؟.
الرجل : أستحمي بها ثلاثة أيام متتالية وسوف يكون هناك طابوراً طويلاً من الأزواج عند بابكِ .
المرأة: خذ قنينتكَ الجهنمية فليس بيني وبين زوجي سوى معركة واحدة ويكون بين أحضاني .
الرجل: (يُخرج من جيبه شيئاً) للرزق .
المرأة: (تضغط على أسنانها )يا سيدي أرجوك أتوسل إليك إرزقني سمعكَ فقط و دعني أتكلم .
الرجل: تفضلي لكِ هذا .
المرأة : (بحزن تُخرج شيئاً ملفوفاً بقطعة قماش) هذا ثديّ لقد خسرته منذ ثلاثة ايام بمرض سرطان الثدي (تبكي) جلست هنا منذ ثلاثة أيام أنتظر أن تخرج الشمس من خلف هذه الغيمة السوداء حتى أُغنيّ لها أغنية يا شمس يا شموسه، ثم أقذف لها ثديّ هذا فتعطيني الشمس ثديا جديداً .
الرجل :(يضحك) تريدين من الشمس أن تعطيك ثدياً جديداً؟!!
المرأة: إنها تفعل هذا في كل مرة مع الأسنان المتساقطة .
الرجل : وما المطلوب مني الآن ؟.
المرأة: تُعيد الشمس من إحتجابها وتُقنع الغيمة السوداء أن تبتعد من هنا .
الرجل :(يضحك) تريدين مني أنا أن أجلس على ركبتي وأبكي أمام هذه الغيمة وأتوسل بها أرجوك يا أيتها الغيمة اللطيفة إبتعدي من هنا فلدينا موضوعاً في غاية الخطورة مع الشموسة ، هل هذا ما تريدين ؟.
المرأة: هل تستهزئ بي ؟.
الرجل : بل أنتِ من يستهزئ بي ألا تعرفين أن الشمس لا ترجع إلا بمعجزة نبي او وصي او عبد من عبادِ الله المخلصين .
المرأة: لذلك طلبت حضورك .
الرجل : لكنيِ لستُ نبياً .
المرأة: أعرف.
الرجل : ولا وصياً .
المرأة: لكنكَ عبدٌ من عباد الله المخلصين .
الرجل : (حوار جانبي) نعم أنا عبد وعبدٌ مخلص أيضاً نعم مخلص لتلك الأيادي التي تنسحب سريعا لتدخل في الجيب وتُخرج كل ما تملك وتضعه أمامي وتقول لي بكل أنكسارٍ أدعي لي بالرزق (يعود لمحادثتها) هل أنت حديثة السكن هنا ؟.
المرأة: كلا، لقد ولدت هنا لماذا تسأل ؟.
الرجل : أراكِ تتحدثين عن الغيمة السوداء ببساطة .
المرأة: منذ أن ولدت وهذه الغيمة السوداء تحجب الشمس عنا لا أعلم شيئاً عن الشمس إلا إسمها وأغنية يا شمس يا شموسه. أنتظر لحظة
(تدخل وتجلب صورة ) هذه الصورة الوحيدة للشمس قبل أن تجيء هذه الغيمة التي حولت كل شيء إلى ظلام دامس … هندس .
الرجل : الأمر يحتاج إلى معجزة .
المرأة: أليست قنينتكَ علاج لكل شيء هيا رش عليها بمائك المقدس وقل لها أخرجي فتخرج ولو لدقيقة واحدة أرجوك .
الرجل : المسافة بعيدة من هنا، لماذا لا تدعين ربكِ أم أن السرطان قد أصاب إيمانكِ أيضاً ؟.
المرأة: وحده الذي يحس بحجم الألم والوجع الذي بداخلي، وحده من يسمع إنكساري وقلّة حيلتي فالذي يعرف ما في الصدور لا تصعب عليه مرارة فقد الصدور .
الرجل : (يذهب نحو الباب) إن طلبكِ هذا يحتاج إلى معجزة ولا أعتقد إننا في زمن المعجزات لذا سأغادر.
المرأة : (تبكي) اااااااااااه على إمرأة لا تستطيع أن تضم زوجها إلى صدرها.
الرجل : أما بخصوص أتعابي فيمكن لكِ أن تدفعي بالتقسيط .
(هطول أمطار غزيرة تنطفئ الكهرباء، ظلام دامس لدقائق فجأة صوت برق قوي يُضيء البيت بالكامل )
المرأة : (وهي تنظر لشماعة الملابس بصدمة )هذا أنت يا حبيبي .
الرجل :(بتعجب ) ماذا؟.
المرأة: لا أتحدث معك بل مع زوجي .
(الرجل يقف أمام شماعة الملابس وهو يمثل شخصية الزوج )
الزوج : إنه أنا يا حبيبتي .
المرأة :(مرتبكة) عُدتَ مبكراً على غير عادتك .
الزوج : شوقي من حملني إليكِ بهذه السرعة .
المرأة: والحرب هل إنتهت؟.
الزوج : لازالت مشتعلة منذ الخطيئة الأولى .
المرأة : حلقة مفرغة ما أن تخرج من حفرة إلا ودخلت في حفرة أعمق وأظلم .
الزوج : كل هذا الجنون الذي يجتاح هذه الأرض سيرجع لمكانه الأصلي بمجرد ان اكون بين أحضانكِ لدقائق، دقائق كفيلة أن تبدد كل هذه الفوضى.
المرأة :(مبتعدة) لا أستطيع.
الزوج : ماذا؟.
المرأة: أقصد أن ملابسي وشكلي أبشع من المكان الذي جئت منه ثم أن حضورك المفاجئ أربكني.
الزوج : لا وقت لدي فكل شيء هناك يسحبني إليه .
المرأة 🙁بنوع من الغيرة) إن هذه الحرب تأخذك مني شيئاً فشيئاً .
الزوج : لقد أخذت كل شيء مني إلا أنتِ يا حبيبتي.
المرأة: عندما تذهب يتحول هذا البيت إلى بيت أشباح كل شيء فيه بلا روح بلا طعم، وحده ألبوم زفافنا يكسر وحدتي.
الزوج: (يقترب منها) لأجلك أنتِ أحاول أن أخرج حياً في كل مرة، صورتكِ هذه (يخرج صورة) كفيلة أن تعطل الصواريخ وتبطل القنابل وتجعل العصافير والبلابل تبني أعشاشها فوق المدافع والدبابات، ولكن لماذا ترتدين ملابس المرضى وما كل هذا الدم الذي يغطيها ؟.
المرأة :(مبتعدة) لا شيء يستحق الحديث لا تشغل بالك أنت يا حبيبي.
الزوج : (يضحك) لقد فهمت لا داعي للخجل.
المرأة: حقاً ؟.
الزوج : واضحة وضوح الشمس (يضحك) مثل قديم كان يستعمل فيما سبق.
المرأة : (بحسرة) كنت أعرف أنك ستكتشف أمري .
الزوج : (يضحك) لا تذهبي لهذا الدكتور مرة أخرى فلولا هذه الملابس لم أعلم أنكِ كنتِ في عملية، يا ترى عملية نفخ أم شفط ؟.
المرأة : ماذا ؟.
الزوج : عمليات التجميل إما نفخ أم شفط ماذا نفختِ وماذا شفطتِ ؟.
المرأة : لا هذه ولا تلك .
الزوج : ماذا إذن ؟.
المرأة : (بحزن) كأن الكلمات في حلقي متوقفة .
الزوج: بدأت أشعر بالقلق لا تقولي بأن العملية قد فشلت ؟.
المرأة : (تبكي) ثلاثة أيام وأنا بهذه الملابس المثقلة بالدم والخيبة، لا دمع يواسي حزني ولا قلبٌ يتحمل ما أشعر به (تنظر إليه) أما أنت .
الزوج : أنا حبيبك زوجك وشريك حزنك وفرحك .
المرأة: أنت تستحق إمرأة جميلة (بحسرة) وسليمة .
الزوج : إنها أنتِ يا زوجتي وحبيبتي .
المرأة: ليس بعد الآن.
الزوج : بل في كل وقت .
المرأة : حتى لو أصبحت مشوهة ؟.
الزوج : ماذا ؟.
المرأة: نعم هذا ما حدث لحبيبتك وزوجتك التي تتغنى بجمالها لقد أصبحت مشوهة.
الزوج : لا أعرف عن ماذا تتحدثين .
المرأة :(تخرج ثديها الملفوف بقطعة قماش) هل فهمت الآن.
الزوج : (بخوف وقلق) ث…ث… ثدي من هذا ؟.
المرأة : ثديّ .
الزوج :(مصدوماً) لماذا ليس ملتصقا بصدرك؟.
المرأة: في ليلة مظلمة أشد ظلمة من هذه الغيمة قرر السرطان أن يهز صدري وليس رطباً جنياً ما كان يريد بل كان يريد (تنظر للثدي) لقد سلبني أعز ما أملك لقد سلب مني روحي وكل شيء يجعلني امرأة، ثلاثة أيام مرت وأنا لازلت أشعر به وأتحسسه كأنه موجوداً ، إنظر (تُخرج ثديّاً إصطناعياً ) قالوا ضعي هذا الثديّ الإصطناعي مكان الاصلي حتى تعتادي على الأمر، يريدون مني أن أعتاد على أني قد أصبحت مشوهة .
الزوج : (بحزن) إن الروح إذا أحبّت لا تنظر للجسم والمفاتن هذا الجسد مجرد غطاء يغطي الروح تلك الجوهرة التي عشقتها .
المرأة : لا تدع نشوة التعاطف تأخذك وأنت تعلم أن كلام البدايات تسحقه أقدام النهايات .
الزوج : (صمت).
المرأة: ايتها المشوهة ألا تحمدي ربكِ أني لم أطلقكِ حتى الآن .
الزوج 🙁مصدوماً ) من المستحيل أن تكوني زوجتي التي أحببتها زوجتي لا تتكلم هكذا!!.
المرأة : إنها أنا حبيبتك التي ستكرهها فيما بعد .
الزوج : هذا مستحيل .
المرأة: ستهين كرامتي .
الزوج : كرامتكِ كرامتي .
المرأة: ستُعيّرني دائماً بنقصي .
الزوج : أنا من سوف يكملك .
المرأة: ستتزوج عليّ .
الزوج: مستحيل… مستحيل .
المرأة: قل لي أنك تحبني هكذا .
الزوج: أحبكِ .
المرأة: قل أنك تعشقني حتى وأنا مشوّهة .
الزوج: أعشقكِ .
المرأة: إذن خذني إليك .(تذهب نحو الرجل تظن أنه زوجها )
الرجل :(يحاول ان يبتعد) ماذا تريدين مني يا إمرأة ؟.
المرأة :(في حالة من الحلم ) خذني إليك .
الرجل :(بفرح ) هل أنتِ واثقة ؟.
(يتوقف المطر ويرجع التيار الكهربائي )
المرأة :(كأنها قد إنتبهت لنفسها) لازلتَ هنا ظننت أنك قد خرجت .
الرجل : المطر كان له رأياً أخر .
المرأة: مطر أي مطر ؟.
الرجل : هذا الذي يملئ المكان، ألا ترين ؟.
المرأة : تقصد البلاء ؟.
الرجل : تقولين على شيء جاء من الله بلاء .
المرأة : بل بلاء وبلاء أسود .
الرجل : أستغفري ربكِ يا إمرأة .
المرأة : (تجلب صورة) أنظر إلى هذه الصور هذه أمي أنظر كيف ترقص فرحا لنزول المطر وهذه التي على اليسار عمتي الكبيرة تجمع ماء المطر لكي يشربه طفلها الذي تأخر بالنطق، أنظر بنفسك وقارن بين المطر الذي في هذه الصورة وهذا الذي ينزل الآن هل هناك تشابهاً ؟.
الرجل : أبيض شفاف يكاد لا يُرى .
المرأة: والآن.. أسود فاحم.
الرجل : السبب معروف .
المرأة: سنوات ونحن نتقلب بين دخان المدافع والدبابات المحترقة والسيارات المفخخة والجثث المتفحمة، هكذا تشكلت هذه الغيمة السوداء، غيمة جعلت من الشمس منقبة بهذا السواد حتى ماتت كل الألوان وصار الأسود سيد كل شيء .
الرجل :(حوار جانبي يقف في بقعة ضوء حمراء ) قطع الله لسانكِ السليط هذا وشُلّت يديك هاتين وأصابك الله بألاف السرطانات تريدين أن تقطعي رزقي، هذه الحروب مصدر عيشي (يضحك) وثروتي فالحروب التي باركتها ليس فيها منتصراً وخاسراً كل الاطراف خاسرة إلا انا الفائز الوحيد، يطلبون أن أدعو لهم كي يرجعون سالمين من الحرب لساني يقرا دعاء الحفظ وقلبي يصلي عليهم صلاة الأموات .
(الإضاءة تكشف المكان مرة ثانية وهو يرجع الى مكانه) .
الرجل : اختبار .
المرأة : (تنظر للغيمة) لماذا فوقنا فقط ؟ .
الرجل : عباده المخلصون .
المرأة: نحن فقط عباده ؟.
الرجل : الكلام معكِ متعب سأذهب .
المرأة: توقف، دع الكلام وأفعل لي شيئاً .
الرجل : أنكِ تطلبين المعجزة وقلت لكِ لسنا في زمن المعجزات.
المرأة: أنت الذي تقول أول كلماتي هنا والأخرى في السماء السابعة …. .
الرجل : إنما أنا الحبل الممدود بين الأرض والسماء .
المرأة :(تبكي) أتوسل إليك إجعل كلماتك المقدسة تخترق هذه الغيمة السوداء مثل الصواريخ وتجعل الشمس ترسل لي ثدياً جديداً وأرجع أمراة سوية مرة أخرى .
الرجل : إمرأة مرة أخرى وما أنتِ الآن ؟.
(صوت المطر يهطل بقوة وصوت البرق قوي جداً ، ضوء البرق يضيء بعض الأماكن فتغطي البيت حالة من الرعب، البرق يضرب حبل نشر الملابس فيتخيل للمرأة والرجل أن هناك إمرأتين تقفان في وسط فناء البيت ثم تتحركان نحو باب البيت )
الرجل :(يمثل شخصية المرأة رقم 1) أم ثدي .
المرأة :(تُمثل شخصية المرأة رقم 2) ماذا ؟.
المرأة1: هذا بيتها .
المرأة 2 : بيت من ؟.
المرأة 1: إننا في بيت أم ثدي .
المرأة 2: هل هي موجودة الآن ؟.
المرأة 1: لا أعرف.
المرأة 2: ربما ستغضب لأننا دخلنا من دون إستئذان ؟.
المرأة 1: سنقول لها أننا دخلنا نحتمي من المطر .
المرأة 2: هل تعيش وحيدةً هنا ؟.
المرأة 1: كانت متزوجة ولكن .(تسكت)
المرأة 2: ولكن ماذا ؟.
المرأة 1: لم تكتفِ بزوجها فالجميع يقولون إنها كانت تمارس البغاء بالخفية، أستغفر الله لا أريد أن اتحدث عن أعراض الناس .
المرأة 2: خفافيش أصبحنا ننظرّ بآذاننا .
المرأة 1: يقولون أنه قد وصل بها الحال أنها راودته عن نفسه ….. أستغفر الله لا أستطيع نطق أسمه .
المرأة 2: لا تقولي إنه سيدي وسيدك وسيدنا جميعاً ؟!.
المرأة 1: نعم أنه هو .
المرأة 2: لابد أن يُحرق هذا البيت .
المرأة 1: نعم النار وحدها من تُطهّر هذا البيت .
المرأة 2: أم ثدي …. .
المرأة 1: (تلتفت بخوف) أين …أين هي ؟.
المرأة 2: ليست هنا كنت أريد أن أعرف السبب وراء هذا الأسم.
المرأة 1: لأنه استُأصل أحد ثدييها فأصبح لقبها أم ثدي .
المرأة 2: أين الغريب بهذا ؟.
المرأة 1: ماذا ؟.
المرأة 2: أنا أيضاً إستأُصل ثديّ .
المرأة 1: وأنا استُأصل أيضاً.
المرأة 2: وأمي كذلك .
المرأة 1: وأُختي أيضاً .
المرأة 2: جارتنا .
المرأة 1: وجارتنا أيضاً.
المرأة 2: كلنا أصبحنا أمهات الأثداء المسُتأصلة .
المرأة 1: إننا بسبب السرطان .
المرأة 2: وهي ؟.
المرأة 1: يقولون أنها أصيبت بلعنة جراء ما كانت تعمله فتحول البيت والمنطقة بأكملها إلى منطقة موبوءة، أصبح هذا البيت يبث السرطان والفاحشة في كل مكان .
المرأة 2: إذن هي السبب لكل ما حدث لنا وليس الكيمياوي؟.
(التيار الكهربائي ينفتح ببطء شديد )
المرأة 1: لقد وصل .
المرأة 2: من ؟.
المرأة 1: سيدي وسيدك وسيدنا.
المرأة 2: ما الذي جاء به إلى هنا ؟.
المرأة 1: سوف يطهر البيت .
المرأة 2: النار وحدها ..
المرأة 1: ستطهر هذا البيت .
(يتوقف المطر ويرجع التيار الكهربائي ونرى الرجل والمرأة يقفان بالقرب من حبل نشر الملابس)
المرأة : (تتحسس الملابس التي على الحبل والثانية على مكان ثديها) أعتقد أني سأموت إذا بقيت هكذا .
الرجل : ومن الذي سيدفع لي تكاليف الجنازة ؟.
المرأة : (بحزن) لا أملك شيئاً غير زوجي وهذا البيت .
الرجل : (حوار جانبي مع بقعة ضوء حمراء ) جنازتان مجاناً خسارة كبيرة، لكن البيت يفي بالغرض .
(المرأة تبدأ بالركض في الفناء وهي تغني وترقص رقصات مختلفة، حتى تسقط وهي تردد ) .
المرأة: أخيراً… وأخيراً .
الرجل : ماذا هناك ما كل هذا الرقص والغناء ، ما الذي حصل ؟.
المرأة : (بفرح) الحمد لله… الحمد لله فرجت…. فرجت .
الرجل : تكلمي ماذا هناك ؟.
المرأة: المطر …المطر .
الرجل: ماذا به ؟.
المرأة: هو الحل .
الرجل : المطر ؟.
المرأة: نعم ولكن … .
الرجل : قبل دقائق كان البلاء الأسود والأن أصبح الحل .
المرأة : لا أقصد المطر بل صلاة المطر .
الرجل :(مصدوماً) صلاة ماذا ؟.
المرأة: الأستسقاء … صلاة الاستسقاء ألا تعرفها ؟.
الرجل: (بمكر) بلى … بلى أعرفها .
المرأة : أريد أن أصليها ولكن بنية الأثداء لا بنية المطر، فالمطر أصبح متوفراً عندنا وبشتى الأنواع مطر من رصاص ومطر من قنابل ومطر من رؤوس وووووو، كل شيء هنا أصبح مثل المطر لذا أريد الأثداء تنزل من السماء مثل المطر .
الرجل : لكننا في فصل الشتاء وهذه الصلاة تصلى في أوقات القحط والشدة .
المرأة: (بعصبية) شتاء … شتاء أين شتائك عن هذا الخريف الذي ضرب صدري هاااا أين هو عندما أخذ مني الذي كان ينافس الرمان بشكله ولونه (بتوسل) أرجوك فهذه فرصتي الأخيرة .
الرجل :(غير مبالٍ) النتيجة معروفة مسبقاً مجرد مضيعة للوقت، لا قحط لا صيف لا وقت شدة لا …… .
المرأة :(بعصبية) لو أن شيئاً ما أصاب تلك اللحمة التي بين فخذيك لقامت الدنيا ولم تقعد فيدخل الشتاء بالصيف والصباح بالليل وعندما يتحرك قليلاً كأنه دب أستيقظ من سباته يهرول نحو أولى أمراة أياً كان شكلها وطولها فقط ليرى دليل رجولته وفخرهِ بخير .
الرجل :(بحذر) أسف لم أكن أقصد الإساءة .(يذهب باتجاه الباب ).
المرأة :(تركض تقف عند الباب ) إلى أين ؟.
الرجل : أفسح المجال لكِ لتمارسي صلاتكِ بحرية .
المرأة : لا أستطيع أن أصليها وحدي .
الرجل : لماذا ؟.
المرأة: لأنها تحتاج إلى إمام جماعة كي تُصلّى .
الرجل : (يتدارك الأمر) نعم… نعم أعرف هذا حسناً أتمنى أن تجديه .
المرأة : أنه أمامي الآن أم أنك لست إماماً ؟.
الرجل : إمام بالتأكيد .
المرأة :(بعصبية) إذن أرجع لمكانك هيا … هيا .
(يرجع المطر بالهطول بغزارة )
الرجل : تمطر مرة أخرى ربما تكون إشارة .
المرأة: إشارة… إشارة لأي شيء ؟.
الرجل : أن تتوقفي .
المرأة: ليس المطر غايتي .
الرجل : ماذا الآن ؟.
المرأة: أنت تعرف من أين نبدأ .
الرجل : (حوار مع نفسه) ما هذه الورطة كيف تُصلّى هذه الصلاة ؟.
المرأة: هل وصلت لشيء ؟.
الرجل : ااااا… ممممم لنبدأ بالتطهر .
المرأة: حسناً سأتطهر في الحمام .
الرجل : تطهير بمصدر الحياة .
المرأة: المطر ؟.
الرجل : وجعلنا من الماء كل شيء حي .
المرأة : (تقف تحت المطر ) لا أريد كل شيء أريد ثديي .
الرجل : تخلصي من هذه الملابس النجسة فأنها تعيق التطهير .
المرأة: وبماذا أستر نفسي ؟.
الرجل : لا داعي للستر ستكونين بين يديه .
المرأة : (بحيرة وخجل) لكن لم أُكشف على رجلٍ غير زوجي .
الرجل : (يدعو) لست رجلاً وإنما أنا الوسيلة إليه .
(تبدأ المرأة بخلع الملابس قطعة بعد أخرى حتى تصبح عارية تماما، كل قطعة تسقط من الملابس يقترب الرجل إليها حتى يكون على مقربةٍ منها)
المرأة: (بانكسار) ربي …ربي ها أنا ذا أقف بين يديكِ كما ولدتُ ولكن بثديٍ واحد، رباه يا أيها الواحد أريد ثدياً ثانياً …. .
الرجل : (يقف خلفها مباشرة) ثدي ثانٍ .
المرأة: ربي ثدياً ثانياً يا رب .
الرجل :(يتحسس مكان الصدر ) هنا يارب هنا .
المرأة :( متفاجئة) ما الذي تفعله أبتعد عني .
الرجل :(يحاول ان يتلمس جسدها) فقط أحدد المكان .
المرأة :(بعصبية) من أنت حتى تضع يدك عليّ ؟.
الرجل :(بتفاخر ) الوسيلة إليه.
المرأة :(تحاول ان تلبس ملابسها بسرعة) أياً كنت قلت لا تقترب أبتعد عني .
الرجل :(يقترب اكثر) قرب الوسيلة يرفع نسبة نجاح الدعاء .
المرأة : لا أريد دعائك وصلاتك فربي أقرب من حبل الوريد .
الرجل :(يسحبها بقوة) تعالي لأطهر رحمكِ بطفلٍ مني .
المرأة: (تضربه وتبتعد) سرطااااان كل السرطانات لها علاج وتنتهي إلا أنت، أخرج من بيتي يا نجس .
الرجل : والصلاة ؟.
المرأة :(تصرخ) أخرج … أخرج من بيتي .
الرجل :(وهو يفتح الباب) يا ناس يا عالم هذا البيت تسكنه شيطانة أرادت ان تراودني عن نفسي .(يبدأ بتكرار هذا الحوار حتى يختفي صوته ) .
(يتوقف المطر قليلاً ونرى المرأة وهي تجلس في وسط الفناء وعليها ملامح الحزن والخيبة ).
المرأة : ربي …ربي لست معترضة على حكمك فأنت تفعل ولا تسأل عما تفعل، كل ما قمت به كان بغريزة الأمل نعم الأمل تلك الكذبة الجميلة التي نصدقها، لقد نسيت يارب نسيت أنك تبتلي عبادك المخلصين .
(مطر شديد ونحن نسمع سقوط اشياء على البيوت القريبة وفجأة شيئاً ما يسقط على السقف الحديدي للبيت ويبدأ بالتدحرج حتى يسقط في وسط البيت، أصوات لصرخات نساء مختلفة تقترب شيئاً فشيئاً ، التيار الكهربائي يبدأ بالاشتعال و الإنطفاء ) .
المرأة : (وهي تركض بهستيرية بكل مكان) لقد جاءت الأثداء وصلت هدية السماء .
(أصوات صرخات النساء وبكائهن أصبح مسموعاً ، أصوات بالقرب من الباب لمجموعة من الناس )
المرأة :(تبحث في الأرض عن الشيء الذي سقط) أين أنت يا عزيزي ها أين أنت، هيا إكشف عن نفسك يا قبة قلبي (بفرح) وأخيراً ها أنت سترجع لمكانك الحقيقي (تتفحصه) ولكن حجمك كبير جداً ووو و ثديي كان أملساً وهذا مليئاً بالشعر (التيار الكهربائي ينفتح ويضيء المكان نرى المرأة تمسك رأس إنسان، تحتضنه وتبدأ بالبكاء بقوة) ليس ثديّاً…ليس ثديّاً انه رأسه … رأسه … رأسه .
(المرأة تبدأ بالصراخ والبكاء نسمع أصواتاً لمجموعة من الناس تحاول ان تكسر باب البيت)