تمظهرات الحداثة السائلة في أداء الممثل المسرحي/ حيدر يونس العبيدي
في ظل التقدم التي شهدته الحياة الاجتماعية على الأصعدة كافة منها الصناعية والتكنولوجية والسياسية والثقافية، فقد برزا مصطلح الحداثة السائلة الذي أعده عالم الاجتماع (زيجمونت باومان) في وصف التحولات الكبيرة التي نالت من حرية الفرد في عصر أطلق عليه باللايقين وبالإضافة كونه بديلاً لو صف ما بعد الحداثة بالمعنى الادق، حيث اتصف مرحلة الحداثة السائلة في اذابة وخلخلت جميع مرتكزات والمفاهيم الحياة والتي من خلالها عمد (باومان) في زج ذلك المصطلح على جميع الأصعدة الثقافية كالحداثة، والحياة، والحب، والأزمنة، والخوف، والمراقبة، والشر، ويعد المسرح من الثقافة الذي عانى التحول والصهر القوالب الجامدة للمسرح التقليدي وانهيار النسق الفني للأعمال المسرحية، فتباينت إرهاصات السيولة الثقافية وبمنطلقاتها على المسرح في تجديد نقطة الوعي بمشكلات الحداثة و التمرد على الجماليات القديمة وتجاوزها، وفرض سيطرتها على الحياة بما فيها الفكر المسرحي، فقد اعد مسرح السيولة الثقافية مسرحاً يعكس التغيرات المزمنة القائم على توجيهات خاضعة للاستهلاك اللحظي واللذة الوقتية وذلك غشية الوقع في القوالب الصلبة لدى المسرح التقليدي.
وهذا ما عمد بعض مخرجي ما بعد الحداثة (الحادثة السائلة)، الى تصويره من خلال تلك التحولات المتسارعة عبر أداء الممثل والذي عانى هو الاخر من تهاوي النسق الفني والفوضى والانقطاع في التواصل وعدم الالتزام في اللغة او قالب أداء معين، وأن الممثل يخوض سباق الرغبة والاستهواء بعيداً عن جوانب التأثير العاطفي، على اعتبار ان الممثل المسرحي هو النموذج الحي الذي يمكن ان يحقق ذلك الإغواء باستمرار تماشياً مع عصر السيولة الثقافية، لتلبية ثقافة الفرد التي أصبحت تحت مسمى الثقافة الاستهلاكية لتحقيق الرغبات واللذة الوقتية للمجتمع وعلى مسرح اليوم السائل، اذا يتحول الممثل المسرحي في بعض العروض الى سعلة مجردة من الأفكار والمعتقدات الذي يجعله متنافساً لجذب الانتباه الخاطف المستنزف لدى الجمهور لمواكبة التطور الحاصل في زمن السيولة الثقافية، وتعد مثل تلك التوظيفات من الأساليب التي استخدمها مخرجي ما بعد الحداثة والتي انعكست على أداء الممثل المسرحي المعاصر واتخاذها كأنساق لامتناهية في توظيف كل ما هو صادم في عملية التقديم العروض المسرحية التي من شأنها تعمل على تكوين رؤية بصرية وتشكيلية على خشبة المسرح بأبعاد ومؤثرات درامية مختلفة.