“روح المسرح: دراسات ونظرات في المسرح العالمي والعربي” للباحثة هدى علي حدادي/ وداد عبد العزيز

دراسة شاملة لمسارات الفعل المسرحي وأبعاده الثقافية والفنية

 

يُعد كتاب “روح المسرح: دراسات ونظرات في المسرح العالمي والعربي” للباحثة هدى علي حدادي، إضافة ثمينة للمكتبة المسرحية العربية والعالمية. الكتاب الذي صدر عن دار تكوين العالمية في طبعتها الأولى عام 2021، يعكس رؤية فكرية عميقة حول تطور المسرح في العصور المختلفة، ويستعرض تأثيراته الثقافية والفنية في الشرق والغرب على حد سواء. يقدم هذا العمل دراسة شاملة لفنون المسرح وأبعاده الفكرية، ويحلل مختلف المدارس المسرحية وتوجهاتها عبر الأزمان.

يتتبع الكتاب مسار الفعل المسرحي من جذوره في العصور القديمة وصولًا إلى المسرح المعاصر، متناولًا إياها من جوانب فلسفية وفنية عميقة. تبدأ الكاتبة بتحليل بواعث الكتابة المسرحية، مبيّنة العوامل الاجتماعية والسياسية التي دفعت الكتاب المسرحيين على مر العصور للتعبير عن هموم المجتمعات وتطلعات الأفراد. حيث كان المسرح، كما ترى حدادي، ولا يزال مرآة تعكس الواقع وتساهم في تغيير المواقف والأفكار من خلال عرضه للواقع الاجتماعي أو من خلال خياله الفني.

لا يتوفر وصف.

في استعراضها للأشكال وتقنيات الكتابة المسرحية، توضح الباحثة تطور أساليب الكتابة عبر الزمن، بدءًا من المسرح الكلاسيكي وصولًا إلى الأساليب الحديثة التي تشمل التجريبية والتفاعلية. وأكدت في هذا السياق على أن الصراع داخل المسرحية، سواء كان بين الشخصيات أو بين الشخصية وذاتها، يعدّ المحرك الأساسي للأحداث، حيث يعكس هذا الصراع القضايا المجتمعية الكبرى. وتُبرز أهمية الحوار، باعتباره وسيلة لنقل الأفكار والمشاعر إلى الجمهور، وتحقيق فهم مشترك حول القضايا الإنسانية.

أحد الأبعاد التي تناولها الكتاب بشكل خاص هو المسرح الشعري، حيث تعمقت حدادي في تحليل كيف يمكن للشعر أن يكون وسيلة تعبير عن المشاعر الفلسفية والوجدانية بشكل أعمق مما تقدمه الكتابات النثرية. لم يغفل الكتاب عن أهمية المسرح الغنائي الذي كان له حضور قوي في تجارب فنية متعددة، مثل أعمال الرحابنة وفيروز التي تمزج بين الشعر والموسيقى والمسرح في تجربة فريدة.

كما خصصت الباحثة فصولًا لدراسة تطور المسرح العربي، من خلال تسليط الضوء على المسرح المصري ورائد هذا المجال توفيق الحكيم، مرورًا بتجارب المسرح الجزائري ومسرح عبد القادر علولة الذي عمل على دمج التراث الفني مع المسرح المعاصر. وقد تناولت الكتابة المسرحية العربية من منظور تاريخي وثقافي، موضحة كيف أن هذه التجارب ساهمت في فتح أفق جديد للفعل المسرحي في العالم العربي.

في ختام الكتاب، تقدم حدادي تحليلات موسعة حول دور المسرح في تغيير المجتمع، معتبرة إياه أداة أساسية لفتح الأفق الفكري أمام الجمهور وتحفيز التغيير الاجتماعي. فالمسرح، كما تشير الباحثة، هو أكثر من مجرد فن؛ إنه أداة فكرية وثقافية لها القدرة على تشكيل الفكر الجمعي، واستشراف قضايا الإنسان عبر التاريخ.

في المجمل، يعد كتاب “روح المسرح” عملًا موسوعيًا يُسهم في إثراء الفهم العميق للمسرح كفنٍّ عالمي وعربي، كما يفتح الباب أمام الباحثين والمهتمين لفهم تطور هذا الفن الحيوي وأثره في الثقافة الإنسانية، لكنه في الوقت نفسه وضعت الباحثة نفسها أمام بعض التحديات التي تؤثر على استيعاب محتواه. أول هذه التحديات هو تعدد الموضوعات وتنوعها بشكل مفرط، حيث تغطي الكتابة مراحل تاريخية وفكرية متنوعة من المسرح اليوناني القديم إلى المسرح المعاصر. هذا التوسع الكبير في الموضوعات قد أثقل كاهل الباحثة وأدى إلى عدم التمكن من التعمق الكافي في كل مرحلة من مراحل تطور الفعل المسرحي. كان يمكن للكتاب أن يكون أكثر تماسكًا إذا تم تقسيمه إلى أكثر من جزء، مما كان سيتيح لها الفرصة للتوسع في دراسة كل مرحلة بشكل أعمق، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة التي تميز كل فترة.

لا يتوفر وصف.

من جانب آخر، يلاحظ خلو الكتاب من صور توضيحية لبعض المشاهد المسرحية العالمية أو من الشخصيات الشهيرة التي ناقشتها الكاتبة. فإضافة بعض الصور كانت ستجعل الكتاب أكثر جذبًا للقارئ، إذ تساعد الصور في تقديم رؤية مرئية للأفكار والمشاهد التي تتحدث عنها الباحثة، مما يعزز فهم النص ويزيد من تشويق القارئ.

رغم هذه الملاحظات، إلا أن الكتاب يعكس اجتهادًا نبيلًا من كاتبة تنتمي إلى جيل الأكاديميات السعوديات اللواتي استفدن من الفرص التي قدمتها رؤية 2030 في المملكة لتثبيت وجودهن في المشهد الفكري السعودي والعربي. والكتاب يعدُّ إسهامًا مهمًا في توثيق تطور المسرح ويشكل إضافة قيمة للمكتبة الأكاديمية العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت