قراءة في نص مسرحية “أجراس ليلة المهد” لشوقي كريم خسن/ علي حسين الخباز
“أجراس ليلة المهد” نص مسرحي يكشف عن براعة الكاتب شوقي كريم حسن في تقديم تجربة تجمع بين البعد التاريخي والعمق الإنساني، مستفيدًا من واقعة حصار كنيسة المهد في بيت لحم عام 2002. النص يتخذ من المكان مسرحًا للأحداث، ومن الزمان لحظة مفصلية تُلقي بظلالها على أبطاله. الكنيسة، بما تحمله من رمزية روحية، تقف في مواجهة آلة الحرب والقوة الغاشمة التي تحاصرها، لتصبح رمزًا للتناقض بين قدسية الإيمان وقسوة الواقع.
اللغة التي يعتمد عليها الكاتب تتجاوز كونها مجرد وسيلة لنقل الأحداث إلى كونها أداة فلسفية تُثير أسئلة وجودية. الحوارات تنبض بشعرية مكثفة تجعلها أقرب إلى التراتيل التي تتحدى الرتابة، محملةً برؤى فلسفية تأملية تعكس التناقضات التي يعيشها الإنسان. الكاتب يُقدّم شخصياته كرموز تمثل جوانب متعددة من التجربة الإنسانية، كل شخصية منهم تعبر عن رؤية مختلفة للإيمان، الخوف، والموت. الشخصيات تتناغم ضمن نسيج درامي متماسك، بدءًا من شخصية عيسى التي تحمل دلالات روحانية عميقة، حيث يُقدّم خطابًا يوازن بين الأمر والنهي، الإيمان والتمرد، وبين شخصيات مثل نواف الذي يجسد الخوف الوجودي والقلق من المجهول، وعبد القادر الذي يُعيدنا إلى جذور التسامح والإيمان العميق. كل شخصية تُساهم في إثراء الحوار من خلال تصوراتها الخاصة عن الوجود والمصير.النص لا يتوقف عند حدود الزمان والمكان بل يتجاوزهما، ليُبرز قضايا أعمق تتعلق بالإنسانية ككل. الحوار يتشابك مع التناص الديني من خلال اقتباسات مستمدة من العهد الجديد، لكن هذه الاقتباسات تُوظَّف لتلائم السياق الدرامي دون أن تخرج عن روح النص. التناص يُبرز طبيعة الحوار كعملية فكرية تُحرّض على التأمل ولا تسعى إلى تقديم إجابات قطعية.النص يوازن بين الحوارات الخارجية بين الشخصيات والحوارات الداخلية التي تتسلل إلى عقل المتلقي. الكاتب يدعو القارئ أو المشاهد ليكون طرفًا في هذا الجدل الفكري، حيث تُطرح أسئلة عن جدوى الانتظار في مواجهة العنف، وعن القوة كإله جديد يُعبد على حساب القيم الروحية. النص يضع شخصياته في مواجهة مباشرة مع المتلقي، ليكشف عن أفكارها المتناقضة والمتداخلة، ما يجعل الحوار يحمل أبعادًا متعددة تمتد من سطح المعنى إلىً أعماقه.النهاية تترك الباب مفتوحًا للتأويل، فهي لا تُقدم حلولًا جاهزة، بل تجعل القارئ أو المشاهد شريكًا في تفكيك دلالات النص. النص كله أشبه برحلة فلسفية، يستخدم الكاتب فيها الحصار كخلفية رمزية تبرز الصراع الأبدي بين الروحانية والمادية، وبين الإيمان والشك، وبين الحلم والواقع. شوقي كريم حسن يُثبت مرة أخرى قدرته على المزج بين التوثيق الفني والخيال التأملي، ليُقدّم نصًا مسرحيًا غنيًا بالرمزية والدلالات الفكرية.
النص الذي كتبت عنه يقدم نظرة فلسفية وعميقة في تعبيرات شوقي كريم حسن، معتمدًا على تفاصيل تاريخية ملموسة مثل حصار كنيسة المهد في عام 2002، ولكنه يذهب أبعد من ذلك ليطرح رؤى تتعلق بحالة الوجود الإنساني في ظل الأزمات والصراعات. لا يتوقف النص عند التفاصيل الجغرافية أو الزمانية بقدر ما يستمر في تسليط الضوء على التأثير النفسي العميق لهذه اللحظات على الشخصيات، وكيف يمكن أن تكشف الأزمات عن معاني جديدة للحياة والموت والإيمان.الكاتب يستغل الحصار ليمنح نصه بُعدًا رمزيًا حيث يصبح المكان (الكنيسة) أكثر من مجرد موقع جغرافي، بل يتحول إلى ساحة صراع بين الروح والجسد، بين الإيمان والتشكيك، بين السلام والعنف. من خلال شخصياته الخمسة، كل واحدة تحمل ملامح مختلفة من الإنسانية والتضحية، يشكل الحوار الفلسفي في النص ساحة نقاش حول قضايا وجودية تتجاوز اللحظة التاريخية.
عيسى، نواف، عبد القادر، يحيى، وجينا، جميعهم يمثلون مواقف فلسفية متفاوتة تجاه الحياة والموت، الكلمة والقوة، الروح والجسد. عيسى، الذي يحمل خلفيته الدينية، يتخذ من الكنيسة مركزًا للعبادة والمقاومة، بينما نواف، الذي يجسد التمرد والشعور بالخذلان، يطرح تساؤلات حول جدوى الإيمان في وجه العنف المستمر. عبد القادر الذي يرمز إلى الحكمة والتسامح، يجد نفسه محاصرًا في مواجهة التشكيك في النبوءات والإيمان. أما يحيى، فهو يطرح أسئلة فلسفية عن معنى الموت والوجود، وكيف يمكن للإنسان أن يجد طريقًا وسط هذا الصراع الدائم. جينا الوحيدة التي تلمس شيئًا من البراءة والنقاء، تحاول أن تجسد الصوت الداخلي الذي يعيد للروح توازنها وسط كل هذا الخراب.إن النص لا يُقدّم الإجابات الجاهزة بل يدفع القارئ إلى التأمل العميق في معاني الحياة والموت، الخلاص والخراب. فهو يفتح المجال لكل شخصية لتعرض رؤيتها للعالم، وفي نفس الوقت يُتيح للقارئ أن يتفاعل مع هذه الرؤى، ليكتشف تداخلات الأسئلة الدينية والوجودية. بهذا، لا تقتصر قيمة النص على كونه مسرحًا يعكس الحصار العسكري فحسب، بل هو مسرح يعكس الحصار الفكري والروحي الذي يعيشه الإنسان في صراعه المستمر مع نفسه ومع العالم من حوله.شوقي كريم حسن لا يكتفي بعرض الوقائع، بل يسعى لأن يضع القارئ في قلب هذا الحصار الروحي والفكري. الحوارات، التي قد تبدو في ظاهرها متفرقة أو متناقضة، تتداخل بشكل معقد يخلق سياقًا فلسفيًا يدفع للتساؤل حول طبيعة الإنسان ومكانه في هذا العالم المليء بالصراعات والمآسي. كل جملة، كل كلمة، تحمل بعدًا معقدًا قد يطول شرحه، ما يجعل النص مسرحًا مفتوحًا لتعدد التأويلات.في النهاية، يتجلى العمل كنوع من التفكر في معاني الحياة من خلال حوارية إنسانية حافلة بالتساؤلات، ورغبة في إيجاد معنى وسط فوضى العالم. إن شوقي كريم حسن يحقق في هذا النص نوعًا من التفكيك للنظريات التقليدية حول الدين، الوجود، والحرية، ليترك القارئ في مواجهة مع ذاته، متسائلًا: ما الذي يعين الإنسان على البقاء في وجه كل هذا الخراب؟