نص مسرحي: “حلم جثة” / تأليف: المخرج واصف الدلالعة
الفكرة العامة:
تدور المسرحية حول امرأة تحررت من السجن بعد سنوات طويلة من الظلم والتعذيب، لكنها خرجت جسدياً فقط بينما روحها بقيت حبيسة الألم والقهر. تحمل جسدها الميت -الذي هو تجسيد لحياتها التي فقدتها -وتتحدث إليه، مستعرضة محطات حياتها المأساوية، من الطفولة البريئة إلى الحلم الذي تحول إلى كابوس. المسرحية تصور صراع المرأة مع نفسها، ومحاولة التمسك بالأمل رغم أن كل شيء انتهى.
الشخصيات:
المرأة: عجوز تحررت من السجن ولكن فقدت حياتها.
الجثة: تمثل المرأة في شبابها، رمز لأحلامها وطموحاتها التي قُتلت.
المكان: غرفة مهجورة، او مكان مهجور، الإضاءة خافتة.
الإضاءة: ضوء خافت ينير المرأة وهي تدخل حاملة على ظهرها “الجثة” وتضعها على كرسي قديم او على الأرض
(المرأة تلبس لباس السجن (الأفرهول) و تحمل الجثة و تضعها على الأرض بتعب، ثم تجلس بجانبها منهكة)
( تخلع لباس السجن و تضعه فوق الجثة و تحاول ان ترى ان كان مناسب للجثة و هل هو نفس مقاسها )
المرأة : يجب ان يكون نفس مقاسك، فأنت انا و انا انت (تحاول ان تجعل الجثة ترتدي لباس السجن )هيا يا عزيزتي ساعديني حتى ترتدي الافرهول، فأنا تحررت و خرجت لاستنشق بعض اكسجين الحرية وانت من ستبقين في غياهب السجن، هيا ارتدي هذا اللباس البغيض لندفن ذلك الحلم الى الابد.
(تحاول المرأة جاهدة لكن لا تنجح، تصمت، تفكر، تتحرك في المسرح وتعود الى الجثة)
تتحدث الى الجثة: انت ايتها الجثة الهامدة بلا حراك، اما آن الأوان ان تعودي إلي، ان تعيدي لي الحياة، أما آن الأوان أن تنهضي لنسترد حلم سرق منا، و حياة دفنت في سراديب الطاغوت.
المرأة (تحدث نفسها): عشرون عاماً من التيه … خرجتُ الآن، ولكن ماذا تبقى؟ جسدٌ هزيل وروح ميتة ، عشرون .. اثقلت كاهل روحي و سلبت عقلي و قلبي و لم يتبقى مني سوى هذه الجثة الهامدة .
المرأة : ( تحاول مع الجثة ) ارجوك عودي الي _ هيا مات حلم و سيولد حلم جديد بعودتك ( لا حراك للجثة )
المرأة : اصحي هيا ، انا بحاجتك اليوم اكثر من أي وقت مضى ، اصحي فما زال في العمر بقيه ، و هذا البياض في شعري ما زادني الا اصرار ، لنفرح سوياً بالحرية ، هيا يا صغيرتي عودي الي
(تتحرك الجثة فجأة، تتحرك وكأنها تستعيد حياتها، تتحدث بهدوء وبسخرية ، تعود اليها الحياة ببطيء و حركات ايمائية و تراقبها المرأة بخوف و فرح و مشاعر مختلطة )( تأخذ لباس السجن ، تحاول قياسه و يكون على مقاسها لكن لا ترتديه )ثم تلتفت الى المرأة و بسخرية
الجثة: مرحباً… تذكرتِني؟
المرأة (بفزع): من أنتِ؟ كيف عدت الى الحياة ؟( تتذكر ) أها اتذكرك انت انا ، شبابي .
الجثة: نعم أنا أنتِ. شبابك التي دفنتِه هنا. كنتِ تحلمين بكل شيء: النجاح، الحب، الأمومة… لكنهم قتلونا، أليس كذلك؟
انا حلمك الذي سلبوه و روحك التي ازهقوها منك و النجاح الذي دمروه و الامومة التي حرموك منها ، انا انت و لكنك انت لست انا .( ترمي عليها لباس السجن )
( تأخذ المرأة اللباس بتردد و خوف )
لماذا حملتيني معك ، لماذا اتعبت نفسك و تحملت عناء حملي ، لن اعود اليك ، و لن تستفيدي مني ، لو تركتيني هناك لوفرتي على نفسك عناء جملي دون جدوى و ها انت الآن تخلعين قيودك و تعلنين موت حلمك ، و تريدي ان تقيدي روحي و تبقيها في سراديب تلك الزنزانة لتموت هناك .
المرأة : (المرأة تبكي، تضع يديها على وجهها)( لا سوف تعودي لي ، لنبدأ من جديد حلم جديد )
الجثة: ( و كأنها تحلم ) تتذكرين وقد اقترب موعد زفافك بذلك الشاب (صوت زغاريد)( الجثة تمثل دور الشاب و المرأة دور الفتاة و حالة الفرح ) ذلك الشاب الذي احبك وأحببته، وتحولت الزغاريد للنواح والبكاء
الا تذكرين حين قتلوه ( تمثل حين تلقى الشاب رصاصة و ارتمى ارضاً ) وسلبوك فرحة عمرك
المرأة: لم أقتل شيئاً! كانوا أقوى. سلبوا مني كل شيء.
الجثة (تنهض وتقف أمامها): لا تبرري. ألم تكن لديك فرصة لتصرخي، لتقاومي؟ لماذا تركتِهم يسرقوننا؟“
(المرأة تنهض ببطء)
المرأة: لم يكن صمتاً. كنتُ أصرخ كل ليلة في الظلام. لكن حتى الصرخات ماتت، وبكيت حتى جفت دموعي، اسالي جدران الزنزانة فهي تشهد على صراخي وصوتي وبكائي وكل مقاومتي.
( تبدأ بسؤال الجدران ) ألم اصرخ ، الم ابكي ، الم اقاوم ، جاوبيني ، تكلمي الا يكفيك صمتاً لسنوات .
المرأة (بصوت متعب وتحول في الأداء): “ها نحن هنا… أنا وأنتِ. حرة… لكن ما معنى الحرية؟! لا بيت، لا عائلة، لا أحلام… فقط هذا الجسد الميت الذي أحمله معي.”
الجثة (بصوت هادئ، كأنها تتحدث لأول مرة): حرية؟ أهذه حرية؟! ألستِ أنا؟ أنا التي كنتِ تتوسمين فيها الحياة؟ كنتِ تحلمين بي شابة قوية ناجحة، اجتهدت وتعبت لأحقق حلمك … فانظري الآن.”
المرأة (بحدة): اصمتي! لم أطلب رأيكِ. لستُ أنا من قتل أحلامي، هم من قتلوني.
الجثة (تضحك بسخرية): وما الفرق؟ أنتِ من سمحتِ لهم بذلك. تركتِهم يسلبونكِ عمركِ ويمزقون روحكِ. انظري …اين حلمك، اين تلك الطفلة البريئة التي كانت تجوب البيت والحارة والحقل تلعب وتلهو، اين ضحكاتها
الإضاءة: تتحول إلى دفء، رمزية للحياة البريئة التي عاشت فيها المرأة قبل المأساة.
(الجثة تجسد طفولة المرأة، تدور حول المسرح وكأنها طفلة تركض وتمسك بكتاب أو دمية، تلعب وتلهو والمرأة تجسد دور طفلة أخرى وبعض العاب الأطفال البسيطة بفرح الطفولة)
الجثة (بفرح): تتوقف وتغير شخصيتها من طفلة الى فتاة شابة وتجسد الحالة ، فتاه حالمة معها كتبها و رشة الالوان و تتحرك بروح رشيقة و فرح و سعادة ، تبدأ ترسم مع موسيقى خاصة و تقرأ بنهم و حب .
“أتذكرين؟ كنتِ تكتبين الشعر تحت شجرة الزيتون تركضين في الحقول تحملين كتبك وألوانك وترسمين عالماً مليئاً بالألوان … وترددين: سأكون كاتبة! سأغير العالم!”( تأخذ الكتاب و تبدأ بالقراءة و الرسم بفرح )
المرأة تبتسم للحظة، بفرح و تتحرك في المسرح ترسم و تغني و تقرأ و تكتب ،تقلد الجثة و هي فتاة (انا كاتبة و سأغير العالم) و ترددها ثم تعود إلى الحزن.
المرأة: ( بحزن ) نعم كنت اريد ان اصبح كاتبة وكنتُ أؤمن بذلك كنت أؤمن ان الكلمات ستغير العالم … كان أبي يدعمني، وأمي تقرأ لي قبل النوم.”
هي تجلس تقرأ و تكتب ، الجثة تجسد دور الام و الاب و تجلس مع المرأة و تبدأ الاطمئنان عليها و الابتسام لها و الربت على كتفها
تجسيد لحالات القراءة و الدعم
الجثة (بصوت في سخرية مؤلمة )وما الذي غيره العالم ؟ بدل ان تغيريه ، غيرك انت ودمرك
“وماذا عن يوم النجاح؟ أتذكرين؟ حين عدت وقت التخرج من الجامعة تحملين شهادتك والفرح يملأ روحك و عينيك و البيت عندما أخذتكِ أمكِ بيديها وقالت: ستكونين أفضل من الجميع .
( الجثة تحمل الشهادة و اغاني للجناح و تجسيد لحالة الفرح بالشهادة )
ماذا قول لك و بماذا اذكرك ، أحلام و احداث و نجاحات جميعها دفنت قبل ان تنفض أنفاسها الأخيرة .
(المرأة تقترب، تلمس الجثة كأنها تسترجع المشاعر)
المرأة: كفى دعيني أتذكر فقط لحظات الامل ، ابي و امي .. صوت امي ( حالة التذكر من المرأة ) و هي تغني لي كل ليله ( صوت غناء الام و فرح الطفلة ) نعم، أذكر… كانت تضع لي شرائط الشعر الزهرية. كانت ترى فيّ المستقبل.”
تجسيد للحالات كاملة و تجسد الجثة دور الام او المرأة دور الام و الثانية دور الطفلة ( حسب رؤية المخرج )
الجثة (تتحول فجأة إلى ملامح حزينة): والمستقبل؟ أين هو الآن؟ تذكري ان امي ماتت من القهر و الحزن ، هل رأيتها وهي تموت من القهر بعد أن أخذوكِ؟ و ابي قضى حياته يبحث عنك حتى رحل تتذكرين ؟
( تجسيد حالة الام و هي يائسة مقهورة و حالة الموت ) ( المرأة )
تجيد حالة الاب خلال البحث عنها حتى اصبح عاجزاُ و حالة الموت ) ( الجثة )
تحاول الجثة ملامسة الام الميتة
المرأة تصرخ بصوت حاد (حالة من الهستيريا من المرأة )
“كفى! لا أريد تذكر هذا، كفى ارجوك ، أريد أن أعيش لحظة طفولتي فقط ، يحق لي بعض الفرح بعد كل ما عانيت ، انسيتي ما مررنا به و ما عانيناه
الإضاءة: تتحول إلى مظلمة، أضواء حمراء مع أصوات أقدام ثقيلة وصراخ جنود في الخلفية.
الجثة تمثل المرأة الشابة، مقيدة بيدها. و تجسيد لحالة الاعتقال و التعذيب و المرأة تمثل الشخص الذي يعتقلها و يقيدها و يسحبها بقوة و يرميها بطريقة قاسية داخل الزنزانة
الجثة : “هل تذكرين تلك الليلة؟ اثناء عودتك من الجامعة، أحلامنا تسبقنا. ثم جاءوا.” ( تسير الجثة بحالة من الفرح و تجسد الحالة )
المرأة : ( بدور الجندي ) : توقفي ( و بكل قوة و حزم تقوم باعتقال الجثة ( طريقة اعتقال همجية ) و تسحبها من شعرها و تضربها بقوة
الجثة : كانوا كالحيوانات… سحبوني من شعري، ضربوني أمام الجميع، اول ليلة في الزنزانة _ كان الظلام مطبقاً_ كأنهم أرادوا ان يدفنوني حية ، كأنهم _ تضحك بألم _ بل ارادوا دفني حية .
الجثة: أين كنتِ؟ أين كانت قوتكِ؟ تركتِهم يأخذوننا كما يأخذون السارقين، لماذا تركتني اضرب واهان، لماذا لم تقاومي.
المرأة تنفعل، تصرخ بغضب : لم أترك شيئاً! قاومتُ في البداية قاومت ، لكنهم كانوا اقوى والكلاب لا تعرف الرحمة، قاومت … حتى أنهكني الألم.”
(الجثة تسقط على الأرض بطريقة رمزية وكأنها تُسحب إلى الزنزانة، بينما المرأة تراقب بعجز )
الجثة:بل انت من استسلمت ، كنت جبانه .( خلال سحبها و هي تزحف على الارض )
المرأة : ( تزحف بالمقابل للجثة و كأنهم يسحبونها ايضا ) جبانة ؟ انا تحملت الجوع ، الألم ، الوحدة ، و انت تقولين جبانة ، هل تعرفين معنى ان تحرم من نور الشمس و الضوء لسنوات .
الجثة : هنا ماتت الروح ، تتذكرين ؟ في تلك الليلة التي جردوك من آخر امل ، حين قتلوا زميلتك امام عينيك ( لباس السجن الافرهول معلق ، اعدام الافرهول كحالة رمزية ) و حالة من الفزع و الخوف
المرأة : كنت اسمعها تصرخ ( صوت صراخ والمرأة تضع يديها على اذنيها )( تتعامل مع الافرهول المعلق ) كنت عاجزة ، كل يوم انتظر دوري، لكن الموت رفضني ( تجسيد للجندي يدخل مع سماع صوت باب الزنزانة يفتح و يغلق ) ( يصرخ الجندي بصوت غير مفهوم على الجميع و نسمع صراخ الفتيات ثم يخرج ( التجسيد من المرأة و الجثة ) و يعالج إخراجياً من خلال خيال الظل او أسلوب اخراجي اخر .
الجثة : لأنك كنت بالفعل ميته فقط تتحركين جسد بلا روح مثلي الان .
المرأة : ثم جاء الظلام.( حالة رعب و خوف ) تلك الزنزانة… ذلك الصوت الذي لا يغيب ( اصوات ضحكات الجنود ، اغلاق باب الزنزانة )
حالة من الخوف والذعر
المرأة (بحزن): كنتُ أعدُّ الأيام على الجدران… لكن الزمن توقف.
(تبدأ وكأنها تحفر على الجدران أرقام الأيام )
الإضاءة: مشاهد متقطعة من الظلام والضوء الأحمر، رمزية للتعذيب.
الجثة تمثل لحظات التعذيب بينما المرأة تشاهدها وتتحدث.
(التناوب بين الجثة و المرأة بمشاهد التعذيب
أحيانا الجثة هي التي تعذب المرأة وأحيانا المرأة تعذب الجثة)
(الجثة تُرفع على كرسي بطريقة رمزية وكأنها تُضرب. المرأة تشاهد المشهد بعينين مليئتين بالدموع)
مشهد متكامل تجسيد لحالات تعذيب التي تعرضت لها المرأة
( الضرب بجميع الاشكال على الوجه و الجسد و الارجل بسوط او بعصا ، الكي ، الجر ، الاغتصاب و غيرها )
الجثة (تصرخ): توقفوا! توقفوا! أريد أن أعيش!”
( صوت ضحك مخيف )
المرأة (بصوت متهدج): كانوا يستمتعون بصرخاتي… كنتُ أعيش في كل لحظة موت ببطء.”
الجثة (تهبط على الأرض منهكة): ثم ماذا؟ هل انتهى الألم؟“
المرأة (تجلس بجانبها): لا. الألم لا ينتهي. إنه يبقى هناك… في القلب… في العظام.”
الإضاءة: تصبح أكثر إشراقاً، لكن باردة، كأن التحرير هو عودة إلى الفراغ.
( المرأة تمدد الجثة على الأرض كأول مر و تضع لباس السجن فوقها ).
المرأة: خرجتُ أخيراً… لكنني لم أعد أنا. أنتِ بقيتِ هناك… في الزنزانة، خرجت ، قد أكون ميته ، لكنني خرجت _ سأحكي قصتي للعالم .
الجثة: و هي ممدة و كأنها تلفض أنفاسها الأخيرة .
قصتك ؟ و ما فائدة ان تحكي القصة ، لم يعد هناك احد يسمع ، وهل هذا تحرير؟ أخرجوكِ ميتة، وأنا الجثة التي لن تُدفن.
المرأة تقف بثبات، تخاطب الجثة: سيكون هناك من يسمع ، انا لم اخرج لأموت بصمت ، خرجت لأقول _ حتى لو ماتت احلامي ستولد كل يوم أحلام جديدة _ فالحرية لا تموت و لن تموت
المرأة: لكنكِ قصتي. لن أدفنكِ. سأحملكِ معي، سأروي للعالم عنكِ، عني، عن كل من مات ولم يسمع أحد صراخه.
الجثة (تبتسم لأول مرة): وربما هذا يكفي… أن يُسمع صوتنا.
(الجثة و المرأة تنظر إلى الأمام بإصرار)
المرأة: “أنا جثة بلا قبر… لكن روحي حية. سأمضي حتى النهاية، وداعاً يا انا و اهلاً بالحرية .
الجثة : وداعاً يا انا و اهلاً بالحرية .
الخاتمة:
(الإضاءة تخفت تدريجياً بينما صوت المرأة يُسمع في الخلفية، تقول بصوت هادئ وحازم)
“الحقيقة لا تموت. والحرية لا تُقاس بالعمر. أنا هنا… وسأبقى.”
رمزية الأفعال:
الجثة تمثل الأفعال البديلة عن المشاهد العنيفة: حركاتها أثناء التعذيب، سقوطها على الأرض، أو رفعها تُجسد المعاناة دون الحاجة لمباشرة المشاهد.
التفاعل بين المرأة والجثة يُظهر الانقسام الداخلي: صراعها بين الاستسلام للألم أو التمسك بالأمل