لغة الجسد في التواصل الفعّال/ د. فاضل الجاف

يُعتبر الجسد وسيلة تعبيرية أساسية، حيث ينقسم إلى نوعين رئيسيين:
الجسد المنفتح والجسد المنغلق. يتميز الجسد المنفتح بالمرونة والانسيابية، ويُعبر عن حالة من الثقة والسلام الداخلي، مما يعزز قدرته على إيصال الرسائل بوضوح.
أما الجسد المنغلق فيتميز بالتوتر والجمود والإمتناع، مما يُعيق قدرته على التواصل الفعّال.
إن فهم هذين النوعين من خطاب الجسد يُعَدّ خطوة محورية نحو تطوير الأداء الجسدي وتحسين جودة التواصل الإنساني.
يمكن ملاحظة أبسط إشارات الجسد المنغلق بسهولة: انكماش الجسم، الامتناع عن التواصل البصري، وضيق الحركات أو تصلبها. هذه الإشارات تترك أثرًا سلبيًا على أداء الأفراد الذين يلعبون أدوارًا اجتماعية، سياسية، أو إنسانية.
وفي المقابل، يتمتع الجسد المنفتح بإشارات واضحة تعكس استعدادًا للتواصل والانخراط مع الآخرين، كالأكتاف المسترخية، واليدين المفتوحتين، والوقفة المتزنة والتواصل البصري.
يمكنك اختبار حالة جسدك عبر مراقبة وضعية اليدين والقدمين: إذا كانتا مشدودتين، معقودتين، أو متصالبتين، فهذا يشير إلى حالة من التوتر والانغلاق.
هذه العلامات تُشير إلى رفضٍ ضمني للتفاعل، مثل مضيف يستقبل ضيفه بابتسامة وكلمات ترحيب، بينما يظل باب منزله موصدًا. هذا التناقض يخلق حالة من النشاز بين لغة الجسد واللغة اللفظية، مما يؤدي إلى سوء فهم محتمل.
في هذا السياق، يقول شكسبير على لسان هاملت: “طابق الفعل بالكلام والكلام بالفعل”. فعلى سبيل المثال، قد يُلقي قائد سياسي خطابًا مثاليًا عن التسامح والانفتاح، لكن إذا كان جسده متوترًا ومنغلقًا، فإن الرسالة لن تصل بنفس القوة، بل قد يفقد الخطاب مصداقيته أمام الجمهور. إن الجسد قد يخون الكلمات، ما يُضعف التأثير المنشود.
الجسد المنفتح: يعكس طاقة إيجابية، وحالة من الراحة النفسية، والثقة بالنفس. يُعبر هذا الجسد عن الصدق، والمحبة، والتعاون، والتسامح.
الجسد المنغلق: يبث طاقة سلبية، ويميل إلى الانكماش والرفض. يُظهر هذا الجسد مشاعر مثل الكراهية، الحسد، أو الرغبة في الصراع، وقد يكون مؤشرًا على وجود مشاعر مكبوتة أو خفية.

تلعب لغة الجسد دورًا حاسمًا في التواصل، خاصة في المجالات القيادية والسياسية، حيث يتجاوز تأثيرها أحيانًا الكلمات ذاتها. منذ العصور القديمة، أدرك القادة والمفكرون أهمية تدريب الجسد كأداة قيادية فعالة. وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن دراسة لغة الجسد حديثة، إلا أن جذورها تمتد إلى الفلاسفة اليونانيين الذين رأوا في الحضور الجسدي والصوت المؤثر جزءًا لا يتجزأ من فن القيادة.
في تلك الحقبة، لم تكن هناك وسائل إعلام حديثة؛ لذلك، اعتمد القادة على قدراتهم الشخصية في فن الإلقاء والحوار والكتابة لتوصيل أفكارهم. كان فن الخطابة وديناميكية الحركة والإلقاء من أبرز الأدوات التي مكّنتهم من التأثير الفعّال في الجماهير.
في عصرنا الرقمي الذي يعتمد على التفاعل السريع، أصبحت الحاجة إلى لغة جسد منفتحة وإيجابية أكثر إلحاحًا.
من خلال تجربتي الشخصية كمدرب في لغة الجسد، أرى أن الجسد المنفتح يُعزز التواصل الإيجابي، ويُمكّن الشخص من التعبير بثقة ووضوح. في المقابل، يُضعف الجسد المنغلق قدرة الشخص على التفاعل، ويُعزز العزلة والتوتر. من هنا، في ورش العمل والدورات التدريبية التي أقدّمها، أحرص على توجيه المشاركين لاكتساب لغة جسد منفتحة، لأن الجسد المنفتح يعكس عقلًا منفتحًا.
إن فن وتقنيات التواصل اللفظي وغير اللفظي ليس مجرد مهارة إضافية، بل هو جزء جوهري من الأداء الفعّال، سواء في الدبلوماسية، أو القيادة، أو العلاقات الإنسانية.
إن الجسد، بحركاته وإيماءاته وبسكونه، هو الأداة الصامتة الأكثر بلاغة في عملية التواصل. عندما يتناغم الجسد مع الكلمات، يُصبح التأثير أقوى، ويصبح التواصل أعمق وأكثر فعالية.

عن: كوردستان بالعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت