التأريخ للمسرح بالشمال وترميم الذاكرة المعطوبة..قراءة في المنهج التأريخي لرضوان احدادو/ د. محمد محبوب

لا شك أن حضور رضوان احدادو على مستوى الكتابة التأريخية بالشمال أعاد الاعتبار للمسرح بهذه المنطقة، وصحح مجموعة من المفاهيم المغلوطة، والتـصورات الجاهزة التي مثلت مسلمات في تاريخ المسرح المغربي. ذلك أن العمل التوثيقي الهام الذي أنجزه هذا الرجل أضاء الكثير من الجوانب المعتمة والزوايا المظلمة في التاريخ المسرحي للشمال والمغرب عامة. وذلك يعني أن كتابة التاريخ تبقى مشروطة بالتوثيق بما هو علم لحفظ المنجز الإبداعي الإنساني، وهو المستند الصحيح في كتابة تاريخ المسرح المغربي بالدقة المطلوبة، والإحاطة الشاملة، فلا تستقيم كتابة تاريخ الحركة المسرحية ببلادنا في غياب الاحتكام إلى قواعد البحث العلمي وضوابطه: من أرشفة،وتوثيق، وتصنيف، وغيرها من أدوات التاريخ التي ترمي إلى إرساء ذاكرة المسرح المغربي.

وإذا كنا نعترف بغياب مؤسسة  تنهض بمهام الأرشفة والتوثيق، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الوثائق الأرشيفية للمسرح المغربي، ويفوت الفرصة على الدارسين والباحثين لرصد تاريخ المسرح المغربي، وتتبع انجازاته وعطاءاته، وظواهره وقضایاہ، ورسم معالم تغيراته وإبدالاته، وذلك لأن الأرشيف هو خزان المعلومات الذي يحفظ الذاكرة الجمعية، المتعلقة بأنشطة الإنسان و تاريخ الشخصيات، والإنجازات في المجالات المختلفة ومنها الأدبية والفنية. هذا فضلاعن قيمته الإثباتية، فإن ذلك لا يلغي جهود ثلة من المسرحيين الذين حاولوا ترميم ذاكرة المسرح المغربي” الهشة والمبتورة ” بتعبير الباحث المغربي الدكتور خالد أمين(1) في محاولته لاجتراح أسئلة الإهمال المؤسسي في مجال التوثيق والأرشفة. ومن هؤلاء نذكر رموزا في العطاء التأريخي، الذين أدركوا قيمة الأرشفة، ودورها في حفظ الذاكرة والتاريخ، والهوية، وترسيخ الحقائق بعيداًعن الأفكار المسبقة والجاهزة والآراء الرائجة  التي لا تستند إلى الأدلة والشواهد التي تعضدها وتسندها.

لذلك فإن الارشيف، في تقدير المؤرخ جامع بيضا ،هو بمثابة “ماض،تاريخ، هوية تراث، عربون شفافية، يساهم في التنمية و تدبیر معقلن للحاضر، وتطلع للمستقبل(2).

وعليه، فإن التاريخ يصنع بالوثائق، وليس بالادعاءات والأقوال، والتوثيق هو أساس بناء الحقائق، وهو علم حفظ المنتوج الإبداعي الإنساني. ذلك “أن فهم الماضي الفني من خلال الوثائق هو بناء معرفي موضوعي يخضع للمساءلة والاستنطاق. وهذا العمل المنهجي هو الذى يجعل مما تبقى من الماضي سواء كان مكتوبا أو مرسوما وثيقة دالة”(3). وهنا تكمن القيمة الإثباتية في إرساء بناء معرفي ونقدي رصين وأكاديمي، وتحضير المعطيات الملائمة للدراسة العلمية، والبناء المعرفي القائم على الحقائق الثابتة التي تقود إلى استخلاص النتائج، ورسم أفق تطور الظواهر الفنية والإبداعية. بالإضافة إلى التأريخ للظاهرة الفنية في صيرورتها وتحولاتها وإبدالاتها، وإعادة الاعتبار لأجيال أثرت المجالات الفنية، وخاصة المسرح بعطاءاتها وانجازاتها. بيد أن غياب المؤسسة عن تخزين الوثائق والمستندات لا يغلي دور الأفراد، وجهود المؤرخين في حفظ المستندات و تخزين المعطيات، وحفظ المواد والوثائق المتعلقة بالأنشطة الفنية والإبداعية، و من أعلام المسرح الذين نهضوا بوظيفة التأريخ والتوثيق للمسرح المغربي نذكر على وجه الخصوص اسهامات الأستاذ عبد الله شقرون خاصة في كتابه ” حياة فى المسرح” والأستاذ عبد القادر السحيمي فى كتابه ” تاريخ المسرح والرياضة بالمغرب” والدكتور مصطفى بغداد  في كتابة “المسرح قبل الاستقلال” الذي رصد فيه ارهاصات تشكل الفرجة، وسيرورة الممارسة المسرحية المغربية في مرحلة ما قبل الاستقلال . بل حاول القبض أيضا على آليات النقد المسرحي في تلك المرحلة إضافة الى شروط التلقي، ورهانات المسرح الشعري، ودينامية المسرح الإذاعي معززا كتابته القيم بوثائق وصور وشهادات وملصقات وجرائد ومجلات تعكس بجلاء المجهود التوثيقي الشاق والجبار الذي تكبده الراحل مصطفى بغداد لدراسة وتوثيق مرحلة تأسيسية هامة في تاريخنا المسرحي المغربي الحديث. (4)

وأخيراً الباحث أحمد مسعيا الذي أنجز عملا توثيقيا مميزا، وثق فيه لمسار الفرق المسرحية من خمسينات القرن الماضي إلى حدود سنة 2010 ميلادية. غير أن العمل التوثيقي لدى عبد الله شقرون اتخذ صيغة مختلفة، حيث ألبسه لبوس السيرة الذاتية، بحكم انتماء عبد الله شقرون الى جيل الرواد، ذلك أنه كان جزء من هذه الحركية المسرحية النشيطة. ومن ثم، فقد اختار التاريخ بصيغة السيرة الذاتية، فهو شاهد على عطاءات الأفراد والفرق أو الجمعيات المسرحية. كما يملك من الوثائق ما يكفي للتاريخ لهذه المرحلة بزخمها وعطاءاتها، وسيرورتها ومتغيراتها. هذا فضلا عن تمكنه من الأدوات المنهجية في مجال التوثيق من حفظ للمعلومات، والتنسيق، والتبويب والترتيب. وكل ما يسهل السيطرة على المعلومات وتوظيفها، وجعلها في خدمة الباحثين في مجال المسرح.

وعليه، فقد لعب الرجل دوراً محوريا في التعريف بالمسرح المغربي والتأريخ له، باعتباره ينتمي إلى جيل الرواد، وهو جيل لم يكتف بالابداع والعطاء على الركح، بل ساهم في ترمیم ذاكرة المسرح المغربي المعطوبة بفعل غياب التوثيق الجاد والمؤسسي لحركية المسرح المغربي. يقول في هذا السياق: ” إننا في بعض جوانب الإبداع الثقافي ربما احتجنا إلى تقوية الذاكرة، والأذهى من هذا الواقع أن يفد وافد إلى عالم هذا الابداع فيعتقد أن الممارسة التي يقدم عليها بمثابة أرض غير مزروعة لم يفلحها فلاح، ولم يحرثها حارث. وقد يكون شفيعه في هذا الظن أو الاعتقاد عدم تعرفه على إرث محيطه في هذا الصدد، لأنه لم يطلع على ما أنجزه الرواد، و ما أدركوه من الجد والسؤدد تارة، وما صادفهم من البلوى والإحباط تارة أخرى”(5).

وعليه، فإن جيل الرواد اشتغل على موضوع الأرشفة والتوثيق وذلك سعيا لحفظ الذاكرة المسرحية، ونقل الخبرات والتجارب إلى الأجيال اللاحقة، غير أن رضوان احدادو يبقى علامة فارقة في مجال التاريخ المسرحي والتوثيق للحركة المسرحية بالشمال، والحركة المسرحية عامة، وقد جاءت حفريات الرجل في ذاكرة المسرح بالشمال مطبوعة بالاجتهاد والعمق. فقد زاوج بين التأريخ والتحليل، ذلك أنا عملية التاريخ وردت مقرونة بالقراءة التحليلية التي تمنح للعمل التوثيقي دلالته الثقافية، وأبعاده الفنية والأدبية. حيث أن المنهج التاريخي في تجربته جاء مشفوعا بالقراءة الفنية الهادفة الى استكشاف الخصائص والمقومات الجمالية التى تسم الظواهر المسرحية. و من ثم، فان منهجه يبدو قائما على الصرامة العلمية التي تتجلى في اعتماد التوثيف، والأرشفة والتصنيف .. فالتوثيق بما هو حفظ للمنتوج الابداعي المسرحي بمنطقة الشمال يستند أولا إلى الذاكرة والمعايشة لحركية الفعل المسرحي، والمساهمة المباشرة في هذه الحركية من موقع المؤلف، و الممثل، والمخرج، إضافة إلى الوثائق الكتابية والمخطوطات والمطبوعات والمذكرات … وهي وثائق تمتلك قيمة  إثباتية لكونها تعكس حقيقة الدينامية المسرحية بالشمال وما ينجم عنها من منجز مسرحي زاخر ومتنوع. وهي من جهة أخرى، على نضال وجهود رجال المسرح بالشمال من أجل ترسيخ وتجذير الفعل الدرامي في التربة الثقافية المغربية.

وهكذا، فإن التأريخ لدى رضوان احدادو يستند إلى منهج يلائم الموضوع فهو يرتكز على المنهج التاريخي الذى يرمي إلى تتبع السيرورة التطورية، والوقوف على طبيعة المكتسبات التي حققها في مسعاه إلى التأصيل أولا، ثم التجديد والتحديث ثانيا.

غير أن المنهج وإن بدا في ظاهره منغلقاً، يقتصر على تتبع مسار و سيرورة المسرح بالشمال وفق نسق دیاکروني، فإن المؤرخ، على العكس من ذلك، أبدى قدرة كبيرة على الانفتاح على مناهج أخرى ضماناً لإغناء، وإثراء العمل التأريخي الذي لا ينحصر في الوصف والتتبع للظواهر الفنية والمسرحية بل إنه يوظف أدوات أخرى كالفهم والتأويل، وغيرها من الأدوات التي تجعل المنهج لا يقتصر على رصد آلي لسيرورة التطور، والتعاقب في مسار المسرح بالشمال، بل نجد المؤرخ يميل إلى قراءة الظواهر الفنية المسرحية لاستكشاف الخصائص، وتبيان المقومات الجمالية التي تسم المسرح بالشمال. إن توظيف المنهج التاريخي بطريقة منفتحة لا يتوانى المؤرخ المسرحي من خلالها الإستفادة من مناهج أخرى وخاصة المنهج السوسيولوجى، وذلك بدراسة النصوص والعروض، وقراءة الظواهر المسرحية. وربطها بالسياقات التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية… في مرحلة كانت تمور بالأحداث الجسيمة التي انعكست آثارها على الابداع المسرحي مما أفرز حواراً بين الأتر الفني من جهة والواقع بمتغيراته وتحولاته من جهة ثانية.

ولا شك أن الحمولة الاجتماعية والتاريخية للمنهج منحت للعمل التوثيقي دلالاته الثقافية، وقيمته الفنية و الأدبية. ويتيين ذلك من خلال القراءة في المنجز التأريخي السيرى لرواد المسرح بالشمال ثريا حسن و محمد الدحروش ومحمد النشناش … وغيرهم من رواد الحركة المسرحية بالشمال.

فقد زاوج المؤرخ المسرحي رضوان احدادو بین المتابعة لمسار رواد الحركة المسرحية بالشمال من جهة، و طرح الأسئلة الشائكة المرتبطة بالمجتمع وأعطابه، وطبيعة العقليات السائدة من جهة اخرى. فالمسرح وجد نفسه في مواجهة مفتوحة مع عقليات تقليدية، ونخب مخزنية تتبوأ موقع القرار، وهي في أغلبها نخب محافظة بل متزمتة، ترفض عصرنة المجتمع وتحديثه. وكان طبيعياً أن تتصادم مع الوافد الجديد ( المسرح )، الذي يحمل قيما مغايرة، وسلوكات منفتحة ومستفزة لهذه النخب. فهو يشجع على اشراك المرأة في الحياة العامة، ويدمجها في عروضه وفرجاته و يعالج الموضوعات وفق رؤية مغايرة ساعيا إلى تكسیر مجموعة من الحواجز والطابوهات الاجتماعية في أفق الارتقاء بالمجتمع، و رفع منسوب الوعي لدى الطبقات الاجتماعية، وخاصة الدونية منها، لادماجها في التنمية والعصرنة والتحديث. بيدأن هذا الرهان سيصطدم بالعقليات المحافظة كما تفصح عن ذلك اشكالية تلقي مسرحیة “انتقام أعمى ” التي لم تتوان السلطة في توقيفها لطبيعة موضوعها، وخصوصية الطرح، وجرأة المعالجة، حيث أن موضوع المسرحية يتناول قصة رجل ضرير، متخلق بأخلاق الإسلام، لكنه يكتشف أن ابنته العازب حامل، فبادر لقتلها انتقاما لشرفه، ورغم أن الموضوع يبدو عاديا من زاوية نظرتنا الحالية، فإن قوى المحافظة ازعجتها جرأة الطرح، وتصدت بقوة وشراسة للمسرحية.

وهكذا، فإن التأريخ للحركة المسرحية لم يتخذ صيغة وصفية خالصة و أبعاداً دياكرونية، بل إن المؤرخ رضوان احدادو انفتح على مناهج أخرى، وخاصة المنهج السوسيولوجي، وذلك بربط حركية المسرح بالشمال بالواقع الاجتماعي، وأنماط الوعي السائدة في سبيل فهم السيرورة المعقدة التي تتحكم في بلورة وانتاج الفعل المسرحي.

واذا تركنا جانبا سؤال المنهج ، فلا بد من طرح سؤال المقصدية : لماذا هذا الإصرار على مغامرة التاريخ للمسرح بالشمال؟

إن المغامرة التاريخية لكاتب كبير ومؤرخ متميز جاءت لانقاذ ذاكرة المسرح بالشمال، وهي ذاكرة تبدو معطوبة بالنظر إلى واقع التهميش الذي طال الحركة المسرحية بالشمال، مما شكل حافزا على إضاءة جزء من تاريخنا المسرحي، وإعادة الاعتبار للفاعلين في الميدان بالنظر إلى جهود جيل الرواد في ارساء حركة مسرحية نشيطة وراقية.

إن رضوان احدادو المبدع، والناقد والباحث، والمنظر المسرحي … حز في نفسه أن يرى الدينامية المسرحية بالشمال تعاني من غياب التوثيق، بل تعیش محاولة مبيتة لطمس معالمها، وإنكار عطاءاتها. لقد لاحظ بمرارة هذا التهميش المقصود، ولمس عن قرب خطورة الإجهاز على تاريخ المسرح بالشمال. وكان طبيعيا أن يبادر لرد الاعتبار لهذه الحركة النشيطة والفاعلة سلاحه في ذلك مؤهلاته العلمية والثقافية ورصیدہ الثمين من الوثائق والمستندات، التي تفصح عن اجتهاد الرجل في البحث والتنقيب، والتوثيق. بالاضافة إلى الاحتكام للذاكرة حيث أن الرجل عايش المرحلة التأسيسية بزخمها و عنفوانها، وساهم من موقعه كمؤلف، وممثل ومخرج … في اثراء الفعل المسرحي بالشمال.

وهكذا، انخرط رضوان احدادو مسلحا بثقافته ورصيده الوثائقي وذاكرته المسرحية الشاهدة على سيرورة الحركة المسرحية بالشمال، في تأريخ المسرح، وإعادة الاعتبار للممارسين المسرحيين وللحركية المسرحية عامة بهذه المنطقة الفاعلة تقافيا واجماعيا وسياسيا وفنيا .

وفي هذا السياق قام بتسليط الضوء على جهود الرعيل الأول من المسرحيين بالشمال الذين خاضوا معركة تأسيس، وترسيخ الفعل المسرحي أمثال : الزعيم عبد الخالق الطريس، والأستاذ محمد الدحروش والدكتور محمد النشناش، والممثلة تريا حسن … و غیرهم من خاضوا تجربة التأسيس بوعي جمالي، وإدراك للأبعاد الوظيفية للفعل الدرامي. وهو أمر كان يتماشى مع خصوصية المرحلة التي كانت تقتضي إبعاد المسرح عن الوظيفة الفنية الخالصة، واقحامه في الحركية الإجتماعية والاقتصادية واعتباره أداة نضالية، وواجهة لمقاومة المستعمر وإفشال مخططاته الرامية إلى طمس الهوية، والإجهاز على الخصوصية والإنسية المغربية.

وعليه، فإننا لا نستطيع فصل الحركة التأريخية عن الشروط الموضوعية التي تميزت بالصدام مع المخطط الاستعماري، مما يضفي على العملية التاريخية دلالتها النضالية وأبعادها الملتزمة كما هو الحال تماماً بالنسبة لموضوع التأسيس، ذلك أن التأسيس في المسرح يرتبط بالهوية والاعتزار بالانتماء، والوعي بالكينونة غير أن المغامرة التوثيقية لم تقف عند حدود تبلور الصيغة المسرحية مع الرواد، بل إن المؤرخ يصر على الحفر عميقا في تاريخ المسرح بالشمال طارحا ما يسميه سؤال الكينونة وسؤال الوجود (6) وهو امر دفعه إلى تجاوز مجموعة من اليقينيات والأحكام الجاهزة والتي تذهب إلى أن ظهور المسرح بالمغرب لم يتم قبل 1913.

ولا شك أن هذا الإدعاء يستند إلى يقينيات راسخة في الوعي، والذاكرة المسرحية المغربية تفنذه الوثائق التي كشف عنها رضوان حدادو، والتي تفصح عن وجود حرکة مسرحية نشيطة بالشمال منذ الاحتلال الأول لتطوان من طرف الاسبان سنة 1960 فيما يعرف” بحرب افريقيا”، حيث شيد الإسبان في ذلك الفترة مسرحا أطلقوا عليه، مسرح إسابيل الثانية. و قدمت فيه عشرات الأعمال الدرامية، لم تقتصر على النخبة بل كانت مفتوحة في وجه العموم . وقد نجم عن هذا النشاط الذي كان يحتضنه مسرح إسابيل ظهور فرق أخرى ساهمت في انعاش الحركة المسرحية بالمدينة، و ترسيخ الفعل الدرامي بالبيئة التطوانية. ويذكر المستعرب الإسباني ” خيل بنوميا” في كتابة المغرب الأندلسي” ان شابا أندلسيا من الوافدين على مدينة تطوان أسس فرقة مسرحية أنجزت أعمالا مسرحية متعددة، وألهم شباب المدينة وحفزهم على تأسيس فرق مسرحية والانخراط في حركية الفعل الدرامي بالمدينة.

وهكذا، فإن رضوان احدادو أصر على النبش في تاريخ المسرح بالشمال، مستنطقا، المراجع والمصادر المغربية والاجنبية في أفق صياغة تاريخ المسرح الحقيقي ببلادنا المشروط بالتوثيق الموضوعي، والبحث العميق المرتكز على المستند الصحيح، والطامح إلى الإحاطة الشاملة، والدقة المطلوبة في تشكيل ذاكرة المسرح المغربي. وقد كان من ثمار هذه المغامرة التأريخية تفجير مفاجاءات عصفت باليقينيات السابقة، والقناعات الكسولة التي ترسخت في ذاكرة معطوبة تحتاج إلى مزيد من البحث والتقصي لترميمها، واعادة الاعتبار لجزء يبدو في حكم المغيب مهدد بالتلاشي والضياع، لذلك، فإن اللحظة تستدعي إرساء مؤسسة رسمية تنهض بمهام التوثيق والأرشفة صونا للذاكرة، وحفظا للمنتوج الابداعي المغربي.

نخلص الى أن تجربة رضوان احدادو تمثل خطوة رائدة على درب بناء ذاكرة مسرحية حقیقية تنشد الاكتمال، وتقوم على حفظ المنتوج الإبداعي المغربي في شموليته، وتعدده وحقيقته. ولا يمكن إرساء ذاكرة مسرحية مكتملة دون اعتماد منهجية التأريخ الجهوي الذي يستند إلى البحث والتنقيب وينطلق من المنجز المحلي مرورا بالجهوي وصولا الى بناء تاريخ شمولي للمسرح المغربي بعيد عن الهشاشة وخال من البياضات التي تشجع البعض على إطلاق الأحكام الخاطئة، والتصورات الجاهزة التي تبخس ابداع الأجبال وعطاءاتهم

هوامش:

1/ عزيز سعيدي : مجلة الألوكة ( الكترونية).

2/ عبد العزيز جدير،:الذاكرة والمسرح المغربي في ندوة على هامش مهرجان طنجة للمسرح الجامعي .جريدة القدس العربي النسخة الالكترونية.

3/ هشام بن الهاشمي : اشكالية بناء الذاكرة المسرحية (مجلة الفرجة) الالكترونية.

4/  عبد الله شقرون، “حياة في المسرح” مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء1997 ط. الأولى ص19_20.

5/ كريم لفحل الشرقاوي: قراءة في كتاب المسرح المغربي قبل الاستقلال. للدكتور مصطفي بغداد “مراكش الآن ” موقع الكتروني.

6/ ينظر في هذا الصدد إلى مقالتنا الموسومة: رضوان احدادو من سؤال الكينونة إلى سؤال الهوية .قراءة في كتاب” فرجات ا لبساط في شمال المغرب ” منشورة بمجلة الفرجة الالكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت