توازن اللغة الفصحى واللهجة المحلية/ استراتيجية جمالية لتعزيز التأثير الدرامي/ د. عماد هادي الخفاجي

في عالم المسرح العربي، يشهد النص المسرحي تحولًا لافتا في العديد من العروض التي تعتمده اللهجة المحلية بدلا من اللغة العربية الفصحى، ورغم أن هذا التحول قد يبدو كوسيلة لتقريب النص من الواقع الشعبي وتجسيد البيئة المحلية، إلا أن هناك العديد من المخاطر التي تنشأ من هذا الاستسهال في إزاحة البناء اللغوي للنص باتجاه اللهجات المحلية، فضلا على إن استخدام اللهجة المحلية في العرض المسرحي قد يؤدي إلى تعارض بين الأنظمة الجمالية للعرض، حيث تصبح هذه اللهجات في كثير من الأحيان عقبة أمام الوصول إلى الفعالية الجمالية المرغوبة في النص المسرحي، لان اللهجة المحلية قد تفتقر إلى المرونة والدقة اللغوية التي توفرها اللغة العربية الفصحى، وهو ما يجعلها لا تخلق المفارقات اللغوية العميقة أو اللحظات الشعرية الموحية التي قد تكون حاضرة في اللغة الفصحى.

أحد الأسئلة المهمة هنا :هل يمكن أن تخلق اللهجة المحلية حالة شعرية، أو مفارقة لغوية تُثري العرض؟ في رأيي، لا يمكن تحقيق ذلك من خلال الاستبدال الكامل للغة الفصحى باللهجة المحلية. في الواقع، إن القيمة الحقيقية للغة في العرض المسرحي تكمن في استخدامها كأداة معالجة ضمن بنية التقابل الحواري، وليس في استبدالها، لذا إذا كان من الضروري استخدام اللهجة المحلية، يجب أن يكون ذلك في لحظات معينة، مع العودة سريعا إلى اللغة العربية الفصحى لضمان الحفاظ على التوازن الجمالي للعرض.

في العديد من البلدان العربية، نجد أن اللهجات المحلية قد تحضر بشكل مفرط في العروض المسرحية، مما يؤدي إلى تراجع تأثير اللغة العربية الفصحى التي كانت قد تضفي طابعا جماليا أكثر سموا على النص، وفي العديد من الحالات، هذه اللهجات لا تأتي كجزء من معالجة فنية للموقف الدرامي أو ضمن البنية الشعرية للمشهد، بل يتم استخدامها عشوائيا، مما يؤدي إلى تراجع الجمالية العامة للعمل.

حتى وإن افترضنا، جدلا، أن استخدام اللهجة المحلية في بعض العروض كان جزءا من المعالجة الفنية للنص، فإن استمرار هذه اللهجة لأكثر من بضع جمل يشكل خطرا على البناء اللغوي للعرض، ويقلل من تأثير الجماليات اللغوية التي كان من الممكن أن تظهر إذا تم استخدام اللغة الفصحى مع بعض الإيماءات الطفيفة للهجة المحلية، وهذا يعني إن التحول المفاجئ إلى اللهجة المحلية البيئية دون مراعاة للفعالية الجمالية قد يؤدي إلى تقويض بنية العرض المسرحي، ويجعل هذا التحول يبدو أقرب إلى الاستسهال في معالجة النص، مما يضيع الكثير من الفرص الإبداعية.

بناء على ذلك، لا بد للمسرحيين من التفكير بشكل دقيق عند استخدام اللهجات المحلية، بحيث تكون جزءا من بناء العرض الفني وليست مجرد مكون سهل الاستعمال، وإن الحفاظ على التوازن بين اللغة الفصحى واللهجة المحلية يجب أن يكون جزءا من استراتيجية جمالية مدروسة تهدف إلى تحقيق تأثير درامي مؤثر، مع الحفاظ على جماليات النص العربي في أبهى صورها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت