مسرح الطفل في الوطن العربي.. إبداع مكبّل أم فرصة ضائعة؟/ د.عماد هادي الخفاجي

يُعد مسرح الطفل من أهم الوسائل الثقافية التي تؤثر في تكوين وعي الأجيال الناشئة، إذ يسهم في تنمية الخيال، وتعزيز التفكير الإبداعي، وتقديم محتوى تربوي وتعليمي بطرق جذابة، غير أن واقع مسرح الطفل في الوطن العربي لا يعكس الأهمية التي يُفترض أن يحظى بها، حيث يواجه العديد من التحديات التي تعيق تطوره وتحول دون استغلال إمكاناته الحقيقية، فبدلا من أن يكون مساحة للإبداع الخلاق، نجده مكبلا بغياب الدعم وضعف الرؤية، مما يحول دون تحوله إلى أداة فعالة في بناء ثقافة الطفل العربي، ومن أحد أبرز التحديات التي تواجه مسرح الطفل في الوطن العربي هو غياب النصوص المسرحية الجيدة التي تجمع بين البعد الجمالي والتربوي، فغالباً ما تعتمد العروض على نصوص ضعيفة أو مقتبسة لا تتناسب مع بيئة الطفل العربي، ما يجعلها تفقد قدرتها على التأثير الحقيقي في جمهوره المستهدف لان النص المسرحي الجيد هو القاعدة الأساسية لأي عرض ناجح، وحين يكون هذا النص غير مدروس أو بعيدا عن اهتمامات الطفل العصرية، يصبح العرض مجرد نشاط ترفيهي لا يترك أثرا حقيقيا في وجدان الصغار، وعلى الرغم من وجود محاولات لإنتاج نصوص أكثر جودة، فإنها تظل قليلة وغير كافية لسد الفراغ الكبير في هذا المجال،
إلى جانب ضعف النصوص، يعاني مسرح الطفل من نقص حاد في التمويل والإنتاج، إذ يُنظر إليه على أنه مجال غير مربح مقارنة بمسرح الكبار أو الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية، وهذا يؤدي إلى قلة العروض المسرحية ذات الجودة العالية، حيث تفتقر معظم الإنتاجات إلى التقنيات الحديثة، والمؤثرات البصرية المبتكرة، والتصميم الجذاب للديكور والملابس، مما يجعلها أقل قدرة على جذب انتباه الطفل ومخيلته، لان الطفل المعاصر، الذي أصبح أكثر ارتباطا بالوسائل الرقمية والمحتوى البصري المتطور، لن يكون من السهل إقناعه بمشاهدة عروض تعتمد على إمكانيات بدائية لا تتناسب مع توقعاته.
ولا تقتصر المشكلات على الإنتاج فقط، بل تمتد إلى نقص الكوادر المتخصصة في مسرح الطفل، إذ لا توجد برامج تدريبية كافية لصقل مهارات الممثلين والمخرجين الذين يتعاملون مع هذا النوع من المسرح لان المسرح الموجه للأطفال ليس مجرد نسخة مبسطة من مسرح الكبار، بل يتطلب أساليب أداء خاصة تتناسب مع نفسية الطفل، ولغة بصرية تجذب اهتمامه، وطريقة تفاعل تحاكي عالمه، وهذه المهارات لا تتوفر لدى معظم العاملين في هذا المجال بسبب غياب مؤسسات متخصصة في تأهيلهم.
إضافة إلى ذلك، يواجه مسرح الطفل تحديا كبيرا يتمثل في النظرة المجتمعية القاصرة لدوره وأهميته، فما زال يُنظر إليه في بعض الأوساط الثقافية على أنه مجرد نشاط ترفيهي محدود التأثير، وليس كوسيلة تعليمية وتربوية قادرة على تقديم محتوى يعزز القيم وينمّي الذكاء العاطفي والاجتماعي للأطفال وان هذه النظرة الضيقة تجعل المسرح الطفولي في كثير من الأحيان نشاطا هامشيا يُقدم في المهرجانات أو المناسبات، بدلا من أن يكون جزءا من السياسات الثقافية والتربوية المستدامة.
ورغم هذه العوائق فإن الفرص لا تزال قائمة للنهوض بمسرح الطفل العربي وجعله عنصرا فاعلا في تشكيل وعي الأجيال الجديدة، بحيث يمكن تحقيق ذلك من خلال تبني استراتيجيات أكثر شمولا، تبدأ بدعم الإنتاج المسرحي الموجه للأطفال، وتشجيع الكتاب والمبدعين على تطوير نصوص تناسب بيئة الطفل العربي، مع الحرص على دمج التكنولوجيا في العروض المسرحية لإضفاء لمسة بصرية أكثر جاذبية، كما وأن توفير برامج تدريبية متخصصة للفنانين والمخرجين سيساهم في خلق جيل جديد من المسرحيين القادرين على تقديم عروض أكثر جودة وتأثيرا.
وهذا يعني بان مسرح الطفل في الوطن العربي يقف عند مفترق طرق، فإما أن يظل إبداعا مكبلا بفعل الإهمال وضعف الدعم، وإما أن يتحول إلى فرصة حقيقية لصناعة ثقافة جديدة قادرة على التأثير في الأطفال بطرق أكثر حداثة وعمقا. وإن الرهان اليوم ليس فقط على المؤسسات الثقافية، بل أيضا على المسرحيين أنفسهم، في إيجاد حلول تعيد لهذا المسرح قيمته وأهميته، وتحوله من مجرد نشاط موسمي إلى ركن أساسي في المنظومة الثقافية العربية.