المسرح نسق من انساق النظام الاجتماعي/ فرح طه درويش

يعد المسرح محورا استراتيجيا على مستوى الفكر والفهم والعنصرالجمالي والحاجة للتعبير عن هذا الصدى الداخلي للفكر واشغالة في فضاء مكاني حي.
ان اهمية المسرح في داخل المجتمعات لا يقع ضمن الجانب الترفيهي لكن هو يذهب الى ابعد من ذلك الى لغة براكماتية لحاجة اظهار الفهم عند المجتمع من الافات المعاكسة التي تحيط بالنظام الاجتماعية على مستوى وجود الفرد ووعية, بالتالي المسرح يجابه التيارات والانظمة والافكار ويكشف ويزيح العتمة على فكرا وشكل معين يتعرض له المجتمع بجميع محاوره السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية والثقافية والتيارات السوشيليه المتاحه لايقوناتها التكنلوجية والتي احيانا تتعارض مع النسق الاجتماعي واحيانا تتفق معا, فأن الوجود المسرحي مهما خفتت الاضاءة عليه هو يشكل نسق (مهما وخطرا) على اللذين يعيشون داخل المنظومة المجتمعية ويعكسون سلوكهم التربوي والفني والعلمي.
وبذلك العملية المسرحية على مستوى الطرح بالمواضيع والقضايا والرؤى هو يتحدى بطريقة جمالية تكنيكية بتفكيك الازدحامات والفوضى سواء بالفكر او بالمنهج او بالصراعات المختلفة وهنا يشكل الفن المسرحي لحظة الاشارة الى وجود فعل ينافي حاجة الفرد داخل مجتمعة وهذا ما يعمل علية الممثل والنص المسرحي والعملية الادائية بتكوينها الى التوقف امام فكر او اتجاه معين يحاول ان يعكر مزاجية النظام الاجتماعي ولهذا الفن والمسرح هو الصوت المرتفع بوجه اي علامات تشوه هذا الفعل الدرامي النبيل وتعطي بواسطتة درسا او موقفا تساعد الفرد ان يفكر من جديد.
وهنا نعزز اهمية الفن المسرحي والمختصين والعاملين فيه على مر المراحل والعصور التاريخية والذين كانوا يفرضون الحضور المسرحي واهميته كعقل ومنهج واسلوب لأناس يعيشون ضمن مجتمع معين ويطرحون افكارهم ومواهبهم على مستوى الامكانية والقدرة للتعبير واتخاذ القرارات المصيرية التي من شأنها التغيير او التاثير على فكر المجتمع ووعية والامثله كثيرة ومنهم المخرج الروسي مايرهولد الذي جابه الظلم بفكره الفني المسرحي الابداعي والذي كان يتعرض له بوقتها الفن والمسرح والمفكرين والمثقفين اضافة الى الطبقات الاخرى من شرائح المجتمع الى التسلط المنفرد بالقرار السلطوي وكان مسرحه متميز بابتكار ألية على مستوى الاخراج والتمثيل واختيار المواضيع والقضايا المسرحية التي تفيد وتزيد من وعي المجتمع بمفهوم اصطلاحي غير الى يومنا هذا القواعد الادائية بعملية التمثيل وطريقة الفكر بتناول الفن المسرحي وهو ايضا كان يبحث عن وسائل لايصال رفضه للجانب السلطوي لاسيما خلق مدرسة واسلوب مسرحي مبتكر وهنا اصبح اهمية وحاجة ضرورية للمسرح ضمن النسق الاجتماعي, وهذا مانجد صداه عند بريخت الذي عبر عن الاحتجاج السياسي بملحمية مسرحه بايجاد اساليب وطرق لأيصال صوته الفكري وارائه كمخرج ومفكر وككاتب مسرحي رافض لنظام اجتماعي معين يتحكم بالافراد داخل المنظومة المجتمعية الواحده ويعطي شروط على اختيار اسلوب ومنهج لحياتهم وكان مسرح بريخت انعكاسا لرؤي متمردة واحتجاجية تعيد القراءات من جديد وهذا يشير ان الفنان ابن بيئته يطرح ماذا يدور داخل هذا النظام المجتمعي وبالتالي كان بريخت يبحث عن الشخصيات القوية والمؤثرة في نصوصه المسرحية ويقدمها في مسرحه من خلال العروض المسرحية ومن العلامات البارزة هي مسرحية (الام الشجاعة) وغيرها من مسرحه العريق التعليمي المميز.
وهنا نشير ان المجتمعات التي لايوجد فيها مسرح وفهم فلسفي حقيقي يحمل الدلالات والعلامات التشفيرية والمعرفية والثقافية يدل ذلك ان هذه الفئة المجتمعية تحمل في طياتها فسادا عقائديا ولا حاجة له للتعبير لاسيما وهذا ما كانت عليه في العصور التاريخية المسرحية المظلمة حيث كان الفهم الديني المتسلط انذاك على الوجود والفكر والافراد بكل مستوياتهم والذي جعل من هذه المجتمعات الخاضعه والمجبره لهذا التسلط غير قادرة على التعبير واظهار الحاجة العلنية حتى من خلال الفن المسرحي الدرامي كونه يصل اسرع لعملية التوعية للبنية المجتمعية لاسيما وان المسرح في وقتها عاش فترة متخفيا ولا يظهر وجوده لانه يتعرض للخوف والفساد والاظطهاد وهذا بشكل عام ما نجده في كل الازمنة والمحن والتقلبات والصراعات السياسية والدينية والاجتماعية دول تعيش التخبطات وخاصة التي كانت تتعرض للحروب والطائفية والافكار المغاييرة للبناء السليمي المجتمعي نفسه, فالمسرح يسعى لاظهار الوجه الحقيقي ولكن بشكل درامي عن ماهيات وخبايا المجتمع مهما كانت الحقائق صادمة لكن الفعل الدرامي يتقلب حسب الظروف المعطات للعملية الدرامية وتنقلات مفهوم البطل المتجسدة احيانا بالقصة او بالاشخاص من الكلاسيكية القديمة واوديب والكترا والصراعات القدرية الى الكلاسيكية الحديثة والتي تمحورت بالخيانات بين السلطة والدين واثبات الوجود الانساني بعالم التبئات والخيالات والشعوذة احيانا.
وايضا نشير الى الاتجاهات والمدارس المسرحية والادبية والفكرية التي تمظهرت بين التطور الفني ونمو المجتمعات على جميع الاصعدة المهنية والبشرية بالتالي الفن والادب هو نتاج لفكر وسلوك المجتمع والبيئة المحيطة والتعددات بالاساليب والطرق بالتيارات الفكرية التي عبر عنها المفكرين بمناهج نقدية ونظرية التلقي ووعي المتفرج او القارئ والاساليب التي كانت تتماشى مع رؤى وفكر المجتمع من الواقعية والرمزية والسريالية والعبثيه واللامعقولية الدرامية بالصراعات التي يتناولها الاديب والفيلسوف والممثل المسرحي والمتجسدة بالقصة والرواية والعرض المسرحي وبناء الصورة الشعرية فجميع هذه النصوص انعاكس لفهم وفكر مجتمع وبالتالي اصبح وجود وحاله ملحه للمسرح الذي يعبرعن الثقافة العقلية للمجتمعات المتحضره الرافضه سابقا لهذا المد الجمالي والفكري والثقافي وذلك بسبب الارادة والايمان الحقيقي والحاجة للتعبير عن هذه الافكار والعقلية للمطالبة باظهار ذاتية هؤلاء المفكرين من المجتمع الواحد بايصال الصورة الفنية والمشهد الدرامي من اجل التعبير عن مخاضات الفرد داخل منظومته او مجموعة من الافراد وهذا يدل على حرية التعبير الفردي والشعور بالمسؤولية من خلال ممارسة العملية المسرحية ببناء الانسان وذاته وايضا الى الاحساس بالمشاعر والعواطف التي تتكون داخل المشهد الدرامي وتاثيراته بكل الانفعالات والافعال على العنصر الحي وهو الانسان بواسطة مجموعة من الممثلين والمفكرين والشخصيات التي تدور احداثها ومواقفها على خشبة المسرح, لذا جميع المراحل التي مربها المسرح والتقلبات الاجتماعية جعلت المؤلفين والمخرجين والممثلين يارشفون هذه المراحل مع وجهات نظرهم وارائهم التي ارسخوها في بنيتهم الدرامية وكيفية تجسيدها على المسرح سواء كان في مسرح شكسبير والاشارات الواضحة للصراعات سواء العرقية او الشكلية او الصراع بين الطبقات واظهار التميز والتعالي في بنيتهم الاجتماعية, وكذلك عندما كشف المسرح عن التطوارت والحالات الاجتماعية بشكل طبيعي وواقعي واصبح يتناول مواضيع تذهب الى عمق النظره الحقيقية للمجتمع هنا ظهر ابسن وتشيخوف وستريندبرغ والذين كتبوا من خلال نصوصهم المسرحية عن الحقوق والواجبات وايضا عن المرأة وحقها في المجتمع وتناولوا مواضيع تخص الحياة اليومية وشقائها وواقعها المرير وبالتالي تغيرت تناول المواضيع في المسرح ليناقش اصل الفرد وعلاقة بالمجتمع والمطالبة بالحقوق والواجبات والانسان غير مقيد وعبد للافكار والسلطات بكل انواعها وامتدداها البراكماتي من اجل السيطرة عليهم, المسرح وقف امام هذه الظاهرة وخلق هالة من الوعي للمتفرج او المتلقي وان الجميع ابطال مهما كانت مساحة ادوارهم وهذا كان على المستوى المسرحي والنظام الاجتماعي لان الفكر انتاج وصناعة وبالتالي له الحق بالتعبير واعطاء الراي وليس فقط مسير وانما ايضا هو مخير مبتعدا كل الابتعاد عن رفوف الفلسفة التي حكمت على الانسان وطوقته بان يتامل بالطبيعة ويفرض الشروط بواقعية الفكر لان الفلسفة كانت مهيمنه لفترات طويلة صادرت الواقعية الحقيقة وحاجة الفنان والمتلقي ان يبحث عن احتياجاته الروتينية واليومية والفلسفة تسال عن الوجود والميتافيزقيا وحكمت ان ينعزل الفكر عن الواقع ومجاراته واليوم اصبح هذا الفكر هو متعالي يعيش في ابراج خلقتها لنفسها هذه النظرة الفلسفية, لكن الفن والادب والمسرح كان اكثر حكمه وعقلانية والشعور بالواقع والحاجه له بالمحيط للبيئة الفكرية الواقعية الحقيقية وانه يتغيرو يتطور ولا ينطوء على ذاته لذا تحرر الفن والمسرح والادب واصبح يرنو الى الحداثة ومابعد الحداثة وحتى مابعد الدراما وظهرت اليوم الكثير من المسميات حتى يبقى المسرح يحفظ وجوده وهيبتة ومكانته ضمن النسق الاجتماعي والحاجه لوجوده بكل الابعاد والاشكال فالمسرح جزءا لايتجزء من البناء الثقافي والتاريخي والحضاري داخل البنية الاجتماعية.