نصوص خشنة … هادي المهدي / خالد ايما
لا اعرف ماذا أقول، ولا أقول غير ما اعرف. ربما هي الصدفة التي انتظرتها بلهفة غامرة، وربما هي الحقيقة (الحياة) التي دائماً ما تصار إلى وهم وأكذوبة مقدسة … الحقيقة التي لا يمكن أن نكذبها يوماً مهما حدث ويحدث، ولا داعي بالمرة لأن نكذب لنكون حقيقيين … حقيقيين إزاء قراءتنا واستنشاقنا لنصوص “هادي المهدي” الخشنة بقلقها، وأحلامها، وطفولتها، وجنونها، وأوجاعها… نصوصاً اخترقت ذائقتي (الثقا – مسرحية) بكل ما تحمله من دلائل ومؤشرات ابتداءً من الغلاف الذي توشم بصورة (ميديا)، ومدخل النص … المدخل الذي كان يبحث عن النص والتراث والهوية، وهذا ديدن المنتج الأول (هادي المهدي) المبتلى دائماً بأفكار ونصوص ورؤى مشاكسة ومتمردة لن تأتي من فراغ، ولا تؤول إلى فراغ بقدر ما تحسب إلى وعي ومعرفة وذائقة (المهدي) المتخمة دائماً بقراءات متنوعة (متعددة) لا يمكن تأطيرها وتحجيمها بالمرة، ولا يمكن لنا أن نتجاهلها لما تمتاز به من تقنية وتكنيك واستحواذ تام يشكل بالدرجة الأساس نهجاً جديداً في كتابة النص وبالأحرى صياغة النص بصرياً، وهذه إحدى المهيمنات التي يسمو ويتألق بها “المهدي” في كتابة النص منذ البداية، فهو يكتب بلغة0(ثالثة) قريبة من ذات القارئ …القارئ الذي يحيله إلى منتج أخر(القارئ منتج أخر للنص) حسب”بارت” وربما يكون ” القارئ أحسن فهماً للنص من الكاتب نفسه” وهينك يربط المؤلف تفسير النص ومحاولة تحديد المعنى بتجربة القراءة، وربما “النص المسرحي” لا يقول كل شيء لأنه نص مثقوب كما تقول “اوبر سفيلد” وهذه الثقوب قد يملأها القارئ للنص ” وبإمكان النص أن يقول كل شيء باستثناء ما يود الكاتب التدليل علية، ولكن السؤال الذي يتعين علينا طرحه إزاء قراءتنا لهذه النصوص المائزة بالخشونة ليس هو: ما موقع النص في الصيرورة التاريخية أو ما الذي يقوله أو كيف يقوله؟ وإنما هو: ماذا يحدث في القارئ حين يقرأ ؟ أي : ما هو موقع النص فيه ؟ وبالتالي يولد النص حينما يقرأه الأخر(القارئ) وهو من يمنح الحياة للنص، ولا أريد هنا أن أكون منظراً وادخل مجال التنظير من اجل التنظير في الفهم والنص والتأويل( لا معنى بدون تأويل)، والحديث عن بعض الجوانب الفكرية والجمالية بقدر ما أشم رائحة النص بعنفوانه، وقسوته، وحرارته، وأحلامه … أشم رائحة التمرد، والثورة، والدولة، والحياة، والموت،والحكمة …أشم رائحة الإنسان الذي (مهما يقول، ومهما يكتب، ومهما يفعل لا أثق به … فهو الإمكانية بحد ذاتها على التحول والتغير والانحراف …) ص78 لذا ما نشمه من رائحة ، وما نصطاده (نقرأه) في نصوص خشنة هو حقيقي ، وما نسمعه صدق لا سيما وان الشعارات ، والرايات، وكل الألوان التي دونها (المهدي) على بياضات الورق كانت ذهبية بلون الشمس (كل ما نقرأه حقيقي … وكل ما نسمعه صدق … كل الشعارات ذهبية بلون الشمس …وكل الرايات ذات نجوم خلاص …وكل الألوان جميلة كلها بلا تمييز … ولكن كل هذا محض هراء … عماء … وسخرية … وتحذير … أنها فخاخ تصنع للحمقى أمثالي ) ص78 ، ولا أريد هنا أن أصاب بإحدى شظايا النص (المفخخ) واضرب بفايروس خطير بقدر ما أريد أن أنجو بنفسي من ما يحدث اليوم من أزمة (حقيقية ) مفخخة بالوهم، والأكاذيب، والخيانة، والنفاق، والظلم، والاستبداد، والأحلام الضائعة. ولا أريد أن أفقد طعم الأشياء، وأفقد الإحساس بالجمال والحب إزاء قراءتي لهذه السخرية والصراحة، والبساطة، والخشونة، والقسوة، والمكاشفة التي يحاول فيها (المهدي) أن يرسم لنا حقيقة الحياة بنصوص مشحونة بالأكاذيب، والخونة، والدسائس … نصوص لا تتفق بقدر ما تختلف لأن الاتفاق لديها لا ينتج إلا الجمود والموت فضلاً عن الاختلاف الذي تأخذه وسيلة لإثارة المزيد من الأسئلة، وباعثاً على الإنتاج والمواصلة … نصوص تصنع الحياة بلا كذب … بلا كذابين … بلا خونة … بلا مأجورين وقتله …
نصوص خشنة: ثلاث مسرحيات/هادي المهدي/دار الطليعة الجديدة
سوريا /دمشق
الطبعة الأولى _1999