قراءة حول مسرحية:"بقعة زيت" / الدكتور ماهر كتيباني
يعد العرض متكاملا فنيا عندما تحقق العناصر المكونة له تكاملها الجمالي، في عرض ( بقعة زيت ) لمؤلفها محمود ابو العباس، ومعدها ومخرجها عبد الرحمن التميمي، ومؤثث السينوغرافيا سهيل البياتي، ومجسدها محمد هاشم، يسير البعدان الفني والجمالي بشكل متواز، يتموقع العرض افتراضيا على بقعة منحدرة منزلقة، تؤطرها أشلاء الملابس المبعثرة، انحدارها على مرحلتين، مع امتداد في العمق بسواد حالك، يوصل البقعة إلى مصدرها القاتم، من عمق السواد تمضي إلى منحدر البقعة كتلة بشرية يفضحها كشاف ضوئي، يفضح ما ستؤول إليه الوقائع، وليتصل الضوء باللون الأحمر الذي يعكس حجم التضحية التي سببتها تلك البقعة، التي سممت تلك الأجساد المبعثرة المنهوبة، الكتلة البشرية بعصاها الطويلة، تحمل كل موروث القهر التراكمي، مع قماشة هائلة هي المعادل لحجم الموت الذي ربتت به البقعة على أجساد الأشلاء المبعثرة الهائمة، منحدر البقعة، منزلق أوقعها في أتون موت ليس لها فيه غير الضياع، معادلان يجسدان تلك الفضيحة المجسد الحي والمجسد القماشة، وكلاهما واحد كما تجلى ذلك في مفترق طرق الحكاية، بقعة الزيت باشتعال كشافان ضوئيان على جانبيها تحولت إلى مقدمة آلية عسكرية مدرعة، وهنا فإن بقعة الزيت تلك ما هي إلا حاضنة الحرب، والقماشة العباءة هي كفن كبير وراية استسلام ووجع لا ينتهي .
العرض فنيا وجماليا شكل بقعة ضوء جادة في عرضنا العراقي، وقيمة الأداء التمثيلي للفنان ( محمد هاشم ) بمثابة أطروحة متكاملة في التمثيل المعبر الممتلئ بالحيوية، والنضج، والإقناع، والاحتراف، تطلب جهدا عالي الجودة والدقة الفنية، اكسب العرض دقة إيقاعية، في مسافات التحول بإيقاعية الفعل المجسد للحالات المتغايرة بين انفعال وآخر، وبلاغة الصمت المعبر، والشدة المؤثرة في توتر الشخصية بحكم إنتاجها لحالة تفرز موقفا، وفعلا أدائيا معبئا بالشغل المسرحي، حقق (محمد هاشم ) فعلا أدائيا متقدما نضجا ووعيا وهاما في حقل الانصهار مابين الذات الحاملة لمتن من الوقائع المعاشة بتفاصيل ما يجري وجرى، ومابين الشخصية المفترضة بأصواتها المختلفة، بوصفة يحمل وحدات صوتية تجسد الصوت الواحد المذاب في المجموع، لقد قدم درسا أكاديميا متكاملا، والتكامل الفني جاء منضبطا بحسب الرؤية الإبداعية لذخيرة من المعطيات الراسخة في مساحات خيال المخرج الملتزم ( عبد الرحمن التميمي ) الذي أثرى الصورة بكل ما يعزز روح البناء للوحة السينوغرافية التي وضعها على سطور العرض ( سهيل البياتي )
عرضت في ثاني أيامها ( بقعة زيت ) مساء الجمعة ٢٠١٥/٥/٨، المسرح الوطني في بغداد ،، تمنياتي أن يمتد العرض إلى مسافات أخرى وأماكن متنوعة ، وان يشاهده طلبة الفنون المسرحية ، بوصفه درسا فنيا وجماليا متكاملا