علي عبد النبي الزيدي: أدرك أن حياتي لا يمكن أن تنفصل عن أروقة المسرح ، أكانت على الخشبة أو على الورق / حاوره : خضير الزيدي

الفرجة:  بداية دعنا نتحدث  عن أسباب اهتمامك المتزايد بالفن المسرحي؟
علي عبد النبي : هناك إحساس غريب هو الذي جرنا لعالم المسرح وللكتابة بشكل خاص، لا أدري فعلا ما هو، ولكنني أدرك أهمية هذا الإحساس الذي صور لي خشبة المسرح بكونها صوتا جماليا ومعرفيا مؤثرا في هذا الكون، وأخذ اهتمامي بهذا الفن يتزايد سنة بعد سنة حتى وجدت نفسي غارقا في تفاصيله، وعندما كبرت عرفت أهمية المسرح، هو يعطني قوة ساحرة تجعلني انظر إلى الحياة نظرة أخرى تختلف عن نظرات الآخرين، لأن المادة السحرية تجعلك تقرأ الواقع قراءة مغايرة تماما بالرغم من أن هذه القراءة – أصلا- خرجت من الواقع نفسه، وبالتالي وجدتني قد تشكلت هكذا جراء غرامي الكبير بعالم المسرح، وأنا أدرك الآن أن حياتي لا يمكن أن تنفصل عن تلك التفاصيل الكبيرة والكثيرة التي عشتها داخل أروقة المسرح، أكانت على الخشبة أو على الورق .
الفرجة: دعني أتفهم هذا الأمر، هل هناك إشكالية في هوية المسرح العراقي؟
علي عبد النبي: هذه واحدة من صيحات السينين الذين انقضت أعمارهم وهم يتحدثون عن الهوية في الأدب والفن، وانتهت تلك الأعمار ولم يستطيعوا أن يجدوا تعريفا واحدا عن موضوعة الهوية، لا شيء يحتم علينا البحث عن هذا الموضوع، الفن والأدب كما أرى فعل إنساني بعيد عن هوية وجنسية ولون الكاتب والفن، ربما ما يكتب في أمريكا الآن أو في أوربا عموما هو عن الواقع العراقي، وبالمقابل لا تعنيني الأسماء بقدر اهتمامي بالمنجز الإبداعي، هكذا أرى بعد أن خرجت من حدودنا العراقية الضيقة إلى أفقنا العربي من أقصاه إلى أدناه وأخذ عشرات المخرجين العرب يقدمون نصوصي، هم يرون أن القضايا التي أكتب عنها قضايا ساخنة في بلدانهم، ومن هنا أريد التأكيد على قضايا الإنسان في كل مكان منطلقا من همومه وتطلعاته وأحلامه الكبيرة. المسرح العراقي اليوم تجاوز محنة الهوية إلى ما هو أبعد، إنه يجرب الآن بالأشكال والمواضيع لذلك تجده مؤثرا في الواقع العربي عموما .
الفرجة: وماذا عن مميزات المسرح العراقي قياسا بالمسارح العربية؟
علي عبد النبي: قضايا المسرح العراقي أكثر سخونة عن مثلاتها عربيا، على اعتبار أن العراق المكان الخصب للحروب والقتل والدكتاتوريات والعديد من المواضيع الكارثية التي عاشها الواقع هنا منذ عقود طويلة، من هنا أجد أن ما يقدم على خشبات المسرح تختلف كثيرا عن المواضيع في العديد من البلدان العربية التي عاشت الاستقرار والهدوء والترف، حتى أنني أجد أن ما عرض على خشبات المسرح عندنا منذ مطلع التسعينيات إلى الآن على درجة كبيرة من الأهمية وللأسف غياب المشروع النقدي العراقي جعلنا نخسر الكثير من الطروحات المهمة التي غابت بغياب الذاكرة وعلى التأكيد عليها من قبل النقد الذي لم يستطع استيعاب تلك المراحل الهامة من تأريخنا مسرحنا .
الفرجة:  بوصفك باحثا في المسرح ماذا تفسر غياب النص المؤثر في تاريخ المسرح العراقي ؟
علي عبد النبي : لا يمكن الحديث عن الغياب بشكله النهائي، لا بالتأكيد هناك تجارب مميزة وناضجة في مسرحنا العراقي، ولدينا كتاب تجاوزوا المحلية بكثير، ولكن هؤلاء يعدون بأصابع اليد الواحدة، أما ما يكتب هنا وهناك لا أعدها تجارب مؤثرة وهي ربما رغبات آنية ستزول بزوال المسبب، أنا هنا أتحدث عن ( التجارب )، لا أنفي الأزمة ولكن ليس كما يتصورها البعض، بدليل ظهور نصوص مسرحية على خشبات المسارح وكان لها ردود أفعال كبيرة يقف وراءها العديد من كتاب مسرحنا العراقي، ربما الأزمة تكمن في فقر بعض الكتاب حول نظرتهم للواقع هنا ومراوحتهم بخطابات لا ترتقي لما يحدث الآن خاصة ما بعد 2003 ، ولكنني انظر إلى المستقبل بعينين متفائلتين حول ظهور أسماء تستفيد من تجارب كتابنا في هذا المجال .
الفرجة: هل هناك أزمة في تطور المسرح العراقي قياسا إلى مسارح العالم ؟
علي عبد النبي: لعراق كان بلدا مغلقا لسنوات طويلة بفعل الدكتاتورية وهيمنة سلطة الثقافة على مقدارات المثقف العراقي ، وبعد زوالها بدأت الثقافة عندنا والمسرح بشكل خاص يتنفس أوكسجينا جديدا ، ينظر الى المنجز العالمي بعين ، وعينه الآخر على عروضه المسرحية التي تحاول مواكبة ما يعرض عالميا ، وأجد التنوع الواضح في الخطابات من الأدلة القاطعة على تطور مسرحنا من خلال رؤى المخرجين والمؤلفين والممثلين بل حتى على المستوى التقني الآخر ، اعتقد أننا اليوم امام منعطف مهم لو تسنى له الإستمرار والتواصل ودعم الدولة لوجدنا انفسنا أمام تيارات تنهل من حرارة الواقع العراقي الغريب بمواضيعه .
الفرجة: أتوجد محاولات  جادة في التنظير من شأنها ان تعزز دور الأدب المسرحي في العراق؟
علي عبد النبي : غياب المشروع النقدي حتم غياب التنظير إلا بحدود نادرة طبعا، الأمر الذي جعل الكثير من التجارب المهمة تتوقف في مكانها بالرغم من أنني أؤكد لو تسنى لهذه التجارب وجود مشروع نقدي يواكب طروحاتها على مستوى الشكل والمضمون لنحن الآن نقف على تجارب فيها الكثير من الجدة والتنوع والمشاكسة، يمكن للمستقبل ومع ظهور أجيال أخرى في مسرحنا أن تجعل هذه التجارب تنمو وتتطور. نعم . توجد محاولات بهذا الاتجاه للتنظير ولكنها خجولة ولا تملك الجرأة بطرحها أفكارها ومشروعها المسرحي المؤثر .
الفرجة: هل لك محاولات في توظيف الميثولوجيا والتراث في المسرح سواء على صعيد الإخراج أو الكتابة؟
علي عبد النبي: بالتأكيد هناك تجارب بهذا السياق، وربما يقف المرحوم المخرج قاسم محمد على رأس هذه القائمة كتابة وعرضا ، فقد كتب وأخرج العديد من العروض المسرحية التي وجدت صدى واسعا في الوسط الثقافي عندنا واعتبرها العرب إضافة مهمة للمسرح العربي من خلال توظيف التراث أو ما سماه هو بمسرحة التراث. إضافة إلى تجارب أخرى عراقية في التأليف حاولت أن توظف التأريخ والحكايا والأساطير توظيفا معاصرا، ونحن أمام عشرات النصوص والعروض معا بهذا الاتجاه كتجارب يوسف العاني وطه سالم وعادل كاظم فلاح شاكر ومثال غازي وخزعل الماجدي وسواهم، وأنا عندي العديد من النصوص التي حاولت الاستفادة من التأريخ القديم وحكايا ألف ليلة وليلة ونشرت بعض هذه النصوص في كتب، وكل هذه الكتابات اعتقد بأنها محاولات للبحث عن شكل يرضى خيالي بنص مسرحي يمكن له أن يكون جديدا في شكله على أقل تقدير .
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت