أ.د.علي محمد هادي الربيعي في إصداره الحديد/ مبعوث مجلة الفرجة صادق مرزوق (العراق)
ضمن إصدارات دار الشؤون الثقافية العامة – وزارة الثقافية العراقية.. أصدر الأستاذ الدكتور علي الربيعي كتابه الموسوم (مسرحيات نعوم فتح الله سحار المفقودة – دراسة ونصوص) وقد تناول المؤلف في مقدمة الكتاب بحوثه ورحلاته المتواصلة من أجل التأصيل التاريخي للمسرح العراقي .باعتبار أن هذا البحث شائك ومعقد بالرغم من أن ظهور المسرح العراقي رسميا لم يكن بعيدا. فقد تركز ذلك الظهور في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. لكن العقدة تكمن في طرائق البحث لتلك الدراسات واختلافها عن بعضها في تناول البعد التاريخي لنشوء المسرح العراقي.
فقد ركز بعض الباحثين على أن يجعل من نشوء المسرح العراقي ضاربا في القدم باعتبار أن الإختفالات الدينية في الحضارات القديمة التي قامت على أرض العراق بأنها تنتمي للظاهرة المسرحية وقد تطرف البعض في هذا الاتجاه. فيما أكد فريق آخر على أن المسرح هو فن وافد إلى العراق ولا يمكن التأصيل لهذا الفن عراقيا.. والفريق الثالث هو الأكثر موضوعية لأنه اعتمد الجانب العلمي والمهني في اعتماده. الوثيقة التاريخية كونها تعتبر القول الفصل في هذا المبحث.. وتعد بحوث ومؤلفات الدكتور علي الربيعي في مقدمة الدراسات التي اعتمدت المعلومة التاريخية في هذا المجال. حيث يذكر لنا الدكتور علي الربيعي في كتابه مسرحيات نعوم فتح الله, الرحلات التي قام بها لعدة مكاتب في مدن النجف وكربلاء والديوانية والموصل والبصرة واربيل بالإضافة إلى مكتبات العاصمة بغداد من أجل الحصول على معلومة لم يتطرق لها الباحثون في تاريخ المسرح في العراق .. ومن بين أهم الرحلات التي قام بها الأستاذ الدكتور علي الربيعي هي رحلته للكنائس والاديرة في بغداد والموصل وأربيل للحصول على وثائق ومخطوطات حول بدايات المسرح العراقي . وكانت الزيارة لكنيسة مريم العذراء في بغداد برفقة الباحث البيلوغرافي الدكتور عامر صباح المرزوك هي الأهم في هذا البحث بعد المقابلة التي قام بها الدكتور الربيعي مع راعي الكنيسة الدكتور بطرس حداد حسب ما جاء في مقدمة كتاب (مسرحيات نعوم فتح الله سحار) حيث كان هذا الرجل حسب مقدمة الكتاب يعد من المهتمين بأدب الرحلات والتاريخ وكان المسرح من بين اهتماماته . وقد كان لهذا اللقاء أثرا كبيرا في إصدار هذا الكتاب لان تلك اللقاءات المتواصلة مع راعي الكنيسة أضافت للدكتور الربيعي الكثير من المعلومات التي لم يتطرق لها أي من الباحثين حول تاريخ المسرح في العراق حيث أهدى الدكتور بطرس حداد مخطوطة تضم خمس مسرحيات تعود إلى نعوم فتح الله سحار التي يعود تاريخها إلى العام 1890 وتعتبر هذه المخطوطة مهمة جدا من الناحية التاريخية .
ويذكر الدكتور علي الربيعي أنه عكف على دراسة تلك النصوص لسحار ما يقارب العام ونصف العام . كونه لم يجد من يكتب عن تلك النصوص أو يتطرق إلى مؤلفها نعوم فتح الله سحار . ولم يجد إلى إشارات بسيطة بهذا الاتجاه. وقد جاء كتاب مسرحيات نعوم فتح الله سحار على قسمين وكل قسم يتكون من مجموعة فصول تضمن القسم الأول حياة نعوم فتح الله سجار والعوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت في ظهور حركة ثقافية نهضوية بما فيها المسرح ,متأثرة بالتطور الثقافي في الغرب الأوربي , وظهور عدد من الولاة الإصلاحيين يتقدمهم الوالي مدحت باشا الذي يعود له الفضل في إرساء المشروع الثقافي في العراق , مضافا إلى ذلك ظهور نخب من العراقيين المتنورين بعد أن تلقفوا مظاهر التحديث في مصر وبلاد الشام كما جاء في كتاب الدكتور الربيعي , وقد نشأ نعوم فتح الله حسب الكتاب وسط هذه المتغيرات التي كان له الأثر الكبير على المستوى التعليمي على نعوم السجار الذي ولد في أسرة مسيحية محافظة, وتعلم قواعد اللغة العربية وآدابها وتوسع في تعلم اللغة التركية والفرنسية, وأصدر العديد من الكتب , كذلك كتب السحار الشعر, ومن بعد ذلك توجه إلى عالم المسرح وقد ساعده في ذلك معرفته باللغة الفرنسية . وجد سحار في المسرح وسيلة تربوية وأخلاقية وتعليمية, وقد خصص الدكتور الربيعي الفصل الثاني من القسم الأول في الكتاب لتحليل ودراسة النصوص المسرحية لنعوم فتح الله سحار, وحسب ما جاء في الكتاب أن أربعا من هذه النصوص الخمس لم تخضع لأي دراسة أو تحليل قبل إصدار هذا الكتاب ما عدا مسرحية ( لطيف وخوشابا) , فيما جاء القسم الثاني بخمسة فصول خصص كل فصل لنص مسرحي من نصوص نعوم فتح الله سحار , ومن هذه النصوص : ( إياك ومعاشرة الأشرار, لطيف وخوشابا, الفتيان الاسيران , الرأس الأسود , الدراهم الحمراء) وتعد هذه النصوص المسرحية الخمس كنزا يضاف إلى المكتبة العربية, ويذكر لنا الدكتور الربيعي في خاتمة الكتاب أن هذه المسرحيات هي ليست من تأليف نعوم فتح الله, بل أنه ترجم أربع منها بتصرف, أما المسرحية الخامسة ( إياك ومعاشرة الأشرار) فتبدو أنها من تأليف كاتب لبناني مجهول، كما أن جميع المسرحيات كانت ذات طابع أخلاقي تربوي ارشادي , وحاول سحار ربط هذه النصوص بالواقع العراقي لكي تكون قريبة وتؤدي غرضها التربوي للمتلقي العراقي , ويذكر الدكتور الربيعي أن هذه المسرحيات يبدو أنها عرضت في المدرسة, لأن بعضها قد كتب بطريقة المسرح المدرسي الإرشادي, وقد خلّت جميع المسرحيات من العنصر النسوي, وقد أدى هذا الغياب حسب الدكتور الربيعي إلى إخلال واضح في مسار الحدث الدرامي, كما أن هذه النصوص تباينت في اللغة التي كتبت بها , فقد كتبت باللغة الفصحى والعامية الدارجة, وكانت اللهجة الموصلية المحلية هي الغالبة في الكتابة، كما أشار الدكتور الربيعي في نهاية الخاتمة على أن هذه النصوص تخللتها بعض الهنات الناجمة عن تدخل سحار في بنيتها الأصلية, فقد سمح سحار لقلمه أن يغير عن طريق الإضافة أو الحذف أو التعديل, مما جعل بعض المواقف غير مقبولة دراميا, ولا تحتكم على منطقية سببية مقنعة حسب ما جاء في كتاب مسرحيات نعوم فتح الله سجار لمؤلفة أ. د. علي محمد هادي الربيعي