مسرح ما بعد التغير وتعدد خطاباته قراءة في كتاب (المسرح العراقي ما بعد التغيير) لمؤلفه بشار عليوي/ قراءة : حسن الغبيني
تعد مرحلة التغير من الظواهر المهمة التي ساهمت في تشكيل ملامح الخطاب الثقافي والفني والسياسي بما أفرزته من انساق ثقافية قد وجدت لها متنفس من خلال ما توفر لها من مساحة للحرية التي خلقتها رياح التغير التي عصفت في جسد الدولة العراقية تقتلعها من الجذور لذا يعد تاريخ 9/4/ 2003 انطلاقه ألقت بظلالها على جسد الخطاب الثقافي العراقي بكل تمظهراتها الأدبية والفنية والسياسية, فهي عملت على تحرك الساكن في داخل المجتمع العراقي وأيقظت الهامش المخبوء تحت أطلال الإيدلوجيا التي كبلت الخطاب المسرحي العراقي بخطاب النواح والشكوى الذي ظل المسرح العراقي يدور في فلكة. لذا فإن الكتاب الذي رصد ولامس تلك المتغيرات التي اجتاحت الخطاب الثقافي العراقي، والذي أدى إلى انفتاح الثقافة ومن ضمنها الخطاب المسرحي العراقي إلى مديات لم تألفها الذائقة المسرحية من قبل على مستوى الشكل والمضمون. كما يؤكد الدكتور عامر المرزوقي في مقدمة الكتاب مسلطا الضوء على مساحة الحرية التي عملت على انفتاح الخطاب الثقافي بما رافقته من فوضى عملت على خلق هزه عنيفة في مستوى التلقي لتطفو على السطح عروض عملت على فض المسكوت عنه مثل عروض التعزية التي استند خطابها من واقعة ألطف التاريخية أي أن مساحة التغير الذي أحدثه الاحتلال عمل على انبثاق خطاب الهامش الذي كبلته ثقافة الهيمنة لسنوات طويلة وبنفس الوقت ساهم التغير في بروز عروض ترفض الهيمنة الأمريكية وما خلفته تلك الهيمنة من غياب الأمن وصراع الأثنية والطوائف فيما ما بينها لتلقي بظلالها الثقيلة على ذائقة المتلقي وما أفرزته من بروز قيم جديدة عملت على تفكيك الخطاب الثقافي وتشظه، مما جعله يتسم بالفوضى والارتباك كذلك عرج الكتاب إلى جدلية الهامش والمركز التي ظلت تهيمن على الخطاب الثقافي والمسرحي سنوات طويلة فقد عمل التغير على كسر التابوا الثقافي التي كان يمارسه المركز حيث انبثق مسرح المحافظات ليكون منافسا قويا ليتخلص من تلك الهيمنة من خلال عمل تلك المحافظات على استقطب وسائل الإعلام والفضائيات بإقامة المهرجانات المسرحية العربية والعالمية ،إذ سلط الكتاب الضوء على طبيعة تلك المهرجانات وتعدد خطبتها الثقافية لتصبح تلك المهرجانات وما تطرح من عروض تعالج محنة الإنسان العراقي وتصوراته ما بعد التغير، لذا فقد سعى الكتاب إلى أرشفة تلك المهرجانات وملاحقة عروضها جماليا مؤشرا على ما اتسمت به بعض العروض من مغايره مثل عروض مسرح الشارع الذي أقيم في إقليم كردستان العراقية وفي محافظة السليمانية في مدينة (دربن دخان) مسلطا الضوء علي تلك العروض التي سعت إلى العمل على كسر معمارية المكان مفكك بنية تلك العروض ذات المنحى التجريبي ونجحها في التعاطي مع معطيات البيئة المكانية الجديدة وقدرتها على تحقيق اشتراطات مسرح الشارع بحسب انساق التواصل العلائقي الرابط بين المتلقي بوصفه العنصر الأهم في المسرح ، راصدا تلك العروض وتنوع أساليبها الإخراجية وبهذا فإن الكتاب يرصد مرقابه النقدي ليلقي الضوء على الحاضنة المسرحية العراقية بعد التغير متابع الحراك الثقافي المسرحي كون المؤلف واحدا من النشطاء المسرحين الذي تعدد إسهاماته الثقافية الفنية بوصفه ناقدا ومخرجا مسرحيا له إسهامات في تنشيط هذا الحراك الفني والثقافي. لذا جاءت محاور الكتاب الخمسة التي اجتراحها الكتاب لتؤشر على ملامح خطاب ما بعد التغير ابتداء من متابعته إلى تعدد المهرجانات وملاحقته لبعض عروضها التي تحمل في خطابها المغايرة والاختلاف إلى انفتاح الثقافة العراقية وانعتاقها من ثقافة الاستنساخ التي اتسم فيها المطبوع العراقي وتوفير الفرصة لنشر كثير من نتاجات المسرحين وتنوع أساليب الكتابة. حيث لاحق الكاتب تلك الإصدارات وقراءتها نقديا مسلط الضوء على طبيعة تلك مطبوعات وتنوع أساليبها إبداء من الإشادة إلى جهود الباحثين الذين سعوا إلى أرشفة مسرح الهامش لتكون تلك الأرشفة نقطة مضيئة لانتشال ذاكرة المسرح من المحو والنسيان. لذا عمل دراسة تلك الظاهرة التي عملت على توثيق تلك الذاكرة كذلك سعى الكتاب إلى دراسة تلك الظاهرة وتنوعها، لذا فإن الكتاب يفرش ظلاله لدراسة واستعراض مرحلة قلقه ومهمة من تاريخ المسرح العراقي بعد التغير حيث يعد نقطة مضيئة يضاف إلى الدراسات النقدية التي عنيت وتابعت خطاب المسرح العراقي بعد التغير مثل دراسة لدكتور أبو خضير في دراسته المنشورة في مجلة شانو التي حدد فيها الباحث عروض المسرح العراقي ما بعد التغير والذي والتي تبلورت فيها اتجاهات قسمها الباحث برابعة اتجاهات مركبة من الحرب والحصار مثل الاتجاه الطقسي وخطاب المحنة والشكوى وخطاب السيرة المهمشة والخطاب الكلغرافي.
وأخير فإن الكتاب يسهم في إضاءة الحراك المسرحي العراقي بعد التغير بكل اتجاهاته ومتغيراته هو إسهامه مشرفة تضاف إلى رصيد المسرح العراقي والى مختلف أطيافه من كتاب ومسرحين ونقاد فهو مفتاح لكل من يريد أن يدرس واقع المسرح بعد التغير من خلال سعي المؤلف لرصد وتوثيق ودراسة الحاضنة المسرحية العراقية بكل تنوعاتها.