حسن النفالي: الدرهم عملة نادرة وجهيها صفاء ونقاء
بمناسبة تكريم الفنان المغربي (محمد درهم) بالدورة العاشرة لمهرجان فاس الدولي للمسرح الاحترافي (من 21 إلى 26 يوليوز 2015) ألقى الأستاذ والخبير الفني المغربي (حسن النفالي) كلمة في حق المحتفى به أثناء حفل الافتتاح بالمركب الحرية، وارتأت مجلة الفرجة أن تنشر نص الكلمة نظرا لحمولتها الإنسانية و الفنية وأيضا لأنها تعتبر سيرة ذاتية لفنان ساهم في اثراء كل المصنفات الفنية بالساحة المغربية وأيضا العربية، يسعدنا أن نطلعكم على ما جاء في هذه الكلمة:
” يا دوك اللايمين رفقو من حالي
علاش تعيبو فقولي وفعالي
آش درت أنا آش درت في ما يجرالي
ماناش اللي خترت لعيوب ديالي
علاه أنا يوم صبت راسي فالدنيا جيت بالشوار
علاه أنا يوم زلقوني رجلي كان لي خبار.. ياك هنا حليت عيني وهنا لا غيت مع من رباني
حبيت فالارض على ركابية وقريت ليقريت بحال قراني
هكذا يرى محمد الدرهم سر وجوده في هذه الدنيا، وهكذا يختصر نظرته للحياة بالإضافة إلى كون هذه الأغنية تحفة فنية نادرة كلمة و لحنا وأداء. وهكذا يعجبني هذا الفنان المميز. لكن أن تقول كلمة في حق فنان كبير يعجبك وتحبه شيء عادي، وأن تقدم شهادة في حق فنان قدير وأخ عزيز وصديق حميم شيء آخر.
فكل من عرف محمد الدرهم أو يعرفه أو سيعرفه إلا وتمنى لو تعرف عليه منذ مجيئه إلى الدنيا، فالله تعالى حباه بأشياء كثيرة تفرقت فينا واجتمعت فيه، الخلق الحسن والصدق والإيثار والكلمة الطيبة والحنان الدافق والوفاء للمبادئ وخدمة الناس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:”يحشر قوم من أمتي على منابر من نور، يمرون على الصراط كالبرق نورهم تشخص منه الأبصار لاهم بالأنبياء ولا هم بالصديقين ولا هم بالشهداء، إنهم قوم تقضى على أيديهم حوائج الناس”.
ومكرمنا هذه الليلة واحد منهم، فمنفعة الناس هاجسه والدفاع عن حقوق الزملاء همه وخدمة القضايا الكونية مقصده، كيف لا والرجل منذ عرفناه يحمل معه قضية، ليست شخصية بل قضية كل المستضعفين والكادحين، قضية كل الفقراء والمظلومين، وفي ذلك يقول:
بحقوقك نادينا ومشا الصباح مع الريح
وبهمومك غنينا حسبوه جدبة وشطيح
هدا وعدك يا مسكين كان الله ليك عوين
الحاجة في صدرك سكين ولا رضيتي تمد ليدين
هدا وعدك يا مسكين لدركتيه بعرق الجبين كثر منو يبدروه اخرين
لا تركن ليهم لا تطوع
لا تخطاك مقاومة
لا تخضع لمساومة خلي راسك مرفوع
زيد قاوم وكافح
علام الضالم طايح زيد قاوم وكافح
ورفع صواتك بلسان الحق وطالب
سرج عودك معك الحق وانت الغالب
والقائل أيضا:
أيه يا بابا عدي
وقالو عدي
واش فيك ما تعدي يا ودي
بصلة وزيتونة في قراب و راس مالك الصدق والفقر
وحالك يشيب لغراب ولا مقال بالصوف يعبر
وديما مبكر في الحمد مكثر
على خبيزة مرمدة في تراب
لن أطيل في الحديث عن الدرهم الزجال والكاتب و الملحن والمغني والعازف والقلب النابض لمجموعة ” جيل الجيلالة”، لأنه إرث مشترك لكل المغاربة. عشناه جميعا منذ السبعينيات إلى الآن ولازلنا نتغنى جميعا أطفالا وشبابا، كهولا وشيوخا، رجالا ونساء بروائع “العيون عيني” و “العار بويا” و”الكلام لمرصع” و “ايغارة” و “ديب الغابة” و”دنة دنة” إلى غيرها، لكنني سأتحدث عن الحاج محمد الدرهم الذي حمل قضيته هذه المرة من بعدها الكوني إلى ساحة الثقافة والفن كمناضل ومدافع عن قضايا زملائه المبدعين والفنانين، فالرجل لم يترك فرصة إحداث أي جهاز جمعوي أو نقابي تمر إلا وساهم فيها من بعيد أو قريب، وتعتبر محطة النقابة المغربية لمحترفي المسرح ذروة الحضور النقابي للحاج الدرهم.
فإلى جانب كونه صاحب فكرة تأسيس هذا الجهاز، فقد جعل من بيته زاوية لجميع المناضلين، به أعدت الوثائق التنظيمية وطبخت الخطط والطاكتيكات لخروج هذه المنظمة إلى العلن، ولن أنسى هنا التنويه بكرم الضيافة وحسن الاستقبال وخاصة من قبل زوجته المصونة الأخت الفاضلة للالة بشرى التي حباها الله أيضا بسعة صدر نادرة وقوة شخصية فريدة لتكن إلى جانب الحاج ثنائيا نادرا حفظهما الله، لقد شاركتنا إلى جانب الضيافة مخاض التأسيس، ورغم تكوينها الفرنسي فقد بذلت مجهودا كبيرا من أجل أن تواكب عملنا وكانت تسمي النقابة ” المقاطعة” والتظاهرة “المظاهرة” وهلم جرا. حفظها الله ورعاها هي وابنتيها سلمى و الباتول اللواتي ساهمن في توفير كل ظروف الراحة والاطمئنان لمكرمنا السي محمد حتى نسعد نحن ونتمتع بهذا الزخم الإبداعي والفني الغزير.
وسواء بالنقابة أو بالائتلاف المغربي للثقافة والفنون، الذي ترأسه، فالدرهم لم يكن رقما عاديا ولا مفاوضا سهلا ولا مدبرا بسيطا، بل كانت نظرته ثاقبة، ومقترحاته صائبة،وفوعاته مقرونة بالخبرة والتجربة. لقد كان الصدق ديدنه والإلحاح شعاره والواقعية منهجه وتحقيق الأهداف غايته. تختلف معه كما تشاء وإلى حد التوتر أحيانا، لكنه يحافظ دوما على حسه النقابي العالي، يؤمن بالاختلاف والتعدد ويعطي لكل ذي حق حقه، ويضع المصلحة العامو فوق كل شيء وإن جاءت على حسابه. ولم يحصل يوما أن الدرهم، هذه القامة الكبيرة الذي ستحق كل الخير من هذا الوطن، استغل منصبه بالائتلاف أو بالنقابة من أجل مصلحة خاصة، حتى ,عن كانت بسيطة.
ولتكتمل هذه الشهادة المتواضعة وفي هذا المحفل المسرحي لابد من الحديث عن محمد الدرهم المسرحي. وللذين لا يعرفون هذا الجانب فمكرمنا ابن المسرح ومنه جاء إلى عالم الموسيقى، فهو نتاج فرقة مراكشية عريقة اسمها ” شبيبة الحمراء” التي أعطت العديد من الأسماء المسرحية، وبهذه الفرقة تشبع بالغناء المسرحي إلى جانب مولاي عبد العزيز الطاهري و محمد شهرمان وغيرهم في السينيات قبل ظهور أي نواة لأغنية المجموعات لينقلوها لعد ذلك إلى ” جيل جيلالة”.
كما أن السي محمد يعتبر من الأوائل الذين مارسوا المسرح الاحترافي مطلع السبعينات إلى جوار المرحوم محمد سعيد عفيفي وآخرون بفرقة المسرح البلدي بالجديدة بعد أن تخلى عن وظيفته في قطاع النسيج. ورغم انخراطه التام في مجموعة ” جيل جيلالة” كاتبا و ملحنا ومغنيا وعازفا ومدبرا إلا أن المسرح ظل يجذبه من حين لآخر حيث كانت له تجارب هنا وهناك وخصوصا مع فرقة مسرح اليوم برئاسة الفنانة ثريا جبران في نهتية الثمانينيات وبداية التسعينبات وجميعنا يتذكر مساهماته في ” النمرود فهوليود” و”سويرتي مولانا” و “نركبو لهبال” هذه الاخيرة التي قال فيها مبدعنا:
إلى ضاق الحال ما تفيد القوال
نسكنو الخيال ولا نركبو لهبال
نعيشو المحال ولا نتوهمو لحوال
علات الجبال وتهزمو لبطال والحمل تقال والهم قتال
لا عيشة حلال لا حق يتقال كثرت الحيال والعدل ذبال
إلا أن حبه لأبي الفنون سيتجسد أكثر مع فرقة مسرح الكاف برئاسة الفنان عبد الإله عاجل وهذه المرة ممثلا وخصوصا في مسرحية “بوتليس” التي سينجز فيها دور “المداح” أحد الأدوار التي تمتعنا واستمتعنا به، وحصل بروعة أداءه وتشخيصه على جائزة أحسن ممثل بالمهرجان الوطني للمسرح بمكناس في دورته الأولى سنة 1998. هذا ناهيك عن موهبته الكبيرة في الإخراج. حيث عشت شخصيا إلى جانبه تجارب مهمة بمهرجان الرباط و “موازين” بإخراجه لأعمال استعراضية رائعة تجمع بين المسرح والغناء “كأصوات السبعينات” و ” العيطة” و “همسة لفلسطين” وغيرها، بمشاركة نخبة من الفنانين الأكفاء كحسن هموش وإدريس السنوسي وعبد الله ديدان وعبد الصمد مفتاح الخير ودنيا بوطازوت وكل مجموعات الظاهرة الغيوانية وفرقة العيطة.
مهما أسهبت في الحديث عن الحاج محمد الدرهم، فلن أفي الرجل حقه ومهما تناولت شخصه ومن أي زاوية فلا شك أنني سأغفل عدة زوايا، فهل أتحدث عن الإنسان؟ أم عن الفنان؟ أم عن الربان؟ أم عن مبدع الكلمات والألحان؟ أم عن الأب منبع الحنان؟ أن عن المناضل مقاوم الظلم والدل والهوان؟ أم عن الصوفي المتصوف الهائم في حب الخالق الرحمان؟ فالدرهم كنز إنساني حي يمشي فوق الأرض وينثر فيها من إبداعاته وفنونه الشيء الكثير.
فشكرا للزملاء في الفرج الجهوي للنقابة المغربية لمحترف المسرح على هذه الالتفاتة النبيلة في حق هذا الصرح الوازن والنبدع الشامخ، وأملي أن يحظى الحاج محمد الدرهم بمبادرة على أعلى مستوى حتى ينال مبدع “يانور الأنوار” و “أم الكرام” و”الساكن” و “المتلي” و “دندنة” و “أنا بنادم” و “أهيا هداك” و غيره حقه كاملا من الاعتراف والوفاء.
وختاما أقول لك أخي وعزيزي محمد:
درهم واحد أنت يا محمد
فيك تعددت الأرقام وأنت واحد
منحك الله الواحد الأحد
من فضلو شلا فضايل ليه الحمد
كرمك بمواهب عديدة ما ليها حد
سعدنا بيك البارح واليوم ونسعدو الغد
ربي يحفظك ويخلي اسمك خالد
يا محمد السباعي الشريف أبا عن جد”