مسرحية بوابة 5 أسئلة العنف والتطرف والإقصاء في العالم العربي/ رسمي محاسنة (العرب اليوم)
بانوراما عربية،من الشباب، يحملون حقائبهم، وينتظرون أمام بوابة الأحلام بالسفر، بعد أن تشظى الوطن الكبير، والشروخ أصابت النفوس، بعد “مسرحية” الربيع العربي، والانقسامات العمودية والأفقية، والمرجعيات الملتبسة، والتي توافقت مع أجندات داخلية وأجنبية، جعلت الشباب العربي في حالة من التوهان لكثرة الأسئلة المعلقة التي لا يستطيع الواقع البائس أن يجيب عليها، ولا توجد بارقة أمل بمستقبل يمكن ترحيل هذه الأسئلة إليه، فكان أن التقت هذه المجموعة على رصيف “بوابة 5” في مسرحية المخرجة د.مجد القصص، ومن تأليف الكاتبة “ليلى” الأطرش، مع فريق مدهش حمل العمل، وأثار الأسئلة والقلق في النفس والوجدان.
13 لوحة، فيها الوجع والمرارة، وفيها من أعطى لنفسه حق إصدار الأحكام على الناس باسم الدين، فيها هذا الواقع البشع الذي في لحظة يأس وضعف إنسانية تسلل إلى عقل الشباب العربي الحلم بالهجرة، والخروج من حصار الجحيم العربي الذي يتوالد بطريقة لم يعد العقل قادرا على متابعة واستيعاب هذا التسارع والانقسام المجنون في أرجاء الوطن الكبير.
شخصيات لها حكاياها المولودة في رحم المرارة، من العراق إلى غزة، وما بينهما من ماّسي إنسانية، سواء ذلك العراقي الذي فقد ابنته في العراق، أو وحشية القصف على غزة، حيث لم تجد الفتاة إلا واحدا من الضحايا الذي فرد لها قلبه الأبيض رغم سواد بشرته، وذلك الفنان الذي لم ترهبه الحكومات، إنما من يتنطعون، ويتمترسون خلف الدين ويصدرون الفتاوى بالتحريم والتكفير، وكذلك الطالب والطالبة الراغبين بالدراسة لأن من يسيطرون على مناهج البلد لا يسمحون بدراسة التخصصات التي يرغبون بها.
وعلى البوابة التي هي الحاجز الأخير قبل الوصول إلى أرض الأحلام الموهومة، هناك من يسأل، ويعرف التفاصيل، حيث السؤال العام عن السبب في الهجرة، لكن هناك أسئلة لكل مسافر، فالطالب والطالبة مطلوب منهم معرفة مصدر المال الذي معهم، والفنان عن الذين يضطهدونه في بلده، والسؤال الأكثر وجعا عن غزة والعراق، حيث المحققة على البوابة تتجاهل كل الدمار والقتل في غزة، وتسأل “كيمو” إذا كان قد قام بالتهريب عبر الأنفاق، والمرارة الأكثر عندما تسأل إذا كان لون الأسود سيقف عائقا أمام زواجه من” نهى سماره”، سؤال يحمل العنصرية من بلد تدعي الحرية.
وتسأل الزوجين العراقيين إذا كانوا قد بلغوا عن اختفاء ابنتهما شيماء، بأسلوب بارد وكأن الموقف يتحمل برودة السؤال عن إجراءات روتينية لا قيمة لها أمام المأساة.
وإذا كان هناك مباشرة في الفكرة فإن هذا لا يعيب العرض، ذلك أن الفكرة تحتاج إلى قول بلا مواربة من ناحية، كما أن المخرجة استخدمت أدواتها الإخراجية بحيث كان هذا المعادل البصري، سواء بالواحات ال 13، التي استخدمت فضاءات المسرع بوعي، أو من حيث توظيف مفردات الديكور” الكراسي” على مدار العرض، بحرفية عالية، وبدلالات جمالية ومعرفية، وبإتقان كبير رغم العدد الكبير من الممثلين، وتسارع الإيقاع حيث لا مجال لترك فراغات، وبالطبع فإن هناك الموسيقى والغناء الذي كان حاضرا في مختلف مفاصل العرض، واللعب على الموسيقى من حيث التوزيع بشكل يشد انتباه المتلقي، والغناء خاصة بصوت المبدع زيد الخليل الذي بحكم دراسته في العراق أجاد اللهجة العراقية بحرفية عالية.
وتجربة القصص بالعمل على لغة الجسد وفهم فيزيائيته، كانت واضحة بالتشكيل المبهرعلى المسرح، ساعدها في ذلك فريق واضح أنه تدرب كثيرا حتى وصل إلى هذه الحالة، إلى جانب الأداء، فالأداء المقترح للشخصيات من النوع الصعب حيث الممثل يقدم الشخصية المكتوبة، ثم يعود إلى اسمه، وهذا يحتاج إلى حرفية عالية وتركيز كبير، وقدرة على السيطرة على الإحساس الداخلي، ومؤامته مع المظهر والحركة الخارجية له، وكان واضحا ذلك الحب بين الممثلين الذين حملوا العرض باحترافية عالية، سواء في حواراتهم الثنائية، أو تشكيلاتهم الجماعية.
وبالطبع لابد من الإشارة إلى شخصية عبد الجبار التي ترتدي لبوس الدين، وتتعامل بانتهازية، وتطلق سموم أفكارها بكل اتجاه، والتي مثلت دورا أساسيا في فكرة العرض، إلى جانب ما أضفته من كوميديا سوداء على العرض الذي في جزء منه ينتمي لهذه الكوميديا إلى جانب البناء الموسيقي. وتوظيف كل العناصر الفنية من أجل خدمة الفكرة الأساسية بتمجيد الحوار ونبذ العنف والتطرف والإقصاء.
الحضور والوعي والفهم والموهبة كانت حاضرة بأداء الممثلين، الذين قدموا أداء فرديا وثنائيا وجماعيا بشكل احترافي، وكل واحد منهم يستحق التوقف عنده للحديث عن مقترح الأداء الذي اعتمده في العرض، وهم النجوم، زيد خليل مصطفى، مرام محمد، نهى سمارة، موسى السطري، محمد عوض”كيمو”، أريج دبابنة، رناد ثلجي، يزن ابو سليم، وطارق زياد.