القومي يكرم دكتور حسن عطية… الناقد المهموم بقضايا مجتمعه/ خالد رسلان
ليست ثمة مبالغة إذا قلنا إن باستطاعتنا استعارة مقولة ماثيو أرنولد بأن “الرجل هو رجل العصر” عند الحديث عن الناقد د. حسن عطية، وذلك نابع من التزامه بقضايا الوطن خلال رحلته الطويلة، ليصبح منجزه النقدي الذي استحق التكريم عليه في المهرجان القومي في دورته الثامنة يعكس دورا اجتماعيًا فاعلا، وهو ما يتأكد في رأيه بأن أي عمل فني كأي منجز ثقافي أو اجتماعي في المجتمع، لابد من تقديم الرأي فيه من حيث فاعليته وسط أهله، وليس مجرد الوقوف عند بنيته الجمالية وتفاصيله الأدبية.
ونستطيع أن نتلمس بوضوح الدور الاجتماعي الذي قام به ناقدنا الكبير نظرا للتحولات التي تعرض لها المجتمع المصري في بدايات ممارسة حياته المهنية في السبعينيات بعد أن تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية في يونيو 1971، حيث تدهورت الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بعد أن تم التخلي عن المشروعات العظيمة والأهداف الكبرى التي تبناها المجتمع الذي نشأ فيه، وقد كان لهذا السياق أثره الواضح على حياة “عطية” كفرد، فهذه التغيرات الاجتماعية كان لها دورها في صناعة مشروعه، مثلما كان للفترة الناصرية دورها في بلورة أفكاره واتجاهاته، ومن هنا أصبح لزاما عليه أن يقوم بدوره لإحساسه بالمسئولية تجاه اختياراته التي كان يراها في صالح المجتمع وفق قناعاته لينخرط أكثر في الحركة النقدية الفاعلة، فقد عمل صحفيا بجريدة (العمال) الصادرة عن اتحاد عمال مصر، وكانت متألقة ومنتشرة، وعمل بها فى الفترة من 1971 حتى 1973، ناقدا للمسرح والسينما وصحفيا متابعا لقضايا العمال ونشاطهم النقابي، وكان من أبناء جيله بهذه الجريدة الناقدة “ماجدة موريس” والصحفي “عبد القادر شهيب” ، وكتب عام 1972 مقالا بها عن أول مسرحية تعرض بالقاهرة للكاتب “يسرى الجندى” من إخراج “عبد الرحمن الشافعى” بعنوان (هناك كلمة شريفة تقال فى مسرح السامر)، ونشرت له مجلة (الأقلام) العراقية فى يوليو 1973 أول دراسة نقدية له عن (السينما السياسية والسينما الثورية) .
استمر فى الكتابة النقدية فى جريدة المساء فى منتصف السبعينيات برعاية من فتح لكل هذا الجيل أبواب هذه الجريدة وهو الكاتب المبدع “عبد الفتاح الجمل” ، ثم العمل فى صفحة (المسرح) الأسبوعية مع الناقد الكبير “سامى خشبة” بنفس الجريدة ، حتى انتقال “سامى خشبة” لجريدة الأهرام عام 1978 ، فصار هو المسئول عن صفحة المسرح الأسبوعية حتى أوائل عام 1982، اهتم خلالها بمتابعة المسرح الجامعى والأقليمي إلى جانب مسرح العاصمة بصورة أساسية.
كما بدأ الكتابة فى مجلة (الطليعة) بمقال قصصى نشر فى عدد فبراير عام 1974 داخل ملف خاص عن كتابات الجنود من على جبهة القتال ، أشرف عليه الناقد الراحل “فاروق عبد القادر” والذي تأثر به بشكل ملحوظ، وكان عنوان المقال القصصى (الخروج من حفر الدفاع السلبى)، واستمر ناقدا بها حتى إغلاقها فى فبراير 1977.
عين وهو بعد مجند بالقوات المسلحة فى يوليو 1973 بالهيئة العامة لقصور الثقافة (الثقافة الجماهيرية وقتها)، وعقب انتهاء مدة خدمته أواخر 1976، التحق بمركز ثقافة القرية ومنه إلى إدارة المسرح بالسامر. وعين عام 1979 مديرا لإدارة البرامج والمهرجانات والقوافل الثقافية فى نفس القرار الذى عين فيه زميله “على أبو شادى” مديرا لإدارة السينما.
وبعد هذه الرحلة كان قدره أن يعود إلى المعهد العالى للفنون المسرحية عام 1982 كأستاذ أكاديمي بعد أن تبلورت ونضجت أدواته كناقد ووضحت أركان منهجه النقدي.
ورغم تبنيه للمنهج الاجتماعي ورؤيته التي تمثلت في كون الناقد هو ابن بار لشروط الواقع التاريخية والجغرافية والاجتماعية، إلا إنه لم يصادر حق مبدع في التعبير عن رؤيته الذاتية والطبقية للعالم, “وإنما يحاوره بهدف إثراء الإبداع وترقية المجتمع (د. حسن عطية: فاروق عبد القادر ناقدا ومفكرا)، فهو لم يسع في كتاباته النقدية لمطابقة العمل الفني بحركة المجتمع أو تبني مفاهيم مثل الالتزام أو الفن الجماهيري لعمل مقاييس لابد أن يلتزم بها العمل الفني، وإنما سعى جاهدًا للبحث في عقلية المبدع ودراسة البنى الجمالية التي يصنعها ومدى تجاوبها أو تناظرها مع البنية المشكلة للبناء الاجتماعي من وجهة نظره ومدى تأثيره في متلقيه وتنويره، ومن هنا يصبح للنقد دوره الهام في صنع حوار ثقافي خلاق لخدمة المجتمع.
ومن هذا المنطلق يتبنى المنهج الاجتماعي بتطوراته، ورغم أن الكثير من النقاد كانوا يسيرون على نفس النهج ولعل أبرزهم محمود أمين العالم وفاروق عبد القادر، واللذان تأثر بهما ناقدنا الكبير، إلا إنه حافظ على تفرده وخصوصيته في تحليل البنية الجمالية والانطلاق منها بشكل أساسي، فهو لم يفصل بين عالم المعنى والبنية المشكلة له، بقدر ما قام بتحليل البنية وسماتها الجمالية، ودراسة الكيفية التي تجعلها تتناظر وتتجاوب مع المعنى.
إضافة إلى وعيه الشديد بالتحولات الجمالية التي طرأت على نفس البنية عندما تغير المجتمع التاريخي، تلك التحولات التي أفرزت معنى جديد وفق شروط اجتماعية مغايرة. ولنضع ألف خط تحت كلمة تحولات والتي كانت الشغل الشاغل لناقدنا الكبير، والتي تؤكد انشغاله بالشروط الجمالية وأثر المتغير الاجتماعي عليها، فهو يرى ضرورة قدرة الناقد على الإمساك بآليات التحول من بنية فنية لبنية فنية مغايرة، ومدى تأثير هذا التحول على الرسائل المضمرة داخل تلك البنيات الفنية من جهة، ومدى التأثير المتبادل بين تلك البنيات الفنية وبنيات المجتمع المتغيرة مع تغير الحياة المستمر، مما يكشف أمامنا عن حضور مجتمع التلقى فى قلب التحولات البنائية والفكرية من صيغة فنية لأخرى مخالفة لها جماليا.
إن ذلك الوعي بالتحولات ساعده على الإلمام بالأبنية الجمالية المختلفة بوعي وعمق شديدين ودعم كتاباته في تناول الأجناس الفنية المختلفة، فكتب عن كبار الأدباء في الشعر والقصة والرواية، إضافة إلى اهتمامه بأعمال نجيب محفوظ وتأثيرها الواضح على السينما المحلية والعالمية، والتغيرات التي طرأت على البنية الأصلية عند نقلها إلى بنية مغايرة ذات سياق ووسيط مختلفين، وتجلى ذلك فى كتابه المتفرد (نجيب محفوظ فى السينما المكسيكية)، وهذا ما انطبق أيضا على كتاباته التي تناولت العديد من أعمال مسرحة الرواية.
وكان سفر د.عطية بعد تعيينه في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1982 إلى مدريد لحصوله على درجة الدكتوراه فى المنهجية النقدية السوسيولوجية بين مصر وأسبانيا من كلية الفلسفة والآداب جامعة الأوتونوما، بمثابة نقلة نوعية في حياته الفكرية، حيث راح ينشغل بسؤال الوجود، حول هويتنا الثقافية، وموقعها في الخريطة بالنسبة لهذا العالم، وكيف تصبح على قدم المساواة مع ثقافة الغرب، ووجد ضالته في ذلك سلاحه المتمسك به دائما منذ أن بدأ حياته العملية والمتمثل في النظرية، تلك النظرية القادرة على استكشاف المجتمع ومتغيراته، حيث إن العلاقة بين المنتج الثقافي والمجتمع هي ما تمنح الأول خصوصيته وتؤكد على هويته في مقابل الآخر، وهو ما يفسر عنوان رسالة الدكتوراة التي تحمل ندية بشكل واضح مع الغرب.
لهذا لم ينشغل عطية في بحثه حول سؤال الهوية في التنقيب في التراث القديم وتقديسه من أجل استنباته بشكل مفتعل من دون النظر إلى الواقع الآني، فالقضية هنا كيف يلبي الموروث احتياجات الحاضر ليصبح جمهور اليوم مريدا له ومعبرًا عنه، ومن ذلك المنطلق- وعند التطرق للمسرح – لم تعد هوية المسرح العربي متمحورة حول أشكال الفرجة الماقبل مسرحية عند ناقدنا ، التي حاول البعض أن يُنظِّر لها بشكل أعمى بمعزل عن عالم المعنى الذي يطرحه المسرح داخل هنا والآن، بل في مدى قدرة تلك الأشكال في توليد رؤية العالم لدى المبدع العربي، ومدى احتياج الجمهور إليها، وبذلك توصل عطية إلى أن الشكل الجمالي لا يعبر عن هوية في حد ذاته، وبالتالي ما استوردناه من شكل مسرحي ليس بالضرورة اعتباره ممثلا لهوية الغرب، فهو تراث إنساني من حق أي مجتمع أن يعيد إنتاجه وفق متطلباته وسياقه المحيط
كما اهتم ناقدنا الكبير بالفن السينمائي اهتماما واضحا، حيث رأى فيه وسيلة فعالة في تشكيل وعي المجتمع وعمل جدلية معه، ورأى أنه لا يجب أن تكون مجرد صفحة بيضاء سلبية.
ومن هذا المنطلق يرى حسن عطية أنه عندما تغيب الجدلية في علاقة وعي المبدع السينمائي بوعي مجتمعه تنحرف السينما ويغيب عنها قانون الحياة في التطور.
رحلة طويلة كانت بمثابة إنجاز ثقافي مهم من دون مبالغة، وأخيرا نذكر لكم أهم كتابات هذا الكاتب الكبير الدكتور حسن عطية
الثابت والمتغير : دراسات في المسرح والتراث 1989م- فضاءات مسرحية 0 يناير 1996م- سناء جميل : زهرة صبار قمرية 1998م- الرومانسية : يوتوبيا السينما المصرية 2000م- نجيب محفوظ في السينما المكسيكية 2003 م- السينما فى مرآة الوعى 2003م – ألفريد فرج : صانع الأقنعة المسرحية 2003 م – عزت العلايلى : ملح الأرض 00 وحلوها 2004 م- سينما أمريكا اللاتينية : مهرجان القاهرة الدولى للسينما – نوفمبر 2006 م- السينما الأسبانية : مهرجان القاهرة الدولى للسينما 2008م- هدى وصفى (المنهجية وحق الاختلاف) – المهرجان القومى للمسرح المصرى 2009 م -فاروق عبد القادر (النقد 00 واستقلالية الناقد) – المهرجان القومى للمسرح المصرى -2010 م 0
إضافة إلى مجموعة من الكتابات باللغة الإسبانية والمواظبة على كتابة المقالات النقدية في اهم المجلات والجرائد المحلية والعربية.