الدكتور حسن عطية: مسرح اليوم أبن ثقافة اللهو والمتعة/ حاوره :جرجس شكرى

جرجس شكري: أن يتفتح الوعي في الحقبة الناصرية، ثم تبدأ ممارسة العمل الثقافي كمحترف في السبعينات مع التحولات التي شهدها المجتمع المصري في ذلك الوقت في عصر السادات، كيف تأثرت بهذه التحولات في رؤيتك للعالم وللمسرح كناقد؟
د. حسن عطية:  أن تعيش زمن صعود ثورة يوليو ومنجزاتها، تتغنى بالفدادين الخمس الممنوحة للفلاح، وباستعادة القناة، وبالنصر على أول عدوان غربي لتحطيم الصاعد، وبالوحدة العربية، وبناء السد العالي، وبظهور التليفزيون، وبقوانين يوليو الاشتراكية، وحق أبناء الشعب البسطاء في التعليم والعلاج المجانيين، والاهتمام بالتصنيع الثقيل، فذلك هو زمن الزهو بالوطن والمواطن، وزمن الانتماء لهما ورفع الرأس وسط المحيطين لك، وزمن التمسك بكل ما يتقدم بهذا الوطن علما وثقافة، وزمن بناء المعاهد الفنية وفتح أبواب المسارح كبرلمان ثقافي للجميع وتألق السينما المصرية بأفلام جادة، ثم تواجه بعدوان ثان يحاول كسر رقبة هذا الوطن، تلتوي ذراعه القوية، لكن عقله يظل شابا عفيا، لهذا آمنت بهذا الوطن، وتعلقت بأفكار من عملوا على تقدمه، ولم أحبط مع من أحبطوا، بل ظللت متمسكا بالعقل والوعي القابض على الجمر. صحيح جاءت السبعينيات بانقلاب إيدبولوجى غير من بنية المجتمع، وأخرج أعداء الوطن من إقطاعيين ورأسماليين وأخوان من كهوف التخفي، وأنا أبدا مسيرتي العملية في الحياة، بعد ما رفضت الأكاديمية تعييني معيدا بالمعهد بالتهمة الشهيرة وقتها، فظللت خارجها حتى رحيل من وقفوا في طريقي، فاعتبرت أن زمن السبعينيات وامتداده هو التحدي الكبير بالنسبة لي وللكثيرين من أبناء جيلي، يتطلب استجابة أكبر، زادت معها دراستي لفنون الشعب، وعمقت الخدمة الوطنية علاقتي بالناس، وسمح لي عملي بجهاز الثقافة الجماهيرية بالحركة خارج العاصمة، وتأكد لي خلال ذلك أن الفن ليس نتاجا آليا لحركة الواقع، بل هو نتاج تفاعل بين الواقع وعقل المثقف، تسكن بأعماقه إرادة المبدع وانحيازه للفن الهادف أو الفن اللاهي، للمسرح الجاد أم للمسرح السياحي، للسينما الواعية أم لسينما المقاولات، لأن يكون فاعلا في مجتمعه أو إمعة وسط ناسه، وكمن انحيازي للجدية وإثارة الوعي في عمق رؤيتي النقدية، لذا صارعت اتجاهات النقد الشكلية ومناهجه البنيوية والسيموطيقية التي سيدتها الثمانينيات عبر مجلة (فصول) ودراسات أساتذة الجامعة المبهورة أو لنقل الهاربة بهذه المناهج من التصدي لواقع المجتمع المنهار.
جرجس شكري:  لماذا اخترت المنهج السوسيولجي في النقد المسرحي؟
د. حسن عطية:  تعددت عوامل اختياري للمنهج السوسيولوجي في النقد المسرحي، باعتباره أنجح مناهج النقد الذي يرى الفن بنية جمالية تتضمن مضمونا اجتماعيا، ووجودا يعبر عن لحظة تخلقه كي يخاطب مجتمعه، وينجح بفضل قدرته البنائية على تجاوز زمنه إنسانيا لمخاطبة مجتمعات أخرى في أزمنة لاحقة، فقراءاتي في الفكر التقدمي مال بى نحو البحث عن مفهوم الرسالة المطلوب من الفن تقديمها لمجتمعه، وعملي الصحفي ودراستي بكلية الإعلام في السبعينيات وجهاني نحو حضور الجمهور في العملية النقدية، التي لا ينبغي أن تقف عند تحليل العمل الفني جماليا، بل تعمل على تفسيره على ضوء زمنه ومجتمعه، وتقييمه في سياق حواره مع جمهوره، وتعلقي بالدراسات الفلسفية والاجتماعية أسس رؤيتي النقدية على الوعي بقيمة الفن ودور الفنان المثقف وسط ناسه، واهتمامي بالفنون الشعبية منذ الستينيات، والتي أوصلتني لعمادة المعهد العالي للفنون المسرحية، قبل عمادة المعهد العالي للفنون المسرحية، فتحت أمامي أبواب الفهم لذائقة كل وطن وكل شريحة مجتمعية وكل بيئة جغرافية، مما يجعل الفنان يبدع داخل سياق هذه الشريحة أو في أجواء هذه البيئة، كما  أن دراستي للدكتوراه في إسبانيا مكنتني من معرفة لغة أخرى غير الإنجليزية تعبر عن ثقافة أخري لمجتمعات مختلفة. كل هذه كانت عوامل موضوعية، غير أن الاختيار كان ذاتيا، مبنى على عقل واع قرر أن يختار ويتحمل مسئولية اختياره لمنهج صارع طويلا المناهج الشكلية المهيمنة.
جرجس شكري:   دكتور حسن عطية الأكاديمي يختلف عن زملائه فهو الذي مارس الصحافة وبدأ ومازال يكتب النقد في الصحف والمجلات الأسبوعية   .. كيف ولماذا؟
د. حسن عطية:  بدأ عشقي للصحافة منذ المرحلة الإعدادية، فشاركت في الصحافة المدرسية، وحصلت في أولى ثانوي على جائزة أفضل مقال صحفي مدرسي بالطبع، ونشرت أول مقالاتي عام وأنا بعد طالب بالمعهد في مجلة (ألوان جديدة) لصاحبتها الكاتبة “سنية قراعة”، وعملت فور تخرجي في المعهد بجريدة (العمال) الصادرة عن إتحاد عمال مصر، وكنت أكتب فيها متابعات عن الانتخابات ومشاكل الحركة العمالية، إلى جانب مقالات عن المسرح والسينما والشعر، اذكر أنى اهتممت بشعر أحد أبرز شعراء السبعينيات وهو “أمجد ريان”، وقدمت له ديوانه الأول المشترك مع الشاعر “طلعت شاهين”، وكان لتحملي مسئولية صفحة المسرح الأسبوعية في جريدة المساء أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات دورا مهما في التصاقي بالصحافة اليومية والأسبوعية، والتي مازلت ملتصقا بها حتى اليوم , تسعدني مقالاتي فيها كما تسعدني مقالاتي العلمية في المجلات المتخصصة، بل أميل أكثر للأولى لاتساع جمهورها، وإيماني بدوري المتوجه لهذا الجمهور العام أكثر من اهتمامي بجمهور النخبة.
جرجس شكري:  بعد الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية والسفر إلي أسبانيا للحصول على الدكتوراه، بالطبع عدت بنظرة مختلفة للواقع المسرحي في مصر، ما هي من قبل وبعد السفر؟
د. حسن عطية:  كنت أقرأ كثيرا عن صدمة الحضارة التي تصيب المبعوثين المصريين والعرب إلى أوربا، غير أن سفري لإسبانيا، وقد تأخر لأكثر من عقد كامل عن زملائي، بسبب تأخر تعييني بالمعهد لعشرة سنوات كاملة، ولذا عندما وصلت لإسبانيا كنت أحمل مع حقائبي زادي المعرفي ورؤيتي الواعية بالعالم، إلا أن أهم ما أدركته في رحلة سفري لإسبانيا الممتدة لكل أوربا الغربية، ومنها لغالبية دول أمريكا اللاتينية، أنى اكتشفت عالما سحريا يكمن في لغة ساحرة، موسيقية الإيقاع، مفعمة بالحيوية، جعلتني أقرأ جارثيا ماركيث (ماركيز) وكارلوس فوينتس وحتى لوركا وساسترى بإدراك لغوى مختلف عما قرأته لهؤلاء وغيرهم مترجما عن الإنجليزية الجافة، أما على المستوى المجتمعي فقد عايشت أوربا في نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وهى منشغلة بهمومها وقضاياها، فقد تابعت عن قرب تحطيم سور برلين وعودة الوحدة لألمانيا المقسمة، وتفكك الإتحاد السوفيتي، وتصدع المنظومة الاشتراكية، وظهور الاتحاد الأوربي، في الوقت الذي يهتز فيه الوطن العربي، يغزو صدام الكويت، ويعود (المجاهدون) الذين أسقطوا باسم الدين الإسلامي القطب المناوئ لأمريكا والغرب، يعودون إلى بلادهم العربية عاملين على تفجيرها وإسقاطها، ولمست في هذه الفترة مدى الدور الرهيب الذي تلعبه الأنظمة الرأسمالية في الغرب لهدم أي صعود في عالمنا العربية، وكيف يسمحون لأنفسهم ما لا يسمحون لما به، بل ويصدرون لنا الفن الهابط، بينما يتمسكون هم بكل أصيل وممتد الجذور في ثقافتهم الغربية.
جرجس شكري:  كيف يري دكتور حسن عطية أزمة المسرح المصري  والتي أصبحت كلمة فضفاضة، بل وفقدت معناها؟
د. حسن عطية:  أزمة المسرح في غياب استراتيجية ثقافية لدى المبدع المسرحي، داخل أو خارج أجهزة الحكومة، وغالبية ما ينتج من مسرح، هو نتاج ثقافة اللهو والمنفعة، والمسرح حضور مؤثر وسط المجتمع، وحوار خلاق من أجل توعية العقل، ونحن للأسف نتعارك كي يوجد المسرح، دون أن نحدد أي (مسرح) نريد.
جرجس شكري:  هل تأخر التكريم؟
د. حسن عطية:   أنا بطبيعتي غير متكالب على التكريم أو البحث عن النشر الإعلامي، ولا أستطيع أن أفرض على أحد تكريمي، وإذا كان التكريم قد تأخر بالنسبة لي كناقد، فلا ألوم أحدا عليه، بقدر ما أفخر أن مسرحنا الذي أخلصت له نقدا وبحثا وفخرا به على مدى نصف قرن من الزمان، قد منحنى شرف التكريم، رغم أن العديد من المسارح العربية سبقته، غير أنى ممتن لهذا المهرجان، الذي أدرك دونا عن بقية المهرجانات الأخرى أنه ليس بنجوم التمثيل وحدهم يكون الفن، فللناقد حق معلوم في هذا الحوار الخلاق بين الإبداع ومجتمعه.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت