" مجانين الحرب" مسرحية ( موندراما ) – ذات فصل واحد –/ تأليف: أثير محسن الهاشمي

( المسرح عبارة عن ملجأ حرب ..  أكياس تراب على شكل موضع … )
                    المشهد ـ 1 ـ
الرجل: (جندي يرتدي ملابس الحرب .. شَعره طويل .. شكله متعب جدا ) ما هذا القمل؟ ( يحك رأسه بعنف) من أين جاء؟ اللعنة عليه ..رأسي يتبعثر .. آه ..  سحقا لك وأنت تلسعني ألف لسعة ٍ في الدقيقة الواحدة( برهة) (يصرخ ) قمل .. قمل ( يحك رأسه مجددا) الرأس قمل والكون قمل وأنا أصبحت ُ قملة ً سيلعنني القمل! (يجلس ) لكن! من أين جاء هذا القمل اللعين؟ (يحاول التفكير) ربما .. ربما ( يصمت .. وكأنه يعرف الإجابة ) الحرب .. نعم .. الحرب ( يضحك ضحكة هيستيرية ) الحرب شريكتنا في الحياة ( ينظر إلى ملابسه العسكرية ) الحرب ..  سحقا لها ( يحاول تمزيق ملابسه ) نعم هي الحرب.. الحرب التي ولدتنا وأرضعتنا ..نصغر في ظلها كلما تتسع (برهة ) أوّاه منك أيتها الحرب .. وأنت تلدين المجانين..مجانين ( يضحك بسخرية ) نحن مجانين الحرب ( ينتبه) لكننا لم نكن نرغبها.. هم ..  نعم .. هم ( يحاول أن يجد شخصا ما ) اللعنة عليهم كلهم واحدا واحد ، ألبسونا لباس الموت والضياع في زمن أغبر يعلمنا كيف نقاتل أو كيف نموت! ( برهة) الآن لا تعنيني الحرب .. بقدر ما يعنيني هذا القمل اللعين( يمسك رأسه ) كيف الخلاص منه ( يقلّد انه يبكي) الخلاص من القمل، يعني الخلاص من الحرب (يكرر ) الخلاص من القمل، يعني الخلاص من الحرب.. لا .. لا .. لا اعتقد ذلك ( يستهزئ من نفسه) الناس كلهم يعانون المشكلة ذاتها (يحكّ رأسه بعنف، يصرخ بتعب) قمل ..قمل .. قمل .. !!                                ( إظــــــــــــــــــــلام )
                 المشهد -2-
الرجل:( يدخل إلى المسرح .. تفتح إنارة المسرح كاملة بعدما كان مظلما.. يتحدث بصوت منخفض ) ربما .. سيتساقط القمل ُ ميتا..وتبقى أدمغتنا حية!( ينتبه ) لا .. لا ( يحرك شعر رأسه بيديه )بل ستتعطل .. ربما ستتعطل أدمغتنا! ( يحاول حكّ رأسه بالحائط ) لـِما لا أبحث عن حل ّ ٍ لهذا القمل ربما سأجدُ الحل ّ( يفكـّر.. يصرخ مع نفسه) كف عن الهراء؟ هذه أيامنا الأخيرة ( يقف فجأة وبفرح ) وجدت ُ الحل ، وجدت ُ الحل .. مممممماء، ماء، أعني الماء، سأجلب ماء َ وأضرب به رأسي فينفلق القمل ميتا (يركض نحو الملجأ ليجلب إبريق الماء، يجده فارغا يأتي حاملا إياها، يرميها بعنف على المسرح) أنا أكره الماء!  نعم، أنا أكره الماء ( بكبرياء، يتظاهر انه يكره الماء بعدما وجد القنينة فارغة) أنا أكره الماء( بخيبة أمل)  أنا أكره الماء ( يخرج )
                                   ( موسيقى حزينة  )
          المشهد – 3-
الرجل: ( يدخل حليق الرأس، يبدو عليه التعب) ما لنا إلا هوس المجانين، ونحن نبرم حزننا سلماً، نصعد نحو شفرة السطوح الميتة، نرى الحياة ومضة حلم، تحت أهلة النعاس، أوّاه يا قمر المجانين ( ينظر إلى الأعلى ) أنت تشبه رأسي الحليق هذا ( يتلمس رأسه ) كف عن الضوء ( يخاطب نفسه ) فالليل وحده يستر الفقراء ( يبدأ بخلع ملابسه الحربية ويحاول تمزيقها، يصبح شبه عاري)  اللعنة على ملابس الحرب.. جعلتنا جـُرْب مثل لونها (يتحرك، يبحث عن  شيء ما، انه يبحث عن راديو قديم على أكياس الملجأ، يجده، يحاول فتحه، ينصت له بتمعن)
صوت المذيع: سيداتي سادتي نذيع إليكم خبر انتهاء الحرب، وقد اتضح من خلال التقارير مؤخرا أن الحرب كانت سهوا .. لذا تعتذر رؤساء الدول المتحاربة لجنودها الشجعان عما جرى ..
الرجل:( يضحك بسخرية ) سهوا .. الحرب سهوا .. اسمعوا أيها العقلاء .. سنين مضت ونحن نتقاتل سهوا، من أجل لا شيء … تــُـف عليكم يا طغاة الحرب .. حربكم جرت سهوا .. وتعتذرون لجنودكم الشجعان .. أين هم؟؟ أقصد الجنود الشجعان؟؟  ( يضحك بسخرية) جميعهم ماتوا ( يتلمس نفسه ) لم يتبقَ الا انا .. وانتم يا طغاة الحرب ( يلتفت يمينا ويسارا ) تــُـف عليكم واحدا واحدا .. أنا الوحيد هنا بقيت على قيد الجنون في هذا الملجأ (يتلمس نفسه بحزن ) نعم أنا الوحيد الذي أصبت بالجنون، والعقلاء ماتوا .. أوّاه يا حرب السهو والمجانين .. فات الأوان، فات الأوان .. أيها المجانين ..
( إظــــــــــلام )
       المشهد – 4 –
الرجل: (يضاء المسرح، يدخل عاريا، بيده علم الحرب، ينثني على ركبتيه، يرفع يديه للسماء .. يبدأ بالمناجاة) يا رب .. ما الذي حل ّ بنا، عشنا عمرنا حرب في حرب الحرب أولها جيفة وآخرها جنون ..خسرنا أكثر مما ربحنا.. شكرا لك أيها العقل لأنك توقفت  في زمن ٍ لا بد ّ فيه للعقول أن تتوقف! لنفقه قليلا طعم الجنون .. لنصبح عقولا خاوية في هذا التيه .. بعيدا عن العالم كله، لنحتمي وراء أكذوبة باطلة في زمن ٍ سلبنا منه ماء الوجه فراح يسرق منا ماء الوجوه.. لم نزل نعتــّق الرغبة بالحياة ..  للأيام وهي تركض لاهثة.. تسلخها المقابر في الشوارع والأزقة والسطوح..حتى تراها كاشفة فرجها  لمدننا  المستحية من فحولة الموت !!( برهة ) وجع السنين نخلة أبدية  .. هـُزّت حتى تساقط كرب الحرب خجولا يبحث عن مستحين( يتأسف جدا )  الأبواب جميعها مقفلة إلا باب الخلود إلى النوم.. النوم يهدي من يشاء إلى الأحلام، لان الجميع سكارى! ( ينام عاريا على الأرض .. يضع علم الحرب على جسده .. وينام .. إظلام … )
( موسيقى حزينة .. )
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت