تشظي الهوية في أغاني الغائبين/ سعد ناجي علوان
حين تقرر السينما إبراز وجهها الواضح وصوتها المستقيم .تترك النصوص على الطاولة وترافق الكاميرا لتسجل ما خبأته الطبيعة من حكايات جميلة لإدراك أغاني الغائبين . أسلاك شائكة تعلوها خوذة عسكرية هي ما تبقى من صراع القوى وجبروتها للقضاء على الإنسان …بداية قاسية لفيلم المخرج العراقي المغترب ليث عبد اﻷمير ( أغاني الغائبين ) وثائقي يستقصي أبعاد التحوﻻت التي طرأت على عراق ما بعد 2003، حيث التشظي والانقسام المؤلم للهوية .ولن تجد قمة ألم تنحدر منها الحكايات المتعددة أفضل من اﻷهوار ( فم البلاد…وماء الله اﻷول. .سرير الشمس حين يفاجئها النعاس ، وقد حولته يد السلطة إلى غصة في القلب).
تدخل كاميرا الفيلم لتصافح بيوت القصب والبردي مثل طفلة مستبشرة بهدية غالية علها تجد بعض العزاء الموازي لتوق الروح التي ما عاد يشجيها سوى مقامات المواويل والغناء ومراسيم العزاء والرثاء وطغيان الشجن في مزارات ومراقد اﻷولياء عنواناً لتأكيد وجودها الخاص كطوائف وأقليات، بعدما أستجد من تطورات إقليمية غيرت أوجه الحياة وأخضعتها لمدلوﻻت التدخل اﻷمريكي في البلاد لتغيير نظام الحكم فتغير كل شيء حتى صار استدعاء الماضي أكثر أمانا من الحاضر المستمر دون حلول معينة لتسيير الحياة. ….و بعد شريط الجنوب ووحشة مدنه وانعدام الخدمات فيها تصل الكاميرا إلى بغداد ساحرة الثقافة والوجود وما توفير من منازلة الزمان لها. فشارع الرشيد عنوانها البهي سيخلو بعد الرابعة عصرا بعدما تقلصت أساليب ممارسة الحياة اليومية / لقاءات مع أشهر أصحاب المكتبات / و البتاوين أحد أجمل أحيائها وأكثرها حيوية بات مرتعا للعصابات الغريبة والهجينة على واقعنا (احتاج كادر الفيلم لكتيبة حماية كي يصور) لنصل اﻵن إلى مرقد أبي حنيفة النعمان وحلقات الدراويش وروائح الصوفية …لتسبح الكاميرا في مرقد العبد الصالح موسى بن جعفر … وتقف قليلاً على ضفاف نهر دجلة في عرض تعليمي لتعميد طفلة صابئية وشيخ يتوجه بمجموعة أفراد للدعاء بخشوع …يتواصل في كنائس باتت تودع أفرادها يوما بعد يوم إلى مناف متعددة وكأن الهجرة مسيحية في اﻷصل ….وعندما تتسلق الكاميرا الدرب شماﻻ يتخلى كادر الفيلم عن الحماية المسلحة لتبدو الأسئلة أكثر جدية ..فكركوك المشكلة المختصرة لتاريخ العراق السياسي لم يعفها غناها النفطي وتاريخها الإنساني الثري بتنوعه من الإهمال المماثل لمدن الوسط والجنوب. .لنطرق أبواب معابد ﻻلش اﻷيزيدية والخوف من الضغط الكردي لدمج هذه الطائفة المتميزة ضمن أسوار المجتمع الكردي. ..وهنا يعود السؤال ماذا يريد اﻷكراد بالضبط. …. وﻻبد من أن يتسلل التعب إلى الكاميرا لتستريح عند جسد الطبيعة في زاخو حيث راع عجوز ينهمك بحوارات فرحة مع شياهه …. وبعد أن يداعبه المخرج بمشاكسات صغيرة يرفض بيع شياهه في إشارة بليغة للتمسك بما نملك. …… يعود الراعي ا فرحا راقصا إلى بيته….
لحظات وتقف الكاميرا جامدة أمام عتبات المروج أملا في سلام دائم وعيش متوازن وحلم بناء بلد يسع الجميعً.