د. عبد الرحمن بن زيدان لموقع الفرجة: مهرجان مسرح الهواة الجزائري إضافة فنية هامة للمسرح العربي/ حاوره: العربي بن زيدان
الفرجة: بعد حضوركم مهرجان مسرح الهواة لمدينة مستغانم في ذكراه الخمسين ما هي أهم الانطباعات التي خرجتم بها ؟
د. بن زيدان: عندما حضرت فعاليات مهرجان مسرح الهواة لمدينة مستغانم من 13 إلى 19 يوليوز 2017، كنت في الحقيقة أتابع تجربة مسرحية شبابية تنتمي إلى تجربة مسرح الهواة الذي انطلق سنة 1967 بأهداف وغايات تربوية وطنية كانت تؤطرها حركة الكشافة الاسلامية الجزائرية ، وكانت نقابة المبادرة والسياحة لمدينة مستغانم والاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية بعناية حزب جبهة التحرير الوطني تدعم بدايات التجربة المسرحية الهاوية وتعمل على الحفاظ على استمرارها اختبارا لإمكانات التعبير المسرحي عن الواقع المعاش وهو يتفاعل مع سياقاته المحلية، والعربية، والعالمية.
تعتبر خمسون سنة من تجربة المسرح الهاوي تاريخا مسرحيا حقيقيا ينتمي إلى التجربة المسرحية الجزائرية بمفاهيم وطنية، وكانت كل إضافة فيه، وكل تجريب مسرحي للتجارب الشبابية يمثل مدرسة فنية رعاها رعاية فنية خاصة الراحل الجيلالي بن عبد الحليم، وصفوة من الوطنيين الذين حوّلوا هذه التجربة إلى مشتل للتجارب التي تدعم القدرات الكتابية، والفنية عند الشباب، وبقراءة سريعة لهذا المسرح المساهم في الثقافة المسرحية الجزائرية نقول إن له بصمة خاصة في الوعي المسرحي الجزائري بفضل الأسماء التي بدأت هاوية ثم تدرجت من الهواية إلى الاحتراف.
وحضوري في المهرجان الذي هو احتفال بخمسينية هذا المسرح في مدينة مستغانم أكّد لي أن استمراريته، وتجاوزه لكل المطبات، والتعثرات فيه نوع من التحدي الذي راهنت عليه محافظة المهرجان، ووزارة الثقافة، بعد هيكلة المؤسسة التي أولت تدبير شؤون المهرجان للسيد محمد نواري، ومحمد بودان المدير الفني لاسيما بعد ميلاد قانون الجمعيات (سابقا)، ووجود داعمين لهذا المكسب المسرحي الذين كانوا في الحقيقة مساندين لكل المبادرات الشبابية، وللفرق المسرحية التي تشتغل بالمسرح الهاوي وتعمل على إبقائه فاعلا في حركية الهواية المسرحية في مستغانم، وفي كل ربوع الجزائر بشكل مباشر أو غير مباشر.
هذا المسرح صار منبرا للتعبير عن أحوال الشباب وهو يتكلم عن قضاياهم، وأحلامهم، لاسيما بعد أن وضعوا نصب عينهم إمكانية التصريح، والتلميح، والنقد السياسي ليكونوا منخرطين بوعيهم في تفعيل حيوية هذا المسرح في تاريخ المسرح الجزائري بعد أن تحول الركح عندهم إلى فضاء للإبداع، والتعبير الحر وإسماع صوتهم،وكيف يفكرون في واقعهم ويقدمونه بدلالات وعلامات المسرح وفق مستواهم، ومؤهلاتهم المتوفرة.
لقد أتاحت لي فرصة حضور الاحتفال بمرور خمسين سنة على تأسيس هذا المسرح الهاوي التعرف على هذه التجربة من داخل التجربة ذاتها، واكتشفت مستويات اشتغال المسرح بما تنتجه الفرق المسرحية نفسها، وتنتجه التجارب القادمة من خلفيات ثقافية، وفنية، وتاريخية، وسياسية أخرى، توظف التراث الشعبي المتنوع وتقدم صورة الأصالة الثقافية المغاربية، وتعرفت على طريقة التنظيم أثناء تقديم الكرنفال، والفنون الشعبية الاستعراضية…
من خلال المشاهدة المباشرة للعروض المسرحية وجدت أن العروض المسرحية تمثل نقاط قوتها في لحظات من زمن العرض، كما تمثل في بعض هنّات العروض ما يمكن تجاوزه بالتكوين، والتثقيف، والتعرف على تجارب عالمية تزيد من خبرة الهواة بالمسرح، وتوسّع من مداركهم، وتغني ما يتوفرون عليه من معلومات بمعارف جديدة يجددون بها طريقة إنتاج المسرح لغة، ورؤية، وصورة، وعلامات.
العلامات البارزة في العروض المسرحية تتمثل في وجود وسائط مختلفة للتعبير تشكل خارطة لغوية لها ارتباط بجغرافيتها اللسنية والثقافية، و الأسطورية، والتاريخية فاللجوء إلى الاقتباس، أو المسرحة في غياب التعامل مع النص المسرحي الجزائري كلها مظاهر لافتة للنظر في اشتغال هذا المسرح عند الشباب.
إن فعالية هذا المهرجان تكمن في استمراريته، واستمراريته تكمن في السعي إلى تجويد مستواه، وتجويد مستواه محكوم بالنظرة المستقبلية لهذا المهرجان حتى يكون ترهين وجوده معاصرا، وحداثيا، ومالكا لدوره في نشر وعي جديد بين الهواة الذين يمثلون الخزان الثقافي الاحتياطي للمسرح في الجزائر، وهذا ما قدمت حوله لجنة التحكيم مجموعة من التوصيات بعد رصدها لكلما يقدم صورة وواقع هذا المسرح، لهذا دعت إلى ،تشجيع الهواة على الاشتغال على النصوص الجزائرية وتفعيلها في تجربة مسرح الهواة مع الاهتمام بالمكونات الدرامية والجمالية للنصوص المسرحية العالمية والعربية أثناء اقتباسها أو إعدادها.فضلا عن إعطاء الأهمية القصوى لتكوين الهواة وتوجيههم توجيها يحافظ على السير السليم للعملية المسرحية الهاوية من خلال الاستئناس بخبرات ذوي الاختصاص في السينوغرافيا والدراماتورجيا أثناء إعداد النص لزمن العرض،ناهيك عن ضرورة الرجوع إلى المدقق اللغوي للحفاظ على سلامة اللغة، و كذا ضبط المعلومات التاريخية وتدقيقها أثناء كتابة النص المسرحي التاريخي.
الفرجة: كنتم عضو لجنة التحكيم ومقررها في الطبعة الخمسين كيف كان اكتشافكم لمسرح الهواة في الجزائر مقارنة بمهرجانات من نفس المستوى المسرحي مغاربيا و عربيا؟
د. بن زيدان:بحكم اختلاف طرق اشتغال المسرح في دول المغرب العربي، وهو بطبيعة الحال اختلاف صحي يسير وفق خصوصيات كل بلد، ويتم إنتاجه وفق الاختيارات الفنية، والإيديولوجية، ووفق طبيعة التكوين في كل تجربة، فإن ما يمكن يبرزه هذا الاختلاف هو أنه في نهاية المطاف يكوّن ظاهرة صحية تكتب تاريخها المسرحي بالتنوع، وبتوسيع دائرة التجريب في كل ما ينتجه المسرح المغاربي.
لقد كشفت العروض المشاركة في الطبعة الخمسين من مهرجان الهواة في مدينة مستغانم تعاملها مع نصوص مسرحية مختلفة، وقدمت فرجاتها بأساليب إخراج متباينة المستويات، مما جعل لجنة التحكيم لا تطبق في قراءة وتحليل العروض نفس المقاييس النقدية التي نتعامل بها مع الفرق المحترفة، أو مع العروض التي تنتمي إلى الجماعات المتفرغة المتخصصة بمتخصصيها في الانتاج المحترف.
لقد كانت مراعاة مسألة الهواية، ومراعاة مستويات تجريب التعامل مع الفضاء، و مع اللغة، والصورة، والغناء، والتمثيل مسألة مأخوذة بعين الاعتبار حتى يكون تقويم العروض خاضعا لليونة، والمرونة، والتعامل مع النقاط القوية في العرض المسرحي لتكون موضوع نقاش، وتحليل، واستحسان، وتشجيع.
وهذا الخيار المحدد لقراءة العروض لا يتعلق ـ فقط ـ بمسرح الهواة في الجزائر، ولكن الأمر يتعلق بكل التجارب المسرحية العربية الهاوية وما تنتجه من عروض تتباين في مستوياتها، وفي أشكال تركيب خطاباتها، ليبقى الجامع بينها كلها هو الهواية التي قد تعطي في بعض الأحيان فرجات مثيرة للدهشة والغرابة بمستواها الرفيع، وبما تطرحه من قضايا ورموز تكتب معنى تجريبها للمسرح الهاوي، كما أنها قد تعطي عروضا لا ترقى إلى مستوى فهم العملية المسرحية ومكوناتها.
لقد أظهرت هذه الدورة أن المسرح الهاوي يقف في مفترق الطرق بين اختيار ما هو جديد لكتابة زمانه الجديد، أو اختيار الوقوف على نفس المواضيع، والأشكال التعبيرية التي تم تقديمها في السابق، لكن لجنة التحكيم في هذه الدورة ومن خلال توزيع الجوائز أخذت بعين الانتظار كل ما يكون حافز للهواة على الاستمرار في هذا المسرح، مراعية في ذلك الخرائط اللغوية، والتراثية، وشكل الاقتباس، ومستويات التمثيل.
في الحقيقة أعتبر نتائج لجنة التحكيم قراءة موضوعية لما شاهدته لجنة التحكيم، على الرغم من بعض الاختلافات في وجهات النظر حول الأربعة عروض التي كانت باللغة الأمازيغية، وطبعا كان لي وجهة نظر في الموضوع.
الفرجة: لقد طرحت خلال فعاليات المنافسة الرسمية للمهرجان إشكالية اللغة المسرحية و التي تميزت بثنائية لغوية بين اللغة الأمازيغية و العربية الفصحى.كيف يمكن في تصوركم تجاوز إشكالية اللغة فنيا خاصة في دول المغرب العربي مثل الجزائر و المغرب؟
د. بن زيدان: أولا يجب التوكيد على أن التعدد اللغوي في المغرب، والجزائر دليل على حيوية كل مجتمع يمتلك أصالة اللغات التي يُعرّف بها هويته، ويؤكد بها ثقافته، ويتواصل مع العالم بتراثه الثقافي المادي، وتراثه الثقافي اللامادي، وكلّما كانت اللغة منفتحة على فنونها، وعلى آدابها إلا وتحقق تواصلا حقيقيا بين باقي الممارسات الفنية الأخرى لاسيما حين تصبح اللغة الأمازيغية ـ مثلا ـ أداة للتحاور في الأفلام، وفي المسرحية كما هو الشأن في اللغة العربية التي دخلت في تركيب بنيات الحوارات والخطابات التي تتواصل بها مع المتلقي بعيدا عن كل تعصب، أو انغلاق يمكنهما أن يرميا بهذا التواصل في أتون صراعات سياسوية تفرّق، ولا توحد، تصطنع الصراعات التي لا تخدم وحدة الوطن.
هذا التعدد اللغوي ظاهرة صحية لا يزيد حركية المسرح والفنون والتواصل الاجتماعي إلا حيوية ترسخ نوعية ومستويات التفاعل مع العالم، والتعبير عن الذات، والوقوف على عتبات السؤال حول معنى الإبداع باللغة الأمازيغية، وباللغة العربية.
وفي هذا المهرجان كان لحضور اللغة الأمازيغية دورا لافتا في أربعة عروض مسرحية، جعلها صلة وصل بين نصوص عالمية والنص الذي صار مُمسرحا بالأمازيغية، وكان المراد من تقديمه بهذه اللغة هو توكيد الانتماء ذاكرة، وثقافة، وقضايا إنسانية إلى زمن العرض، رأينا يوليوس قيصر لشكسبير، ورأينا شخصيات تاريخية وفلاسفة مثل سقراط …..
هنا يمكن الإشارة إلى ملاحظة هامة تتعلق بمكونات الفرجة المسرحية، وهي أن النص اللغوي يبقى في اشتغاله الدرامي مكونا يتفاعل مع مكونات ووسائط أخرى، وعلامات أخرى لتركيب وحدة الموضوع، وهذا ما يساعد على فهم العرض، ويسهل عملية فهمه، وتفسيره للوصول إلى دلالاته العميقة.
الفرجة:اشتهر المسرح المغاربي في الجزائر والمغرب و تونس بما أصطلح على تسميته بالمسرح الإحتفالي، ومسرح الحلقة. كيف يمكن للفرق الهاوية على مستوى هذه الأقطار، إعادة بعث هذا التراث المسرحي من جديد ؟
د. بن زيدان:ما يميز التجربة المسرحية في المغرب و الجزائر، وتونس هو اهتمامها بالعديد من القضايا المتعلقة بالبحث عن تأصيل المسرح، والعودة بمكوناته وعناصره الفرجوية الجديدة إلى أصوله الشعبية، وتحريك جمالية الصورة المسرحية ببعض الثوابت التي كانت أساس بلاغة الكلام، والتشخيص، واللعب المسرحي في الحلقة.
وفي غياب نظرية مسرحية عربية يمكن الرجوع إليها والاستئنناس بالقواعد التي تساعد العاملين في المسرح على تجويد العملية المسرحية شكلا ومضمونا ظهرت العديد من النظريات المسرحية في مصر، ولبنان، وسورية أرادت أن تخلص المسرح من مقومات المسرح الإتباعي الغربي، و تحرّره من العلبة الإيطالية، ودعت إلى بالعودة إلى التراث الفرجوي الشعبي والعودة إلى زمن تأصيل الفرجة الجديدة، وإحياء دور الراوي أو الحكواتي، أو القوال تحريكا للفرجة بشكل الحلقة التي هي ظاهرة مشتركة بين التراث الشعبي المغاربي، وذاكرة مشتركة بين فنون القول، والسخرية، والغناء، والتمثيل.
هذا النوع من التنظير جعل البحث عن شكل مسرحي ملائم للتجربة الثقافية المسرحية المغاربية مشتركا بين كل النظريات التي اشتغلت على هذا الموضوع عربيا، وهو البحث الذي كان يروم تأسيس أصالة هذا المسرح بتراثه أولا ثم الاستعانة بالوسائط الفنية التي لا تُغرب المسرح عن ذاته، وهويته، وغاياته المجتمعية، بل تساعده على البقاء وفيا لعمقه، وقضايا مجتمعه.
من هنا جاء الاهتمام بشكل الحلقة، وبالحلايقي أو المداح، أو القوال ليكون هو صانع المتعة ببلاغة اللعب المسرحي، وبلاغة النص المشخص، وكثيرةهي التجارب التي راهنت على العودة إلى أصول امسرح الشعبي دون إقصاء الواقع المعيش من عملية التناسج مع الشكل التراثي للحلقة كما حقق ذلك أحمد الطيب العلج، والطيب الصديقي وعبد القادر علولة، وبعض التجارب المسرحية التونسية التي ربطت تجربتها المسرحية بالفداوي.
التنظير للمسرح مسألة نقدية بالغة الأهمية في تشكيل الوعي لدي المشتغلين بالمسرح، ذلك أن الأسئلة التي تنطرح في هذا السياق لا تتعلق بالمسرح كمسرح، بل تتعلق بدرجات مناقشة القضايا الفنية، والفكرية والفلسفية، والسياسية، والعلاقة بين المسرح وتراثه، والعلاقة بين المسرح والتجارب العالمية تنظيرا وممارسة.
ويبقى الاهتمام بالمشروع النقدي لهذه النظريات أمرا ضروريا لدى المسرحيين بمختلف توجهاتها وقناعاتهم، وخلفياتهم، وأعمارهم،ومرجعياتهم المختلفة، ذلك أن تعميق الوعي النظري بنظريات المسرح من أرسطو إلى الآن لا يمكن أن يلغي الاهتمام بنظريات المسرح العربي التي ظلت سؤالا مُشرعا على كل الإضافات والتأويلات، والتعديلات التي تخدم حيوية المسرح العربي.
من هنا بات ضروريا ـ أيضا ـ الوعي بمكونات الفرجة الشعبية بنية، وممارسة لدى الهواة،وهذا أمر يبقى رهين ترويج المفاهيم، والأسئلة، والنماذج التي تُكوّن المنظومات الفكرية لهذه النظريات حتى تكون ملامسة التراث، ومعرفة الجدوى من تشغيله في الفرجة المسرحية المغاربية ذا غايات جمالية تساير العصر، وتراعي طبيعة المتلقي.
الفرجة: تطرح إشكالية التأليف المسرحي، والدراسات الأكاديمية بشكل ملموس في أقطار المغرب العربي عكس دول المشرق و الخليج .كيف تفسرون هذا الوضع بصفتكم إحدى الشخصيات البارزة في مجال التأليف و التنظير؟
د. بن زيدان:العمل المسرحي في كل تجلياته، وتمظهراته الأدبية حين يكون نصا لغويا ينتمي إلى مجال الأدب، أو حين يكون عرضا تتدخّل في إنتاجه العديد من الفنون من تمثيل، ورقص، وموسيقى، وإضاءة، يصبح موضوعا للعديد من الدراسات التي تختبر أدواتها النقدية لفهم هذا النتاج المركّب الذي تتدخل في تكوينه الدلالي العديد من العناصر التي تجعله فنا متكاملا منفتحا على عناصر أخرى تزيده بهاء، وحيوية.
والتراكُب بين كل هذه العناصر لتكوين عالم المسرح يجعله ظاهرة إنسانية بامتياز لأنه يكتب ذاكرة الحضارات، والصراعات، والعلاقات، والفنون، ومظاهر الجمال في الحياة ليبقى بحضور المتلقي لقاء حيّا استثنائيا في حياة الشعوب والحضارات.
وحين يكون هذا السياق هو الحاضن لهذه الإشكالية المتعلقة بالتأليف، والدراسات النقدية، ويكون لها علاقة بالدرس النقدي في الجامعات فهذا أمر بالغ الأهمية يمكنه أن يمد جسور التواصل بين النقاد، والباحثين، الأكاديميين، والجامعات المغاربية خدمة لما يمكنه أن يخلق قوة معرفية حقيقية قائمة على رؤي متجددة للأدب، وللنقد، وللمناهج النقدية الجديدة، ويكون نبراسا يساعد على معرفة أسرار الكتابة المسرحية نصا، وعرضا، ونقدا، وهذا هو طموحي المعرفي القاضي بتوفير وتحقيق هذا التواصل المغاربي لتحريك ما نتوفر عليه من إمكانات بحكم المرجعيات الغربية، والعربية المتاحة لنا والتي لا نجدها في تجارب أخرى في الشرق العربي.
الفرجة: كيف يمكن تجاوز مرحلة المهرجانات المناسباتية والتأسيس لفعل ثقافي ومسرحي في مستوى تطلعات الشباب المبدع، والجمهور المهتم بالنشاط المسرحي؟
د. بن زيدان: غالبا ما تكون المهرجانات المسرحية تتويجا لما تم إنتاجه خلال السنة فتمّ تقديمه للمتلقي كقارئ يقدم رأيه في العروض، وكلما كانت استراتيجية هذه المهرجانات قائمة على برنامج ثقافي واضح الأهداف والغايات، فإن ما يحققه برنامج اي مهرجان قد يفوق ما تحققه مؤسسات أخرى، فمهرجان أفينيون، ومهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، ومهرجان دمشق(سابقا)، ومهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح، ومهرجان مسرح الهواة في مستغانم، والمسرح الوطني لمسرح في المغرب قد حققوا من بين ما حققوه، التفاعل بين التجارب المسرحية وهم يتطارحون القضايا الفنية والفكرية التي تجد فرصة سانحة لتقديم الرأي والرأي الآخر للمسرحيين، وهم يعرفون بالتراث الثقافي اللامادي، ليكون هناك تحريك ثقافي، اقتصادي، وسياحي آخر يفز باقي المؤسسات على أن تنخرط بشكل مباشر أو غير مباشر في حيوية هذه الاستراتيجية.
كل هذه المهرجانات معنية بتأسيس وعي حقيقي يخدم حركية المسرح، ويعمق حضوره في البرنامج الثقافي للدولة، ويمد قنوات الحوار، والتواصل مع باقي الدول الأخرى خدمة لكل حوار يكرس فعل الحوار الثقافي، والتفاعل بين التجارب.
وعندما نتحدث بصيغة الجمع عن فعاليات المهرجانات المسرحية في الوطن العربي فهذا يعني أننا نشير إلى دورها في كسر طوق العزلة بين الثقافات في الوطن العربي خصوصا حين تراهن على بلورة وعي حضاري ثقافي منفتح بهذا المسرح على العالم، يكون من ضمن اهتمامها الاحتفاء بثقافة الشباب، وتأطيرهم بما يخدم استراتيجية الفعل الثقافي المسرحي المتنور، الفاهم، المشارك في بناء الوعي وليس في نشر ما يزعزع المنظور الوطني للثقافة، والحوار، إن الاشتغال بالمسرح لا يمكنه أن يكون اشتغالا حقيقيا إلا حين ينخرط بخطاباته في النسق الاجتماعي التربوي الشبابي من أجل التنوير حتى لا يترك لأعداء التنوير الفرصة لنشر ما ينشر التطرف لإظلام المتلقي بتوجهات إظلامية.