ثنائية رجل الدين و العلماني تعيد صياغة أي مشروع مجتمع نريد/ العربي بن زيدان (تونس)
مسرحية ” و شياطين أخرى” للمخرج وليد دغسني
قدم المخرج المسرحي عماد دعسني خلال فعاليات الطبعة 13 لمهرجان دوز العربي للفن الرابع (26 -31 أكوبر 2018) عملين مسرحين من إنتاج شركة كلوندستينو للإنتاج المسرحي ،يتعلق الأمر بمسرحية “و هي شياطين أخرى”، و مونودراما “سمها ما شئت” حيث شكلا العملين فسحة فنية و إبداعية لا تخلو من الفرجة لجمهور قاعة العروض بدار الثقافة محمد الرزوقي بمدينة دوز من خلال إعتماد المخرج نماذج و تطبيقات المسرح المعاصر بمختلف مناهجه و توجهاته الأمر الذي أعطى للشحنة الدرامية لدى الممثلين مدلولا فكريا يطرح المواضيع وفق تجليات الماضي و الحاضر.
ففي مسرحية “وهي شياطين أخرى” تبدو إشكالية (أي مشروع مجتمع نريد) أكثر وضوحا على خلفية صراع رجل الدين أو اللاهوت الذي يستمد سلطته من المقدس مع رجل العلم أو ما يعرف بالعلمانية في صراعهما الفكري على بسط سيطرتهما على العقول .
أما في مونودراما “سمها ما شئت “تمثيل الفنانة أماني بلعج ،فقد عمد عماد دغسني، بإعتباره مؤلفا و مخرجا على إبراز الوجه القبيح للأنظمة الشمولية ،القمعية المتسلطة في قمع الحريات و كبح الإبداع الفني و غلق الطريق أمام أي مشروع ثقافي و إجتماعي خارج إدارة النظام.
تنتهي مسرحية “وهي شياطين أخرى” في أخر مشهد من المسرحية بلقاء رجل الدين مع رجل العلم في مقدمة الركح وهما في حالة من النشوة حد الضحك الهستيري، مشهد يعبر عن مدى تواطؤ الرجلين الرمزين، ربما الأكثر من هذا مدى حاجتهما القصوى على التعاون لإنقاذ المدينة من هول محنة الكلاب الضالة التي ضربت حصارا على الشعب و لم يسلم من هجومها أحد بإستثناء إمرأة إستطاعت أن تنجو بأعجوبة من مخالب الكلاب المسعورة و هي تلملم جراحها حيث تشكل وضعية المرأة، مصدر قلق و حيرة كحالة إستثنائية لدى رجل الدين أو كاهنوت مدينة، حالة وجب التعامل معها من منظور الشيطانة و الأرواح الشريرة التي تسكن الأجساد حيث تحلينا مشاهد العرض المسرحي في مجال تقمص الممثلين للشخصيات، إلى شخصيات مسرح التراجيديا بكل تجلياته حيث إستطاع المخرج أن يدير الممثلين بمهارة عالية في ظل وجود شخصيات مركبة و معقدة خلقت مشاهد درامية بحالات نفسية مرضية، حيث يبلغ الصراع مداه حين يدخل العالم صاحب النظريات و التطبيق المخبري، معترك الصراع الفكري ليضمن بسط سيطرته على الأوضاع في سياق إرتفاع حدة التجاذبات بين الطرفين على إحتكار مفعول سلطة المرأة على الجميع كأنها خلطة سحرية أو جسد نوراني لا يمكن لأي طرف الإفلات من سلطان الإغراء لديها كأنها الحرية أو الوطن لا يقبلان إلا ما هو نظيف و طاهر من كل الأدناس و الدسائس. إنها أغنية الحب ضد لغة الشياطين.
إن الثنائية التي ركز عليها المخرج في مسرحية “وهي شياطين أخرى” ممثلة في شخصية رجل الدين أو اللاهوت الذي يستمد سلطته من المقدس و شخصية العالم أو العلماني المتشبع بقيم العلم يحلينا إلى التساؤل عن أي مشروع مجتمع نريد خاصة بعد قيام ثروات الربيع العربي و بروز فكرة الديمقراطية و التحرر .