المسرحي الجزائري ولد عبد الرحمن كاكي الجزائر / العربي بن زيدان (مكتب الفرجة بالجزائر)
يعتبر الفنان المسرحي ولد الرحمن عبد القادر المدعو “كاكي” 1934/1995 بمدينة مستغانم بالغرب الجزائري ”أب الدراماتورجيا بشهادة النقاد و المسرحيين ”بالنظر لغزارة الإنتاج المسرحي الذي قدمه الفنان تأليفا و إخراجا منذ خمسينيات القرن الماضي، أرصي خلالها قواعد ممارسة مسرحية حداثية تعتمد على أبرز المدارس العالمية لدى كبار المخرجين العالميين على غرار ” ستانيسلافسكي، قوردن كرايغ، مييرخولد، بيسكاتور وبريشت” حيث نجح ولد عبد الرحمن كاكي في المزاوجة بين الحداثة و التراث.
طوع قصائد الشعر الملحون لصالح مشهدية إحتفالية و نقل مشاهد التراث الشعبي، التي كانت تقام في الأسواق الشعبية و المواسم الدينية ،على الركح و هي جميعها تطبيقات فنية جعلت من شخصيات تراثية مثل ( القوال المداح،أو الراوي) تعتلي الركح الجزائري كما حلق عاليا في سماء المسرح بثلاثيات في مسرحيات خالدة على غرار “132 سنة، شعب الظلمة، إفريقيا قبل الواحد ،كل واحد و حكمه، القراب و الصالحين، ديوان القراقوز و غيرها …” إنطلق ولد عبد الرحمن كاكي في تنفيذ تجربته المسرحية بمدينة مستغانم خلال الفترة الإستعمارية حيث أسس سنة 1958 فرقة “القاراقوز” بعد تجربة فنية ضمن “جمعية السعيدية ” بأعضاء الجمعية التي كانت تضم وقتها خيرة الفنانين في مختلف النشاطات الفنية لمدينة مستغانم على غرار عبد القادر بن عيسى،الموسيقار محمد الطاهر،مطرب الأغنية الشعبية معزوز بوعجاج، و شيخ الأغنية البدوية ، الشيخ حمادة، و مؤسس المهرجان الوطني لمسرح الهواة ،سي الجيلالي بن عبد الحليم حيث شكلت هذه الأسماء و غيرها النواة الأساسية ضمن ما كان يعرف بفوج الفلاح للكشافة الإسلامية ،في مجال النشاط السياسي و النضالي في شقه الثقافي .
حيث إنتقل بعدها و لد عبد الرحمن كاكي إلى تأسيس فرقته المسرحية تحت إسم “القراقوز” ، كانت بمثابة مختبر إشتغل داخل قبو عبارة عن ورشة للنجارة وسط مدينة مستغانم .إنطلق رفقة مجموعة من الممثلين أمثال عبد القادر بلمقدم، محمد شويخ، مزاجة بلقاسم، مزاجة بوزيد، جمال بن صابر ،محمد بن محمد، مصطفى شقراني و شقيقه معزوز ، في مغامرة فنية فريدة من نوعها ، أثمرت عن ميلاد فرقة ورشة مسرحية لإعداد الممثل ،وضع خلالها كاكي عصارة التجربة المسرحية التي إكتسبها من مختلف ال حيث ألف عدد من المسرحيات على غرار “الشبكة” ، “نهاية اللعبة” الشيوخ ، إفريقيا ما قبل الواحد،ما قبل المسرح .
و بعد الإستقلال مباشرة ،دشنت فرقة القراقوز سلسلة من التظاهرات الوطنية بعرض “مسرحية 132 سنة” بداية من سنة 1963 والتي تناولت مختلف مراحل الإحتلال الفرنسي منذ 1830 إلى غاية 1962.حيث شكل هذا العرض المسرحي بداية سطوع نجم ولد عبد الرحمن كاكي كمؤلف و مخرج مسرحي بعد متابعة العرض المسرحي سنة 1963 في العاصمة من طرف أعضاء مجلس الثورة بحضور المناضل إنيستو شي غيفارة الذي سجل التاريخ مقولته الشهيرة “يقولون أن لا يوجد مسرح عربي و لا جزائري و أنا اليوم شهدت مسرحية ثورية من أداء شباب جزائري”. كانت هذه اللحظة التاريخية بالنسبة لولد عبد الرحمن كاكي و أعضاء فرقة “القراقوز” بمثابة نقطة تحول إلتحقت الفرقة بالمسرح الوطني الجزائري بقيادة المرحوم مصطفى كاتب و محمد بودية ..خلال تلك الفترة التي إنتعش فيها المسرح الوطني بوجود عديد الأسماء الفنية البارزة من ممثلين و ممثلات ،أمثال عبد الحليم رايس ،كلتوم ،فتيحة بربار ،سيد أحمد أقومي ، الحاج عمر ، عبد الحليم رايس وعبد القادر علولة ،أخرج كاكي للمسرح الوطني مسرحيات ديوان القراقوز ،بني كلبون ،شعب الظلمة ،كما عين كاكي مديرا للمسرح الجهوي لمدينة وهران مباشرة بعد إفتتاحه قدم خلال هذه الفترة مسرحيات ،كل واحد و حكمو،”القراب و الصالحين” ،دار ربي” و إفريقيا قبل الواحد” ،”دم الحب” ،”الشيوخ ” و مسرحية “نهاية اللعبة “.
حيث تجاوزت شهرته حدود الوطن لتشمل الدول العربية و الدول الأوروبية حيث ينقل أعضاء فرقة “القراقوز”خاصة الفنان جمال بن صابر ،كيف تفاعل الجمهور السوري فضلا عن النقاد و المسرحيين مع مسرحية “كل واحد و حكمو” بعد عرضها في دمشق خلال سفرية الوفد الجزائري لنقل جثمان الأمير عبد القادر.و يؤكد جمال بن صابر الذي إشتغل بعمق على مسرحيات ولد عبد الرحمن كاكي سنوات السبعينيات في مسرح جمعية الإشارة،التي كانت بمثابة إمتداد لفرقة القراقوز ،أنهم إكتشفوا معنى الثلاثية فنيا و أدبيا بفضل مسرح كاكي، فقد شكلت مسرحيات 132 سنة،شعب الظلمة، إفريقيا قبل الواحد ثلاثية لما يمكن وصفه بالمسرح السياسي الثوري بالنظر للرسائل الإنسانية القوية التي ينتقد من خلالها كاكي النزعة الكولونيالية للدول الغربية .أما مسرحيات،كل واحد وحكمه،بني كلبون،و القراب و الصالحين و هي تمثل ثلاثية ،قدم خلالها كاكي نموذج المسرح الملحمي ،من خلال الإتكاء على التراث الشعبي بخلفية إجتماعية و دينية تعطي لعناصر الفرجة ،و الإحتفالية مساحة واسعة في صناعة اللعبة المسرحية يمزج فيها الممثلون بين الأداء الركحي و الغناء و الحركة .
كما حلق إبن حي تجديت العتيق ،و الذي كان يلقب خلال الحقبة الإستعمارية ب”القاهرة” بالنظر للحركية الثقافية و السياسية التي كانت سائدة في أوساط مناضلي الحركة الوطنية،عاليا في سماء المسرح ،سيما بعد ان لفت إنتباه مجموعة من المسرحيين الفرنسيين من أحزاب اليسار التي كانت تساند نضال الشعب الجزائري،خاصة المسرحي،أونغي كوردريو الذي إكتشف موهبة كاكي خلال ورشة تكوين ضمن مؤسسة الشباب حيث دعاه غلى تأطير ورشات تكوين في مجال التمثيل و الإخراج المسرحي لفائدة طلبة فرنسيين من الجامعات الفرنسية و المعاهد المسرح ،حيث أنتج مع هذه الفئة من الطلبة مسرحية “ديوان القراقوز” عن مسرحية العصفور الأخضر للإيطالي كارلو قوتزي حيث كانت التجربة بمثابة إكتشاف الجزائريين في ما بعد لمسرح الكوميديا دي لارتي .رحل ولد عبد الرحمن كاكي،مخلفا وراءه رصيدا مسرحيا لا يزال يشكل مصدر إلهام المسرحيين الجزائريين حيث إشتغلت عديد الجمعيات على إعادة إنتاج نصوصه ،بينها جمعية الموجة،جمعية ولد عبد الرحمن كاكي،جمعية الإشارة،و المسرح الجهوي لمدينة العلمة كما تم تأسيس جائزة وطنية “الكاكي الذهبي” للكتابة الدرامية تقوم بتنظيمها سنويا الجمعية الوطنية الثقافية “الكاكي الذهبي”.