حرّر رأسك، تخيّـل واكتب!/علي عبد النبي

(ورشة على شكل وصايا لجيل قادم من كتّاب المسرح)

 
1/ نحن نعيش على صخرة كبيرة تسمى الأرض ضمن كونٍ معقد .. وكلما ازداد بحثنا وقراءتنا واكتشافاتنا عنها ازدادت أسئلتنا كأننا لم نعرف هذه الصخرة من قبل. هكذا هو المسرح كلما توغلنا بالبحث والكشف والقراءة والكتابة له ازدادت أسئلتنا وكأننا تلاميذ في حضرته، لذلك أرى أن الكاتب المسرحي عليه أن لا يتوقف عن أسئلته الى أن يغادر الحياة.
2/ عليك أن تفكر ليس كما يفكر الناس! فالكاتب المسرحي هو شخصية استثنائية نادرة نادرة يعيش داخل هذه الصخرة، فأنت تفكر بطريقة تختلف عن جميع من حولك ، لديك قدرات غير موجودة عندهم، والاهم من كل هذا لديك الخيال غير التقليدي للكتابة عن كينونتهم وأحلامهم وتطلعاتهم وهمومهم ومستقبلهم . وكأنهم أوكلوا لك مهمة الكتابة بالنيابة عنهم . انك ببساطة خالق إنساني لحيوات وأحداث مختلفة.
3- ماذا تريد أن تقول في نصك المسرحي؟ ومن هنا عليك ان تفكر بالأشياء المهمة جدا التي ستقولها بجرأة لا الأشياء التي يعرفها الجميع، أكتب سطراً عن شطحات خيالك لما تريد أن تعبّر عنه فيما بعد، وأومن إيماناً تاماً بأن ما يحدث حولك يفوق الخيال.. لذلك يجب أن تكون كاتبا يحمل أفكارا تفوق الخيال هي الأخرى.
4/ لابد أن تكون مُلمّاً بحياة الشخصيات التي تكتبها وتؤمن بأنها ستكون خير من يحمل أفكارك، على اقل تقدير معرفة الجزء الأهم من تفكيرها ورؤاها وتصوراتها عن الحياة التي تعيش في وسطها.
5/ لا تكن شاعراً في حواراتك المسرحية أكثر من شعراء قصيدة النثر فأنت كاتب مسرحي ولست شاعراً ، ولغة المسرح هي (لغة المسرح) لا تشبه أيّة لغةٍ أخرى، ويكذب عليك من يقول أن عليك أن تكتب النص المسرح كشاعر في لغته، أقول (شعرية النص) هي الأصح كما أجزم ، فشخصيات مثل (الأم والزوجة والزوج والحبيب والحبيبة والجندي والفلاح وعامل المصنع) وغيرها.. هم إناسٌ بسطاء لا تجعلهم فلاسفة في حواراتهم، بل حاول أن ترتقي قليلا بلغتهم، هذا هو المهم.
6/ لا يمكن لأيّ نص مسرحي أن يكون مهما وفاعلا دون وجود مشكلة مهمة وأساسية فيه، وهي جزء من مشكلات الواقع التي تؤثر بشكل كبير على حياة الناس، ولكنك لا تضع المشكلة كما هي على الورق.. بل اكتبها بشكل يشكل صدمة للجميع عند قراءتها رغم أن هذه المشكلة ربما عاشوها أو سمِعوا بها.
7/ الحدث ليس شيئا ساكناً وثابتاً أو ميتاً، هو كائن حي، ينمو ويتقدم ويتطور، واستطيع أن أشبهه بالكائن الذي يولد فيكبر شيئا فشيئا ولكنه لا يصل الى النهاية، النهايات هي البدايات الحقيقة لحياة أخرى ولأحداث جديدة مفتوحة الأفق.
8/ لا تقل أن العنوان غير مهم، أبداً، العنوان ضوء وبطل حقيقي حاله حال الشخصيات، ويجب أن يكون مثيرا وبارزا وربما فيه مفارقة، ويضيف بعدا جديدا للنص المسرحي الذي تكتبه.
9/ لا تشغل نفسك كثيرا بالملاحظات الإخراجية، فهذا من عمل المخرج، أنت تكتب نصاً أدبياً سيُجسد فيما بعد على خشبة المسرح، أي أن هناك خالقاً آخر سيتولى الأمر من بعدك.
10/ المكان.. هو ليس خشبة المسرح على الإطلاق، المكان هو مكان الحدث الأساسي (بيت، صالة، حفرة، مكتبة، شارع، زنزانة… الخ) فمن الأخطاء الشائعة في الكثير من النصوص المسرحية العربية والعالمية.. ان الكاتب يعتقد ان الحدث يجري على خشبة المسرح، فيكتب أن الشخصية الفلانية تحركت الى يمين أو يسار المسرح، أو ينصب نفسه مخرجا فيشير الى بقعة ضوء هنا أو هناك، وهذا أمر يدعو للضحك فعلا، فالشخصية تحركت في مكانها الواقعي الذي يجري فيه الحدث وليس على خشبة المسرح.
11/ مثلما بدأت بقوة في نصك المسرحي.. اجعل النهاية بحجم الأحداث التي جرت، لا تجعلها نهاية باردة لا تنسجم مع ما حدث.. لأنها ستكون نهاية باهتة وغير مؤثرة وتؤثر ببرودها على نصك بالعموم.
12/ -لا تحريم في الكتابة للمسرح.. أفكارك هي المقدسة.
13/ -لا تكترث للمقاسات والاشتراطات كثيراً والتي كُتبت وفقها النصوص المسرحية القديمة والمعاصرة ، فهي كتبت وفق ظروف الواقع الذي كانت يعيش فيه كتّاب المسرح والمزاج العام للناس آنذاك ، الحياة تغيرت تماما وتغيرت أمزجة الشعوب ومواضيعهم وأحداثهم، فأنت تختلف عن كتّاب الإغريق أو الرومان والعصر الإليزابيثي وسواها، لأنك ببساطة محاط بعصر التكنلوجيا ووسائل الاتصال الحديث والقنبلة النووية وحروب الأزرار والإرهاب العالمي والقتل على الهوية والأسماء… إلخ.
14/ لا تدع مخرجا يكتب (إعداد وإخراج) على أحد نصوصك فهذه إهانة لك كمؤلف مسرحي، وإذا كتبها دون أن تدري صحح له بغضب وقل له بأنك مخرج وهذه رؤيتك للنص وليس إعدادا، فالنص المسرحي ( لا يُعد ) على الإطلاق.
15/ أما إذا كتب احد المخرجين في ملصق العرض ( عن مسرحية … ) وهي من تأليفك فتلك إهانة أكبر وقلة احترام وتقدير لك ككاتب مسرحي.
16/ سَلْ نفسك دائما كيف يمكن لنصك أن يكون خالدا ويقدم بعد مائة عام مثلا وأكثر، ولماذا الكثير من كتاب المسرح انطفأ بريقهم ولم يعد أي مخرج يقدمهم على خشبات المسارح وهم ما زالوا أحياء فكيف إذا رحلوا عن حياتنا؟ أين هو الخلل هنا؟ لذلك حرر رأسك واكتب، تخيّل، اذهب بعيدا، كن كونياً منطلقاً من محليتك ومشكلات واقعك.
17/ لا تجلس في ورشة لكتابة النص المسرحي ومن يعطيك دروساً فيها لا يملك (تجربة) في الكتابة للمسرح، أقول (تجربة). إنها أسرار الأسرار لا يعرفها إلا من يملك رموز لفك تلك الشفرات والتي يستطيع الدخول بها لعالم هذه الأسرار الغريبة والممتعة!
18/ التزم الصمت ولا تتحدث كثيراً إلاّ بحدود ضرورية، صمتك أبلغ بكثير ، دع نصوصك تتحدث بالنيابة عنك، ولا تكتب في مواقع التواصل الاجتماعي بين ساعة وأخرى في اليوم الواحد، ستصبح ثرثارا ولن يكترث أيّ أحد لنصوصك مهما كانت فهم يعرفون كيف تفكر وماذا تكتب! حتى أنهم يعرفون نوع القهوة التي تفضلها.!
19/ لا تكترث لبعض الشعارات والصرخات من قبيل البحث عن الهوية، أو أن بعض الظواهر أو الشعائر هي اكتشافات لتيارات أو مدارس مسرحية جديدة، هذه مراهقة لا تصمد كثيراً أمام مفهوم أن المسرح هو (كوني) بإنسانيته وروحه وأفكاره، وليس هناك مسرحاً خالصاً يسمى المسرح الانكليزي أو الفرنسي أو العراقي أو الأمريكي أو الهولندي أو التونسي أو المصري أو الجزائري… بل هناك مسرحاً بمفاهيمه المتعددة كلنا نشتغل عليه على هذه الصخرة وأحدنا يستلهم من الآخر ويتأثر به، ومن هنا على الكاتب المسرحي أن لا يوجع رأسه ووقته بالبحث عن الهوية، بل اكتب مسرحاً بالشكل الذي تراه مناسباً لأفكارك.
20/ خطأ شائع ومضحك اكتشفته منذ سنوات -منذ عرف العرب المسرح – أن يقال (النص العالمي) ، والسؤال هو: أن الكاتب الأمريكي عندما يكتب نصاً مسرحياً هل سيقولون عنه في أمريكا بأنه نص عالمي؟! أم ببساطة سيقول بأن هذا نص لكاتب أمريكي ويكفي ؟! وهكذا في أيِّ بلدٍ وقارة، لذلك لا تنظر لنصك المهم (العراقي – العربي) نظرة دونية، والأمر ينطبق على (العرض العالمي) أيضا. وإذا سلمنا بهذا القول (النص أو العالمي) هذا يعني أن نصّك العربي هو نص عالمي أيضا.
21/ لا تقترب من الأفكار التعبوية، وإياك إياك أن تتغزّل بالحرب أو تطبّـل لها في نصوصك، حتى لو كانت حرباً عادلة كما يسمونها ، أصلاً لا توجد أية حرب عادلة فكلها وقعت بسبب مزاج الساسة وفشلهم وفسادهم! وتحوّل البشر فيها ضحايا على شكل حطب لنارها، وكان يفترض أن لا تقع، ومن هنا عليك أن تأخذ موقفاً محايداً بعيدا عن الشعارات والبطولات الكاذبة وتسجل موقفك ككاتب مسرحي بلا انفعالات أو ردّ  فعل عاطفي أو زيف ، اكتب عن خوف الجنود في الجبهات، الخوف هو الأسمى والأجمل، من قال لك أن الجنود لا يخافون من الصواريخ وأزيز الرصاص واشتداد المعارك؟ إنه الموت! الأفضل أن تكتب لماذا لم يعيشوا من أجل الوطن لا أن يقتلوا من أجله؟ سجل تلك اللحظات المخيفة والهاربة من حياتهم، ولا تحوّلهم الى أبطال خارقين بعد أن يقتلوا، فتلك أكاذيب ومع الزمن ستتلاشى هذه النصوص مع انتهاء الحروب.
22/ لا تجعل مؤسسة أو جهة ما فنية أو غير فنية تفرض عليك شكل النص وأفكاره وفق ما تريد، لأنك ستتحوّل الى كاتب (عرائض) أو كاتب مناسبات، ولا تكتب وفق ما تريده المهرجانات المسرحية وتتحول الى كاتب (مهرجانات)، ولا تكتب حتى ترضى الحكومة في بلدك لأنك ستكون كاتبا (مضللاً) لشعبك ولا تمتلك ذرة من الشرف ككاتب مسرحي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت