مسرحية "المجنون" من الإمارات…نص موجع يدعو إلى التساؤل عن معنى الوجود وماهية الإنسان/ الفرجة
ضمن المسابقة الرسمية للدورة العشرين لأيام قرطاج المسرحية.
لا يشكّل الجنون خطراً، إلّا في حدوده الضيقة، المقرونة بالأذى العابر، وانتهاك ما تعارف عليه الناس واعتادوه، لكن ما إن يتعدّى الجنون خطه وقالبه ومساره، ويبثّ القلاقل في أوساط المتنفّذين والمستفيدين من تشوهات المجتمع وغيبوبته، حتى يصبح الموصوف بالجنون متهماً ومداناً ومشكوكا به، وقد يساق إلى محاكم تفتيش فكرية وعقائدية، تنبش في ماضيه وحاضره، وتضع المآلات المستقبلية لصنائع المجنون وأقواله وتصرفاته، تحت مجهر البحث والرصد والتنبؤ.
انطلاقا من هذه المقاربة بنى المخرج محمد العامري، عرضه المسرحي “المجنون” التي تم عرضها مساء الأمس السبت بفضاء نجمة الشمال بالعاصمة ضمن المسابقة الرسمية للدورة العشرين لأيام قرطاج المسرحية.
هذا العمل المسرحي المُشبع بالرموز استلهمه المخرج من نصّ “المجنون” لجبران خليل جبران، وما صاغه الراحل قاسم محمد في إعداده لسيناريو “المجنون والعدل” المقتبس عن نص جبران أيضا.
وأدى بإتقان كبير دور المجنون الممثل مروان عبدالله، الذي أبهر الحاضرين بأدائه الى جانب كل من حميد سمبيج وعبدالله مسعود ويوسف الكعبي وهيفاء العلي عذاري وناجي جمعة وخليفة الجاسم وعثمان عبيد وحميد محمد ومحمد عادل وعلي الحيالي.
بطريقة فنية وعمل سينوغرافي متميز للمخرج محمد العامري، طرح هذا العمل المسرحي عدة قضايا حمل من خلالها الجمهور في رحلة ذهنية نحو أعماق التاريخ برؤية فلسفية حبلى بالتساؤلات عن معاني الخلق والوجود والكون والولادة والموت والإنسان بطابعه الخيّر والشرير.
واللافت أن الركح جاء في شكل حلبة يحيط بها الممثلون باستثناء مجنون عار وعلى جسده الكثير من العلامات الدالة على آثار جروح، ويحيط به خارج “الحلبة” بقية الممثلين الذين تداولوا على محاصرته بالأسئلة في “شبه محاكمة” عن ماضيه وحاضره وأفكار هذا “السليم المضطرب العائش بين البشر”
نص موجع نقل مواقف مؤلمة حينا وهزلية حينا آخر، تمظهرت في نزال بين عالمين كبيرين كان المجنون الحكم بينهما، وهو شكل من أشكال اعتماد الكوميديا السوداء لتصوير ما يحدث في المجتمع من تردي مستوى المفكرين والعلماء، ومن ظلم الحكام لشعوبهم وظلم لأفراد الشعب بين بعضهم البعض. مواقف تعكس زيف المجتمع وتفشي الكره والمقت بين البشر.
وأطلق مخرج العمل دعوة الى “المحبة” بين الناس وقد جاءت على لسان من يتهمونه بالجنون الذي جاءت على لسانه الحكمة والتبصر، فلاحظ “انسحاب قوة العقل” مقابل “انتصاب قوة السعد”. لكن هذا “النبش في مسائل يصعب تبيانها”، كما جاء على لسان أحد الممثلين، لا ينم عن جنون صاحبه بل عن وعي وذكاء مستتر وهو ما جعل المحيطين بهذا المجنون يصدرون حكما عليه لانهم يخشون خطر تكاثر نسله في المجتمع، لكنه يقف في نهاية العرض شامخا وهو يردد “سيكون لي أبناء من ضوء وظل، وأحفاد من تراب وهواء، سيرتدون ثوب الفجر، ولون البحر، ورائحة المطر، سينتشرون بينكم ويكبرون”.