"البطل المسرحي سؤال المبنى والمعنى في الفن" / تأليف: يوسف رشيد جبر
توصل موقع مجلة الفرجة نسخة كاملة من كتاب:””البطل المسرحي سؤال المبنى والمعنى في الفن” تأليف: يوسف رشيد جبر، الذي قدمه هدية للموقع و قراءه.. وسنقوم بنشره عبر حلقات اسبوعية (كل خميس بإذن الله)
—————————–
“البطل المسرحي سؤال المبنى والمعنى في الفن”
المكتبة الوطنية ( الفهرسة اثناء النشر)
رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد(738)
لسنة (2013)
الطبعة الاولى
مكتب الفتح
للطباعة والاستنساخ والتحضير الطباعي
تقديم: د. جبار حسين صبري
المقدمة:د. يوسف رشيد
الفصــــــل الأول
1-مفهوم البطولة…المعنى والكينونة…
2-البطل في الفلسفة ونظريات الادب:
3-البطل الاسطوري:
4-البطل التراجيدي
الفصــــل الثاني
1- البطل في الكلاسيكية الجديدة
2- البطل الملحمي في المسرح الحديث “منهج بريخت”
3- البطل الرومانتيكي
4-العوالم الداخلية في البطل التعبيري
5-نموذج الاحتجاج وابطال اللامعقول
6-الرمزية البطل الرمزي
7-الواقعية والتكوين الفني والفكري للبطل
الفصــــــل الثالث
البطل في المسرحية العراقية
البطل في مسرح العشرينيات
(انا الجندي) صيغة المبالغة في تكوين البطل 1938
شمسو نموذج (البطل المستكين) 1946
اني امك يا شاكر* تداخلية البناء الفني للبطل 1950
الحس الثوري والقضية الاجتماعية لبطل الخمسينيات
صراع مع الظلام… (1956)
الكراج الخامس 1959 *
نموذج البطل السلبي في مسرحية المدمن 1962
التكوين الفني والفكري للبطل- البشري الاسطوري (كلكامش)
البطل الثوري الحديث في مواجهة البطل الاسطوري (الطوفان) 1966
التكوين الفني والفكري للبطل
صدى الاتجاهات الحديثة- مدينة تحت الجذر التكعيبي* 1967
عزلة وشاعرية جليل القيسي في نموذجين 1970″
صفوان بن لبيب*..وملامح البطل الثوري 1976
البطل المجاور
قوة الارادة في بطل مسرح الحرب 1980
في الباب الشمولية والموقف الذاتي للبطل 1986
مائة عام من المحبة* 1994
خلاصة استنتاجيا
المصادر
تقديم: د. جبار حسين صبري
البطل المسرحي: ذلك سؤال المبنى والمعنى. سؤال التلازم الذي يتموضع فيه البطل سواء كان علامة . شفرة . كائنا حيا. كائنا غير حي، في سلسلة من الاحداث يتقدم فيها البطل او يتأخر، ينتصر او ينقهر، يكون او لا يكون في مشاهد تتراتب عليه مثلما يتراتب عليها. ذلك التلازم الذي يتمفصل في:
1- تلازم طبيعي: يتفاعل فيه داخله مع خارجه ليعكس صورة ذاته في مجالين متلازمين : مجال الذاتي في مجال الموضوعي او العكس.
2- تلازم تركيبي: يعتقد فيه البطل انه دال يشير او يطابق او يرمز الى مدلول في مجال بنيته او مجال علامته. اشارة لا تقر على احادية المعنى او احادية المبنى. بل تتعدد، تنتشر، تتشتت، تتعالق وتنفصل، تتعقد باستمرار، خالية من اي تبسيط.
3- تلازم فني : ذلك الذي يكون البطل قد تجاوز التركيب بافتراض نموذجه الاعلى، شكله الاخر الذي يدغدغ مصائر مشاهديه بالخوف او المحبة او الكره او الجمال، ذلك الشكل المنقوع بتعاليه عن صفات الواقع او اليومي والمعتاد .
4- تلازم افتراضي: انه سلسلة انعكاسات الذات والدور والممثل في مرآة العرض المسرحي، في عين الرائي المخبوء داخل البطل او المتمظهر في صالة العرض، حين يختلط الأنا والأنت والهو في آن المخيلة وافتراضات الخشبة المسرحية .
5- تلازم وجودي: الذات التي يحملها البطل تقرن هنا بالصراع ، صراع احتمال الكينونة في حضورها وغيابها، في ذلك النزع من الاضداد الذي تحمله وتكون محمولة عليه في ايما لحظة، في ايما شاردة مصير .
6- تلازم تاريخي / تاريخاني: يالها من خطيئة او لعبة ممروغة بدرجتين متغايرتين : درجة الاتصال اذ يغدو فكر البطل او شعوره او جميع حدوثاته في تتبع آنات واحداث التاريخ المستدامة، ودرجة الانفصال التي تراهن على قطيعته بما سبق او بما لحق على حدٍ سواء لتشعره برهانه هذا انه دفقة، شهاب، شرخ، امتلاء آني مسكون بنفسه ، محدث في ذاته وغايته .
7- تلازم افهوماتي / فلسفي: يظن البطل المسرحي انه وعاء افكاره ، احتواء مبانيه في معانيه، تناسل إفهوماته في شبكات اراداته ومخيالاته .
8- تلازم ابستمولوجي: يتساءل البطل المسرحي الحقيقة، المنطق، خطوط تعريف حالات مبانيه ومعانيه، اسباب وجوده، رهان حتميته، ليكون ازاء ذلك سلوكه في مسالك بداياته او مقدماته الموصلة بنهاياته او نتائجه .
9- تلازم اكسيوماتي (قيمي): يجاهد البطل المسرحي في صناعة انموذجه، وفي تعالي ذلك الأنموذج ليكون فناراً شاهداً، شاخصاً على سفائن الأحداث والشخصيات والأفكار والنزاعات المتوالدة شاهداً يجر عربة القيم في فضاءات افكار المشاهدين ، متجاوزاً على الزمان والمكان متموقعاً في هيكل الشفرة المقدس.
10- تلازم إجناسوي: يتغالب البطل المسرحي في تأكيد او معرفة هويته، في صناعة اطارها ومحتواها. لكنه يفشل في كل مغالباته، ينهزم في اكثر المرات رغبة . تقهره تناصاته ، إنزياحاته ، تغلغل السابق فيه باللاحق ، نسيان نفسه بولادة غيره.
ومن فض التلازم الذي يتأدلج به البطل المسرحي موقفاً ينسرب بمتجه مدخلاته التي تؤدي الى ترسيم خرائط افعاله ، وترسيم موشوره في لعبة افعاله لحظة الكشف والصراع ولعبة ردود افعالها في آن واحد . انه يمر مسرعا في خطواته باتجاه :
1 – مدخلات العقل: يفترض البطل انه حبيس كوجيتو: انا اتعقل مبناي ومعناي. اذن ، انا كائن مسرحي. هنا تعيش ذاكرته اقوى مما تعيش مشاعره او آماله. يكون ماضيه قدرا لازم حركته من حيث ابتداء نفسه وانتهائها معا .
2 – مدخلات الحس: يفترض البطل انه قد تشفرن في: انا اشعر بمبناي ومعناي ، اذن انا كائن مسرحي. ذلك لأنه يعيش تجربته عن طريق سؤاله الآن، ولأنه انفصل عن ماضيه بقدر مثلما انفصل عن مستقبله بقدر، هو يركد في قرارة الحاضر حصراً.
3- مدخلات الحدس : ليس هرباً من ماضيه او مقدراته الثابتة او تجاوزاً على حاضره المشروخ بتجارب لا سلطان عليها بل رغبته في ان يكون هناك ممتداً في القابل من الزمن، في تلك الواحة المسماة الأمل او المستقبل .
هذه مدركاته كانت هي ملاذاته في معرفة مدخلاته في ترسيم الحدود التي يرها فيها قابل مايكون او قابل ماكان او سيكون على اساس فهمه او توطيد وجوده، صراعه، انكشافه، سؤاله في طريق العرض المسرحي المنعكس على طريق العرض الذاتي او كلاهما لحظة ان تكون مرآة حضوره متكسرة ، متشظية تظهر الآف او ملايين اشكاله وتعدداته في الوجود والمسرح وهي زائفة في اشكالها بأستمرار.
لقد قطف أ. د . يوسف رشيد من بساتين البطل معارف تدويناته على فرض صراعات البطل وامكانات فهمه لتلك الصراعات في سجلات الفلسفة من جهة، وسجلات المذاهب المسرحية من جهة ثانية، وسجلات خبرها بتدبير وعيه إزاء قضية من قضايا المسرح الخطيرة : قضية إفهوم البطل في سؤال مبناه ومعناه من جهة ثالثة.
جاء البطل المسرحي ليصور إنموذج الأله فيه ، او نصف ذلك الأله يزرع بذور مقدماته في امراض ملؤها ثمار نتائجه ، يسحب عربة وجوده فعل كان الذي يسوق مايكون فيه او سيكون ويحشرها في ذلك الفعل الذي مضى قدره او زمنه ، يرى غده بإستمرار بعين أمسه . انه بلا حاضر الا من فعل ذلك الحاضر في كان واخبارها المتراتبة من المستقبل نحو الماضي ابداً . وهذا يجعله ان فكرته ، وجوده ، احداثه ، موضوعية يتجاوزها عن الواقع ، بتخارجها من ممكن الزمن ومحلات المكان بوصفها فوقية راسخة في الأعالي .
وجاء البطل ليصور نفسه فرداً تقوده فردانيته نحو عذوباته وعذاباته في آن واحد. قلقاً من حيث ربح عواطفه ، مضطرباً متذبذباً ، قائماً بذاته لإعتقاده بحريته وارادته بمزعم شوبنهاور وتعاليه او اوليته بمزعم نيتشيه . ومعبداً اجتماعياً حسبما مفهوم توماس كارليل واسطورياً تبعاً للآمال الشعبية… وغيرها .
وجاء مرة اخرى لاهثا وراء مطابقات صارمة: مطابقة الذات بالموضوع . انعكاس ذلك بدرجة الوضوح التام. التوصل الى حقيقة متماسكة . براهين علمية . اسباب تقفل برؤيتها ازاء النتائج. كل ما يكون عند ذلك البطل يكون محتما .. هكذا حاصرت الواقعية سلوكيات البطل المسرحي.. وجاءت التعبيرية من تلكم الهواجس المشحونة بالحروب والمخافات فانحشر الواقع داخل الذات وتصدرت الفوضى والتعدد والاحلام والرغبات المسطحة للزمان والمكان المرتبطة بترميزات منفلتة من ايما حدود. . وجاءت … وجاءت ….
في هذا الكتاب يغور أ.د. يوسف في اعماق ذلك البطل بمعطف التراجيديا الكبير فيكشف عن تفاصيل انسجة ذلك المعطف، خاماته، مكوناته، اشكاله وتعدداته وصولاً الى اقصى مدن ابنيته وكذلك اقصى مدن معانيه او دلالاته المقعدة في افهوماته. يخارج من ذلك المعطف مضمرات فلسفة البطل مثلما يخارج منه انماطه الفنية، انه يقلب يمين البطل الفكري بيسار البطل الفني في مدونه تشرح الكائن المسرحي بمقدراته ، حياته وموته ، داخل فضاء النص / العرض لنشهد معاً بالصورة المشعة كل دقائق مايكونه ذلك البطل وما يعنيه وما يفترض به ان يكون فناً متجاوزاً على ماكان او يكون .
ان رؤية البطل في محاضن الأدب غير رؤيته في محاضن الفلسفة لكنهما معاً: الأدب والفلسفة رسما طريق البطل وسجلا حركاته وآماله فنياً ومعنى ليكون جسداً مشرحاً وافعوله هدف رئيس تتناوشه مجنسات النص او خشبات العرض المسرحية مثلما تترامى به بعيداً غياهب الفلسفة، وكان ذلك السؤال: البطل المسرحي/ د . جبار حسين صبري
المقدمة/ المؤلف
اكتسبت موضوعة البطولة والبطل اهميتها في الدراسات الادبية وتحديدا في مجالي القصة والشعر، وكانت هذه الدراسات قد خرجت بنتائج مهمة من خلال التحليل النفسي والدراسات الانثروبولوجية لمفهوم البطولة، غير ان هذه الدراسات كانت قد ركزت على فكرة الذات والموضوع بوصفهما الاساسي في نظرية المعرفة.
اما في مجال الدراسات النقدية التي عنيت بالدراما نجد ان هناك ثمة اراء نظرية تحليلية تدور حول شخصية البطل التراجيدي والبطل الدرامي الحديث منذ ارسطو وحتى يومنا هذا. فقد كانت ارسطو معجبا بالفاعلين من ابطال مسرحيات (سوفوكليس) وخصوصا (اوديب ملكا) التي صارت نموذجه المثالي في كتاب (فن الشعر). ولعل اهتمامه بالفاعلين هذا جعله يقدم الفعل على الشخصية بقوله “التراجيديا..بالضرورة لا تحاكي الاشخاص ولكنها تحاكي الافعال، والحياة بما فيها من سعادة وشقاء وسعادة الانسان وشقائه يتخذان صورة الفعل([1]).
فالبطل التراجيدي عند ارسطو هو مجموعة من الخصائص- السمات- تتجلى من خلال افعاله الخارجية وليس من خلال سماته الداخلية فقط.
وهذه الخصائص يجب ان تتسم بالثبات والتساوق مع ذاتها طوال المسرحية. التزاما بقانون الوحدة في بناء الشخصية المحورية الذي ظل مستمرا حتى في النصوص المسرحية الكلاسيكية الجديدة الفرنسية، وعلى وجه الخصوص التاريخية والعاطفية منها.
حيث رجع كورنيه وراسين ومولير وغيرهم الى طريقة بناء المسرحية اليونانية في التالف المسرحي من تغليب للبساطة والتساوق ووحدة العمل المسرحي ثم الوضوح العقلي ومطابقة الواقع وبالتالي عدم اللجوء الى العجائب والخوارق والغيبيات، حيث ان المسرحية الكلاسيكية لا تصور سلوك البطل الدرامي على انه ناتج عن صراعه مع قوى خارجة عن ارادته وانما صورت ذلك البطل في صراعه مع طبيعته الداخلية مع سلوكه النابع من ذاته المتكونة من غرائز واحساسات وعواطف داخلية وانفعالات وافكار ولهذا تغيرت الدوافع التكوينية القديمة للسلوك واستبدلت بدوافع انسانية جديدة اثرت في تكوينه الفني والفكري. وتميز شعراء العصر الاليزابيثي في تصويرهم لشخصية البطل الدرامي الذي يسقط نتيجة لقوى اعظم منه، تلك القوى التي يقع في مقدمتها ضعفه الانساني الذي يسوغ له الرضوخ لقوانينها الجبرية العاتية فكل ما يجري تصويره على خشبة المسرح من حوادث تنبع من افكار البطل نفسه ومن عواطفه.
فالبطل الشكسبيري هو البطل الذي يجلب الدمار على نفسه بسبب فعلة لم يفكر في عواقبها وهذه الفكرة تنبع من خلقه.
حيث يرى (الارديس نيكول): “ان الاساس في المأساة كما يبدو انه يتركز في مقاومة البطل الذي يتمتع بقوة انسانية ذات ابعاد متناهية العظمة، لقوة اعلى منها واشد قوة وهكذا ينتهي البطل الى مصيره المحتوم بسبب هذا (العنف الانساني)”([2]).
وتتجلى موضوعة العنف الانساني ونزوع الانسان نحو المطلق في صفات البطل الرومانتيكي الذي تسوقه عواطفه وانفعالاته التي تحدد مؤشرات ضعفه وسقوطه بسبب تأرجح سلوكه بين الجد والهزل ويتجاوز ما هو اسمى وما هو ادنى ويختلط ضحكه ببكائه.
ان هذا المزج بين الجد والهزل في سلوك البطل الرومانتيكي قد مهد لظهور البطل الميلودرامي، ذلك المخلوق البريء المنكل به والمحب بجنون يصل به حد المطلق وهنا لم يعد ازاء هذا المتغير أي وجود للبطل الارستقراطي النبيل حيث لم يعد البطل ارستقراطيا بل من البرجوازية او عامة الشعب، وقد يظهر مسطح السمات، وان يكون خيرا او ان يكون بطلا ثوريا من شانه ان ينهي الميلودراما بانتصار ساحق للخير على الشر الكوني.
ان هذه المؤشرات الفنية والفكرية كان لابد لها ان تترك بصماتها في ادبنا العربي الحديث خصوصا في المسرحية العربية والعراقية بشكل اكثر تحديدا وهي تبدو في بعض الاحيان على هيئة بصمات واضحة من خلال البطل.
ان بعض المقتربات الافتراضية التي يوجبها التحليل الفني والفكري للنص العربي والعراقي ابتداءاً من نصوص (احمد شوقي)، (عزيز اباظة) ونصوص (خالد الشواف) و(يوسف العاني) وغيرهم ممن حاولوا النسج على منوال البطل الكلاسيكي الجديد والرومانتيكي والبطل الثوري والميلودرامي محاولين ترسيخ سمات البطل المجبول على الخير والذي يصارع قوى الشر بمختلف مظاهرها مدفوعا بالولاء للحبيب او للواجب الوطني والقومي المقدس نحو بلده وشعبه/المؤلف
* كتبت هذه المسرحية عام 1953 وصدرت من ضمن الجزء الاول من مسرحياتي ليوسف العاني عام 1959.
* قاسم حول، الكراج الخامس، مسرحيتان، بغداد: مطبعة الوفاء، 1961، ص 1- ص 30، مسرحية الكراج الخامس، كتبت عام 1959.
* طه سالم، مدينة تحت الجذر التكعيبي، مطبوعة على الالة الكاتبة عام 1967 من 25 صفحة.
* انظر: محي الدين حميد زنكنة، مسرحية السؤال، الجمهورية العراقية: منشورات وزارة الاعلام، سنة 1976.
* فلاح شاكر، مائة عام من المحبة، مسرحية غير مطبوعة، كتبها في الفترة من شباط 1993، وانتهى منها في 6/7/1994.
([1]) ارسطو طاليس، فن الشعر، ترجمة ابراهيم حمادة، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية، 1977، ص 97.
([2]) الارديس نيكول، علم المسرحية، ترجمة دريني خشبة، القاهرة: مكتبة الاداب، 1958، ص 224.