عشق المسرح/ د. احمد بدري
أعشق المسرح لأنه السراج المنير لأخطائنا ولزلات أقدامنا…
أعشق المسرح لانه يجيد تسليتنا برقة صوره الزائفة وأناقتها، ومجازات أكاذيبه الركحية المخادعة.
أعشق المسرح لأنه، بحسن تفرده، ينزهنا عن صخب الحياة، يتعالى بنا، يرتقي بأذواقنا، ويزيل ترهات الدنيا عن صدورنا، بدغدغات المفردات وإيماءات الحركات، فلا تعود بيننا وبين المعاني حجابات، وتقشعر ذواتنا من فرط الجمال، حتى لنحس أن للوجود ألف معنى ومعنى.
أعشق المسرح لما يتلبس عباءة البساطة والطتبع، من دون تكلف، فيبتعد عن الغلو في التبسيط والتصنع.
أعشق المسرح حين ينزوي المخرج في ركن ما من الكواليس ، ليفسح المجال للنص المسرحي عبر الأداء الرزين، المتوازن بين الصرامة والرشاقة، ليمنح القيمة كل القيمة للممثل، شرط أن يعمد الممثل، مع سبق الإصرار، إلى إلغاء أناته وحبذاته، مانحا الأولوية كل الأولوية لروح الشخصية المتقمصة في مسرحيته.
أعشق المسرح حين لا يكون همه البحث عن التماهي مع معشر السياسيين، حين يبتعد عن الشعارات الفضفاضة، والخطابات المباشرة الرنانة، حين يستطيع برقيق الكلام، وتنميق المجاز والاستعارة، إيقاظ العواطف فينا، وشحذ الذكاء فينا، وترطيب الأمزجة فينا.
أعشق المسرح حين لا يخضع الصراع الدرامي لوجهة نظر وحيدة، حين يستحضر ولادته، زمن الإغريق، مرافقة للديموقراطية الأثينية، وحين، إزاء البطل، لا ينصب الإثم، بل يبرز حقيقة أخرى : حقيقة الغريم. وفي هذه الأزمنة المرتبكة، المشوبة بتحالفات قوى الدمار وجبروتها، حيث الشباب تائه بدون معلمات اهتداء، حيث البصائر عمياء، وحيث طغت عجرفة وجشع الأقوياء، في هذه الأزمنة،
أعشق المسرح حين يصر على تذكيرنا بالقيم الكونية للإنسانية، وبالقوانين الاصطلاحية غير المكتوبة،المتجسدة في مبادىء الكرامة وحرية الإنسان. وتلكم لعمري هي السعادة العليا.
فالمسرح حيث ما مر – كما يقول م. أ. أستورياس – يكتب لخطاباته الخلود : خطابات حوار الإنسان مع الآلهة، خطابات الإنسان مع العالم، خطابات الإنسان مع الإنسان. خطابات وخطابات، لكن مآلها السرمدية”. وفي الحقيقة، إن مثل هذه الأسئلة الجوهرية، والنكهة العبقة بروح التاريخ، في واقعه وأساطيره، في حقائقه وميثولوجيته، هي ما بحثت عبر كل السنين، أن أتقاسمها معكم أصدقائي، خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي.
** احمد بدري سلا في 27/03/2016 بمناسبة تكريمه من طرف المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي (نقل هذه المقالة الى العربية ذ. هحمد سعيد بوبو مايو 2018)