"شمس وقمر" ثنائي رائع وسطو على حقوق الحكيم/ نور الهدى عبد المنعم
“ما يخرج من القلب يصل إلى القلب” هذه العبارة حقيقية تمامًا وقد انطبقت على آداء الفنان سامح يسري في العرض المسرحي “شمس وقمر” الذي يُقدم حاليًا على مسرح متروبول، الذي تشاركه بطولته الفنانة إيناس نور مع الفنان الكبير محمود عبد الغفار ومشاركة مجموعة من الفنانين، أشعار محمود جمعة، ألحان عطية محمود، استعراضات عاطف عوض، ديكور محمد عبد المنعم، خدع وميكانيزم ضياء سليمان، إخراج محمود الألفي.
من أهم مميزات هذا العرض حالة البهجة والتواصل التي أحدثها سامح يسري المتمثلة في خفة ظله وبساطته وغناءه وعزفه على الناي، فلم يكن ممثلاً يؤدي دورًا في عرض مسرحي، بل استمتع كما أمتعنا بلحظات جميلة قضيناها مع الأطفال، الذين تعايشوا معه وشاركوه الأحداث، وقدموا له مقترحات، كما اتسم أداؤه التمثيلي أمام إيناس نور بالطبيعية الخالية من أي أفتعال، والتي أبهرتنا أيضًا بآدائها الذي جعل الأطفال يتخذون منها موقفًا عدائيًا لدرجة تحريض سامح عليها بالضرب، كما صفقوا لها بقوة وحماس حين شعروا بتغير سلوكياتها للأفضل، هذا التحول في موقف الأطفال تجاهها يدل على مدى براعتها في إتقان الشخصية التي تجسدها وفهم أبعادها الإنسانية، بالفعل هذا الثنائي نجح في تحقيق هدف العرض التعليمي كما أراده توفيق الحكيم، من خلال تقديم معلومات هامة وقيمة للأطفال منها: كيفية تسخير العلم للعمل، فوائد الزهور في صناعة العسل، كذلك القيم الإيجابية منها: قيمة العمل، الاعتماد على النفس، القدوة والأخلاق الحسنة، التسامح ومعاملة الغير بأخلاقياتنا، الحمد والشكر لله، نبذ الكبر والغرور والطمع.
هذا الأداء الذي يعد أهم ما في هذا العرض عمل على كسر الملل والرتابة التي أحدثتها المشاهد التي سبقت ظهورهما معًا، حيث تأثر معظم الممثلين بآداء الدراما التليفزيونية، فظهروا وكأنهم نسوا وجود متفرجين وانفصلوا عنهم تمامًا.
الفنان الكبير محمود عبد الغفار أكثرهم وقوعًا في هذا الخطأ لكنه سرعان ما تداركه واختلف أداؤه تمامًا خاصة حين خرج من شخصية السلطان وتلبسته شخصية الأب بعد أن فقد ابنته الأميرة.
تميز العرض أيضًا بنهايته المنطقية في عدم زواج شمس وقمر، فتخلص من قصة “ست الحُسن والشاطر حسن” التي أصبحت لا تناسب العصر ولا تناسب الأطفال المُقدم إليهم العرض، كما تخلص أيضًا من الطبقية وصراعاتها، واهتم بالحب المُطلق المُجرد من أية غاية: حب الطبيعة، الخير، الجمال، العلم والولاء للمعلم والامتنان له، كما يوضح أن قيمة المعلم وأهميته تُستمد من علمه مهما كان وضعه الاجتماعي، وتبلور ذلك وتجلى واضحًا في عبارة شمس وهي تقدم قمر لوالدها “قمر معلمي في الحياة”، وتوسيع دائرة التعليم التي لا تقتصر على الفصل الدراسي فحسب، بل وجعل من قمر الزمان شخصية بسيطة غير متطلعة ولا انتهازية، فعاد لحياته قانعًا وسعيدًا بها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل بتغيير النهاية بهذا الشكل وتحويل النص من الفصحى إلى العامية، كذلك طريقة تعارف شمس النهار وقمر الزمان، مبررا حتى يُكتب عليه كتبته للأطفال -وليس إعداد- الدكتورة فاطمة يوسف، أو عن نص “شمس النهار” لتوفيق الحكيم، كيف نقدم نصًا تعليميًا للأطفال نعلمهم به القيم والأخلاقيات الإيجابية ونحن نكذب عليهم، بل ونستبيح السرقة التي حرمتها الأديان السماوية وجرمتها القوانين ونبذها المجتمع، فهذا كما يقول علم المنطق “تعريف مانع وليس جامع”.
لم تكتف الدكتورة فاطمة بذلك بل أصابت النص بخلل في عدة مواضع منها: مستوى الحوار بين السلطان والوزير الذي لا يتناسب مع مجتمع السلطنة وإنما يناسب مجتمع العمالة حيث يتحدث السلطان مع الوزير عن النهب الذي يمارسه في السلطنة كما يقول له أعمل أكثر تربح أكثر، وحين عرفت الأميرة الكتاب بعبارة سريعة جدًا بأنه مملكتها ولا تهتم بالمملكة الحقيقية والعرش وتهتم بالأدب والفن والشعر، ورغم ذلك تظهر شخصيتها مسطحة ليس فيها ما يدل على هذا الكلام على الإطلاق، وحين سألت الأميرة قمر عن كيفية حصوله على الشنب الذي أحضره لتتخفى في شخصية رجل قال لها: (عملت حركة في المعزة) وكان يجب أن يقول قمت بقص جزء من شعرها أو ذيلها، لكن ماذا تعني كلمة حركة هذه؟ خاصة أن العرض مُقدم للأطفال كما أشرنا فيما سبق، مقابلة الأمير حمدان بشمس التي قد تقدم لخطبتها ولم يظهر ما يدل على أنه يعرفها أصلاً.
ملاحظة أخرى لفتتني في نص الدكتورة: إذا كان الذهاب إلى قصر الأمير حمدان بهذه السهولة وهو في سلطنة أبعد، فلماذا لم يذهبا إلى قصر والدها وهو رغم بُعد المسافة يقع في السلطنة نفسها؟
بعيدًا عما فعلته الدكتورة فاطمة بالنص، لكنه في النهاية نجح في توصيل رسالته للأطفال من خلال الثنائي الرائع سامح يسري وإيناس نور لأن المسرح ممثل أولاً وأخيرًا، كذلك الأستعراضات والأغاني والسينما التي تعمل على إعمال خيال الأطفال، حيث نقلت لهم الصحراء والسماء والحصان، كذلك اللوحات خاصة لوحة الماعز.
أما الديكور فللأسف فقير جدًا لم ينجح في تصوير قصور السلاطين كما أن الاختلاف الوحيد بين القصرين هو شكل الكرسي فقط.
وأخيرًا هل ذكر اسم توفيق الحكيم في أحد الاستعراضات من دون غيره من الكُتاب وكأنه الكاتب الأوحد الذي أنجبته مصر ولم يتم ذكر أية معلومات عنه جاء بالصدفة أم شعورًا بالذنب من المؤلفة التي نسبت نصه إليها؟