على هامش مهرجاناتنا العربية.. إلى متى تكرار المكرر؟ / محمد الروبي (مسرحنا)
أعرف أن بعض أصدقائي من مسئولي المهرجانات المسرحية العربية، سيغضب مما أكتبه هنا، لكن ماذا يمكنني أن أفعل، وقد آليت على نفسي أن يكون هذا (المشهد) منذ توليت مسئولية رئاسة تحرير (مسرحنا) بمثابة بؤرة الضوء التي تركز على فعل مسرحي ما (معاتبا أو محييا) مستهدفا في الأخير التفكير بصوت عالٍ في قضايانا المسرحية التي يجب علينا أن ننتبه لها ونلفت أنظار بعضنا البعض إليها.
بؤرة ضوء مشهد اليوم تخص ما أسميه بـ(استسهال) اختيار عناوينا لمحاور نطلق عليها (فكرية) تصاحب مهرجاناتنا العربية، يدعى إليها باحثون ونقاد وفنانون، يطلب من كل منهم إعداد ورقة بحثية، تطبع في كتيب يصدر مع المهرجان أو بعد انتهائه بشهور، أو لا تطبع على الإطلاق.
ملاحظتي هنا، التي تكونت لدي مع متابعاتي لعدد غير قليل من المهرجانات في السنوات الأخيرة، أن أغلب هذه (المحاور الفكرية) باتت مكررة وعفا عليها الزمن، وصارت تدور في فلك إعادة ما سبق وأن قيل مرارا. بل إن الملاحظة الأهم أن أغلب الأبحاث المقدمة في مثل هذه (المحاور الفكرية) لا بد وأن يبدأ أصحابها من بدايات البدايات، من اكتشاف النار واختراع العجلة. الأمر الذي قد تنتهي معه (الورقة البحثية) دون أن يقول صاحبها شيئا جديدا لا يعرفه المتحلقون حوله في قاعة الاجتماع (الفكري). أغلب مقدمي مثل هذه الأوراق ينسى أين هو الآن، وإلى أمام من يتحدث، متعاملا مع مستمعيه كتعامله مع طلاب الفرقة الأولى في كليته أو معهده، إذ عليه أن يلفت أنظارهم إلى متى بدأت الظاهرة وكيف تطورت وعلى يد من!
وحتى لا يكون الكلام على عواهنه كما يقولون، دعونا نسأل أنفسنا كم مهرجانا مسرحيا عربيا ناقش في السنوات الماضية وما زال (علاقة الشعر بالمسرح، أو دور السينوغرافيا في خلق عرض مسرحي، أو العلاقة بين المخرج والنص أو.. أو.. أو….)؟ وفي المقابل كم مهرجانا عربيا طالب مدعويه بالبحث فيما هو آني من علاقات وأشكال مسرحية تخص مبدعي اليوم، اليوم الممتد من سنوات كثيرة سابقة؟ كم مهرجانا اجتهد مسئولوه أن يحثوا باحثين عربا (وأجانب) في سبر غور ما يمور على سطح البحر المسرحي العربي الآن؟ كم مهرجانا اختار مبدعا (كاتبا أو مخرجا) صاحب تجارب متراكمة في بلاده، ليرصد تطورها وعلاقتها ببداياته، وعلاقاتها بجمهوره؟
أما السؤال الأهم بالنسبة لي هو لماذا تنفصل دوما (الحلقات الفكرية) مع ما يقدم من عروض في المهرجان نفسه؟ لماذا لا يدعى الباحث إلى تأمل ما سيراه في المهرجان من عروض ومقارنتها مع (المحور الفكري) المختار؟ وهو ما تيسره الآن وسائل التواصل التكنولوجية التي لن تكلف مسئولي المهرجان سوى إرسال أسطوانة مدمجة إلى الباحث، مطبوع عليها نسخة من العروض والنصوص التي ستقدم في المهرجان، محددين محورا أو محاور تثير عقل الباحثين في اكتشاف المتفق والمتناقض في هذه العروض والخروج بملامح دقيقة تخص المحور في تطبيقه على المعروض.
أظن أن ذلك أجدى وأهم من اجترار المجتر، وتكرار المكرر، والاكتفاء بتسديد خانات مهرجانية عناوينها (عروض، ومحاور فكرية، وورش، و.. و..)…. فهل نجرب؟ هل نحاول؟ أم أن الاستسهال يغنينا عن الوقوع في مآزق تنظيمية وفي نتائج غير مضمونة قد تتسبب في غضب البعض، فنظل نختار العمل بمنطق (سد الباب حتى لا يأتينا الريح)؟