المسرح و تطور الوعي المجتمعي/ بقلم : منصف الإدريسي الخمليشي
إن المسرح فن نبيل و بشهادة الأمم يعتبر أعرق الفنون إلى جانب فن النحت و بلاغة الكلام , و الشعر و الرسم و الفنون الشعبية و الحية , لكن يظل و يبقى الفن المسرحي هو سيد الأسياد , , و أب للفنون . للمسرح أهمية كبيرة على الفرد و المجتمع و تقدم المجتمعات عبر السنين , فلننطلق من أول مشهد عبر التاريخ , ” الغراب مع قابيل وهابيل ” ثم اليونان و الرومان و العالم العربي , إلى حين دخول المسرح إلى المغرب , عن طريق مجموعة من الرواد كتيمود و أحمد الطيب لعلج و الطيب الصديقي و عبد الكريم برشيد و المسكيني الصغير و عبد الواحد عوزري , و غيرهم من الرواد الكتاب و المنظرين .
إلا أن هؤلاء الرواد قاموا بمهمة جبارة , ألا و هي صنع الأفكار و المناهج , كالمسرح الاحتفالي و المسرح الثالث , هذه نظريات يشهد لها و أمام الملأ أنها نجحت في وقتها , و منها من بقيت إلى الآن تتوسع و تنتشر عبر أقطار العالم الغربي و العربي , لكن تبقى المسؤولية الكبرى على عاتق المهتمين بالشأن الثقافي و الفني لتجويد هذه النظريات , تدريسها , و تأطير الشباب , سواء أ كان مهتم أم طالب في شعبة علمية أخرى , باعتبار المسرح كما ذكرت هو السبيل الأنسب لتطور المجتمع , خصوصا و أننا في عصر و في فترة تعيش اضمحلال خطير , خصوصا على مستوى البحث , ماذا تنتظر من من يسأل عن ما معنى الناقد ؟ على عكس القرن الماضي الذي كان ميلاد فن نظيف و جديد بثقافتنا , كان الرواد ينشرون مقالات نقدية و هم في عمر الزهور أحيانا , فنحن بحاجة إلى من يشد بهؤلاء الطاقات أو بالأحرى من يكون , و البنيات التحتية التي هي شبه منعدمة هناك بوطننا الحبيب , بالمقارنة مع مصر و تونس و بلدان أروبا و إفريقيا , لكن يبقى التساؤل المطروح , لماذا جمعيات المجتمع المدني الخاصة بالتكوين الفني تعاني الإقصاء نوعا ما , مثلا , جمعية الخيال بسلا و جمعية جسور بآسفي ؟ أليس من الأجدر و الأحق أن تنال هذه الجمعيات و أمثالها دعم مادي و معنوي و رعاية سامية , فمثلا المهرجان الوطني للمسرح الارتجالي هو المهرجان المسرحي الوحيد بسلا , و ليس هناك أي دعم باستثناء بعض الجهات التي لا تتعدى رؤوس الأصابع .
المسرح نظيف و ينظف و منظف للوجدان , بكلامي هذا لا يمكنني أن أنكر غاية القرآن الكريم , (لكن موضوعي ثقافي ليس ديني) , لماذا المنع و تجريم كل ممارس للفن و العمل الجمعوي , بحجة أنه التحق لصفوف تابعة للنظام , كالقوات المسلحة الملكية , الأمن الوطني , الدرك الملكي (…) هل رجل السلطة ليس له حق في العصبية , أو ليس هو الأجدر في العصبية و الحزن و غيرها من المشاعر السلبية , حيث يعيش مجموعة من الضغوطات اليومية التي تجعله , ينهار , لماذا تجريم ممارسة الفن و التطوع و الكتابة أيضا , يمكن للشرطي أن يخدم الوطن و في نفس الوقت يطبع كتاب و ينشره , ربما قد يكون واعظا , و تنتشر نوع من الكتابة , الأدب البوليسي , و تكون حقيقة و سيرة ذاتية , مجموعة من المثقفين حرموا من حقهم في التعبير عن آرائهم , و منهم من تجاوز القانون فكان مصيره الاعتقال , لنعود للموضوع الأبرز ” المسرح ” فالشرطي بتمثيله أو حضوره لحصة مسرحية في الذاكرة الإنفعالية أو إسترخاء , أو بعض من ما خلده ستانيسلافسكي أو بريشت , هنا قد فهم و ارتوى من أنبل الفنون على الإطلاق , أقول و بصارح العبارة , أن مسألة التجريم فهي بحد ذاتها دليل على نوع من القمع الغير مسموح به , في وطن و دولة تنهج سياسة الديموقراطية , لذا فالمسرح مسرح , لو أمر أحدهم من الغرباء بمنع هذا القانون شبه قمعي لمنع .
المسرح فن نظيف , نظيف الفن المسرحي , فهذا دليل على أن المسرح فن متسامح حتى في اللغة , مرن يتعامل مع الفاعل كما المفعول به ولا يزعم أن يقول ” كفى ” كما الأولون .
كما تعودت القول و أكرر , المسرح سبيل الرقي بالمجتمع , لا بناء السجون و لا المخافر و لا المحاكم طريق للإصلاح , لكن إن اتخذت سياسة مسرحية , على الأقل في ولاية كاملة , همها الوحيد , بناء معهد على رأس كل جهة من جهات المغرب , من الشمال إلى الجنوب , مسرح بمقومات المسرح كبناية , دور ثقافة , دور الشباب , التي ربت و كونت جل مكونات الشأن الفني و الثقافي الحالي , إن اعتمدت هذه السياسة و عملت على استقطاب كل مكونات الوطن الحبيب , من قطع طرق و شباب و منحرفين و متشردين و ناشئة , فسينعدم انتشار المخدرات بكل أنواعها , و بالتالي لا نحتاج لسياسة بناء السجون , النتيجة ستلاحظ في أفق أربعين سنة .
المسرح المغربي حاليا يعيش أزمة خانقة , لا ندري ما السبب , لكن لنا اليقين , لو رصدت مبالغ لإعادة استنشاق مسرح المعمورة و مسرح الحي و مسرح اليوم , و غيرها من الفرق التي جالت ربوع الوطن في الداخل و الخارج , فمن هنا سينطلق نموذج التنمية , الانتقال من دولة في طور النمو , إلى دولة في أبهى حلة تنمية , الانتقال دول العالم الثاني , كفيل بتوظيف الفنون في المقرر التعليمي من النشأة إلى الجامعي , لنصنع أجيال على الأقل لهم وعي بضرورة الفن في حياتنا اليومية , حيث أن الجل يعتبر الفن و المسرح خصوصا مهلكة و مضرة للحياة العامة . المسرح سبيل التنمية الانسانية , الترقية و الهدف واحد وحيد تربية أجيال واثقة في ذاتها , فهذا له علاقة وثيقة بالتشغيل و كل ما يرتبط بالعنصر البشري , “المسرح ” ليس ركح بل هو فضح للمشاعر الذاتية أحيانا , تغيير للواقع في حين آخر , تشريع قوانين , إلغاء قوانين , هذه مهمة المسرح النبيل النظيف .