( وهم ) أومودي .. مخيلة الجسد المقترح / بقلم : يوسف الحمدان
مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي ( 4 ) ..
إذا كان هناك ثمة ما ينطبق على مقولة المخرج المسرحي المفكر الدنماركي يوجينيو باربا مؤسس مسرح الأوديون والتي أطلقها عبر كلمته في افتتاح مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته الرابعة على خشبة مسرح قصر الثقافة ، والتي تختزل في هذه الكليمات الحكيمة ” نبذر الأسود لنحصد الفراشات ” ، فإني أرى أن مسرحية ( وهم ) لفرقة مسرح أكاديمية روما لمخرجه المبدع ( فابيو أومودي ) ، خير من يتمثل هذه المقولة ، وذلك لكون هذا العرض اشتغال مختبري جماعي في التأليف ، كما هو الحال في مسرحية ( آخر 15 ثانية ) الكندية لمخرجه مجدي أبو مطر ، كما أنه حفر معرفي جماعي أيضا في تيمة الحياة في مواجهة الموت ، وتيمة الموت بوصفه حياة تتجدد ، وتيمة مواجهة المستحيل بالمتخيل ، وهي تيمات فلسفية إذا ما وقفنا على تضاداتها الأزلية ، إلا أن المخرج ( أومودي ) شظى هذه التضادات لتصبح وفق المتخيل المقترح في العرض رؤية تتملك القدرة على خلق فضاءات جديدة ومتعددة تتجاوز حدود ( المتقابل ) المعهود في فلسفة الأضداد ، لتفتح ثقوبا تؤول بالرؤية إلى منافذ توليدية لأفضية التأويل والحلم والمتخيل ، الأمر الذي تتشكل معه آفاق تحفيزية للبحث في مناطق لا متناهية.
من هنا يكتسب العرض أهميته وجماليته ، ذلك أنه يتكيء على عضلة المخيلة التي دونها تصبح الرؤية بل العرض كله ، بائسا ومترهلا ومتبلدا وعقيما ولا ينتمي للفن أصلا ، وهذا ما ركزت عليه المخرجة الفرنسية الباحثة أريان نوشكين في دروسها المختبرية ، وفي كل عروضها المسرحية ، فإذا ماتت المخيلة ، مات العرض معها .
في مسرحية ( وهم ) ، يلج ( أومودي ) هذا العالم الغرائبي ، معضدا بطاقات فرقته الشبابية الفتية ، فيطلق شرارات البحث والتخيل على عالم ملتبس حسْم أمرَه بين الوهم والحلم ، بين الحياة والموت ، بين الكائن البشري والكائن الكوني الرهيف ، وكيف تتوالد في كل كائن كائنات ، وكيف تتداخل هذه الكائنات لتصبح عالما آخر ، ربما ينتمي لها أو ربما هو في وارد المتخيل والافتراضي ، ولعلنا نلمح ذلك بوضوح لا يعوزه أي التباس ، في توظيف المخرج لخيال الظل الذي تتجلى فيه منذ بدء العرض ، أرواح وأشباه هذه الكائنات ، مثل الفراشة والطاووس أو النعامة ، وتكوين علائق متعددة من خلالها تأخذنا معها إلى قيم نبيلة تنتمي للحب بأبهى صوره ، ثم تتلاشى ليصبح البحث عنها مستجدا وكما لو أنها في حالة احتضار أو موت ، لنكون بعدها في حالة إنعاش بشري جماعي لهذا الكائن المحتضر أو الميت ، ولتتحول أثنائها هذه الكائنات البشرية عبر استقصاء المخرج والكوروغراف لممكنات الإيماءة والصوت والجسد لديها ‘ إلى كائنات رهيفة تتماهى في ارتعافاتها النبضية السريعة والموقعة ، مع الفراشات ، رمز الحب والحياة ، مثلما هي أيضا رمز الأثير والقابل للتلاشي و الزوال لشدة رقته .
وهنا نكون في مختبر الجسد المتخيل الذي اضفى عليه المخرج ( أومودي ) تصوره الغرائبي للحياة معاكسا بذلك الاشتغال الجهوزي لمفردات الجسد ، فنلحظ هذه الطاقات الشابة وهي تؤدي أدوارها الجماعية السربية في تكويناتها ، تحتفي بكل ما يمكن استنطاقه في الجسد بحب وتسامي ، فتموت وتحيا وتقاوم وتظل طاقة الحب كامنة بقوة في كل ما تتجسده ، عبر الكوروغرافيا أو عبر الغناء الكورالي أو عبر لحظات التوتر والقلق ، مكونة بذلك ( الحب ) أو الطاقة المقاومة ، حيوات جديدة متخيلة ، تأخذنا معها في ارتحالات متعددة ،
وهنا نكون في مختبر الجسد المتخيل الذي اضفى عليه المخرج ( أومودي ) تصوره الغرائبي للحياة معاكسا بذلك الاشتغال الجهوزي لمفردات الجسد ، فنلحظ هذه الطاقات الشابة وهي تؤدي أدوارها الجماعية السربية في تكويناتها ، تحتفي بكل ما يمكن استنطاقه في الجسد بحب وتسامي ، فتموت وتحيا وتقاوم وتظل طاقة الحب كامنة بقوة في كل ما تتجسده ، عبر الكوروغرافيا أو عبر الغناء الكورالي أو عبر لحظات التوتر والقلق ، مكونة بذلك ( الحب ) أو الطاقة المقاومة ، حيوات جديدة متخيلة ، تأخذنا معها في ارتحالات متعددة ، تقترب في بعض المواقف إلى الحالات الغروتسكية ، وخاصة في لحظات الغرق في البحر والحياة مجددا ، أو عبر الإسعافات المتكررة لهذه الحياة من أجل ميلاد جديد لحياة تنتمي لمختلف الأكوان الأثيرية والسائلة ، مثل الفراشات والماء والأسماك .
إنه اشتغال مختبري على مخيلة الجسد والحركة والصوت والضوء والظل ، إنه فضاء العرض ، الذي تشكل معماره الحي من سينوغرافيا الجسد ، وما القطع الأخرى إلا إضافات فنية وظيفية ، أول من يحييها هذا الجسد المتخيل ، وهذه الروح التي لا تكف عن التحول والتغير في كل سانحة تغيير للمشهد ، وكما لو أن هذه الكائنات ( الفراشية ) تتمثل النحل في أقصى طاقات عملها.
فتحية لفرقة مسرح أكاديمية روما وللمخرج المبدع ( فابيو أومودي ) ، الذي يفاجئنا في كل مهرجان بتجربة تحترم المخيلة وتنتج عالمها الرؤيوي الجديد ، كما كان ذلك في عرضه السابق ( سجن الخشب ) ..