قادر" أيقظ الجزر الصامتة و"أمين" يعبر نحو المعرفة الأزلية/ أسمهان الفالح
خلال عرض “ألف ليلة وليلة – الفصل الأخير”
رسالة الشّارقة
تصاعدت أحداث الحكاية، وجاب الصمت خشبة المسرح، وبدأت رحلة الابناء الذكور لشهرزاد في العرض الفني “ألف ليلة وليلة- الفصل الأخير”، الذين جابوا الأرض بحثاً عن كنوز غامضة كانت الملكة قد طلبتها منهم، وفي مغامرات مليئة بالحكايات والدهشة، يذهب كلّ من “قادر”، و”أمين”، في صراع مع الزمن والكائنات الأسطورية للوصول إلى غايتهم، فـ”قادر” الذي ذهب وراء كائن اسطوري، و “أمين” الذي سعى وراء أرض المعارف، هل ينجحان في مهمتهما وتتحقق الرؤية وتروي شهرزاد فصلها الأخير؟
“قادر” أيقظ الجزر الصامتة وحصل على ريشة الفينيق
الفتى المقدام، الذراع القوية لوالدته، وخاصرتها النابضة بالجمال والسحر، أبحر نحو الجزر الصامتة، ليلبي نداء والدته التي طلبت منه تحرير الزمن، ولو نجح في ذلك سيخرج له كائن اسطوري يهديه قطعة عزيزة عليه، يجب أن يعود بها، وذلك خلال تجليات العرض الفني “ألف ليلة وليلة- الفصل الأخير” الأضخم من نوعه، والذي أنتجه مسرح المجاز بالتعاون مع “مالتبل إنترناشونال” بالتعاون مع 7فنجرز و” Artists in Motion” ، ليكون فاتحة الاحتفالات الخاصة بنيل الشارقة لقب العاصمة العالمية للكتاب للعام 2019.
وبدون أي تردد، يخوض الفتى صراعه مع الزمن، والكائنات الأسطورية التي تخرج من العدم، ليتفوّق على الوقت، ويدحره، لكنه يتفاجأ بالذاكرة، التي تخرج له عصيّة جميلة من صومعة الصمت على هيئة فتيات يبدأن في نسج لوحات بصرية خلّابة بعد أن تعلقن على الحبال، وحلقّن كفراشات الضوء فوق خشبة المسرح واحرقن العتمة، ليخرج عليه طائر الفينيق الأسطوري، ويضرب بأجنحته على جنبات المسرح، في عرض بصري استطاع الضوء أن يترجمه إلى جمال أخاذ مع توالي المقطوعات الموسيقية التي تركت أثراً جمالياً رائعاً، ليهديه في النهاية ريشة مضيئة عاد بها سريعاً إلى الملكة شهرزاد.
وفي توليفة من السحر والجمال، استطاع العمل أن يبهر الجمهور في الرقصات الخاصة التي قام بها الأمير قبل الوصول الأخير لغايته، ففي رحلته التي قطعتها يتصادف مع أعتى الرجال، الذين يبادلونه القتال، فيدحرهم واحداً واحداً، في قتال راقص، يتداخل مع إيقاع الموسيقى الملحمية، ليتصاعد المشهد، ويقفز على أكتاف خصومه، ويركلهم طائراً وزاحفاً، راقصاً، كأنه آلة وترية ضاعت سريعاً من أسوار الأوركسترا التي ألفتها، فعزف في العتمة منفرداً وحلّق عالياً في أداء باهر أطرب مشاهد الجمهور.
وبعد شد وجذب، استطاعت المؤثرات البصرية أن تقرّب المشاهد بشكل أكبر للمتفرجين، حيث أضاءت على ملامح جبلية ألفها الضوء وأحالها للوحات بصرية احتلت المسرح بأكمله، وباتت مشهداً سينمائياً ساحراً كان أمامه الأمير قادر شجاعاً مقداماً، حتى جاء الطائر من خلف أسوار الصمت، وحلّق فوق أسوار المسرح، وبدأ ينفث النار والريح، ويطير ويعود، يأتي باللهب، ويذهب، يحلّق حتى يختفي، ثم يظهر مثل النار من تحت رماد، ليستريح الأمير في الحكاية ويقطف نار الأسطورة ويعيد للملكة غرضها البهيّ، الذي هو ريشة الكتابة وعشق الحبر.
أمين يحل لغز الجن ويعبر نحو المعرفة الأزلية
وفي مدّ وجذب، يمضي الأبن الثالث “أمين” في البحث عن مصدر الحكمة، عبر سجال فني أبطاله راقصون إيقاعيون، ليمضي في طريق من ثلاث شعب اختارها الراوي له وهي عبارة عن أسئلة ثلاث تحتاج إلى إجابات، فإن هو نجح وصل، وبالفعل يتحقق مراد الفتى ويفتح المارد أمامه باباً سحريّاً، ليدخل مكتبة تحتوي على المعارف والحكايات، عالماً شاسعاً ماثلاً أمامه، ليأخذ بعدها مصدر المعرفة ويعود سريعاً إلى والدته.
تبدأ مغامرة الفتى “أمين” بعد أن استمع لوصية شهرزاد وذهب إلى بلاد الجنون، تلك التي دلّته عليها الحكايات، فيخوض صراعه مع المارد الذي فرض سطوته على الحجر والشجر، واستقبله بتهكّم، ماذا تريد؟ من أين جئت؟ وإلى أين تمضي؟، وبحنكة وفطنة مشوبة بالحذر استطاع أمين أن يقدّم نفسه واثقاً من سحره وقدرته على فكّ طلاسم الخيال، فذهب معه نحو إجابات عن أسئلة عميقة ونجح في فكّ قيودها والتحرر منها ليمضي في مغامرة ثانية.
كلّ سؤال حمل معه بوابة فتحت على رقصات بهلوانية ايقاعاتها غاية في الجمال والرشاقة، حيث تقافز الراقصون عن جدران القصر بزيّ موحّد يحاكي المارد وفي توليفة ساحرة نقلت إيقاع العرض إلى آفاق من الرقص والجنون، فكان أن طرح السؤال الثاني وبجدارة أجاب عليه، ليغلب الإيقاع الصاخب على مجريات العرض، ويعود الراقصون إلى لوحاتهم الفنية الباهرة مع إتقان كبير من الأوركسترا التي رافقت كلّ قفزة وردّ فعل من المؤدين، لينجح بعدها في الإجابة عن ثالث الأسئلة ويُفتح باب القصر أمامه على عالم مليء بالكتب، ليعتلي رفوفها ويقدّم لوحة راقصة أبدع في تقديمها أمين نفسه ليهبط وبيده الكتاب، جامع المعرفة وسيّدها ويعود به إلى شهرزاد بخفة وجمال ليخلّد ذكره وعمله إلى الأبد.
ويأتي اختيار اللجنة الدولية لعواصم الكتاب العالمية في اليونسكو “الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019″، تقديراً لدورها البارز في دعم الكتاب وتعزيز ثقافة القراءة، وإرساء المعرفة كخيار في حوار الحضارات الإنسانية، واعترافاً بالجهود الكبيرة التي تقوم بها الإمارة في مجال نشر ثقافة القراءة على المستوى العربي والدولي.