”نساء بلا ملامح”…. الاسئلة… البديلة/ رسمي محاسنة

من عروض مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي 14.

عن: ميديا نيوز
” نساء بلا ملامح”، نساء قيد الارتهان لعقدة الذكورة ،والاستبداد والقهر، يقدمه المخرج”اياد شطناوي” بحيث يمكن قراءته على اكثر من مستوى، ففي الظاهر عن معاناة المرأة العربية عبر تاريخ من هيمنة الرجل، وخنقها بانوثتها، وعلى مستوى اخر، يمكن ان نقرأه على انه اقتراب من الواقع السياسي العربي، بهذه المنظومة الفردية التي تسقط كل رغباتها وشهوة السلطة والتفرد بالقرار،وعدة الانا العالية، على بقية الآخرين، كما يمكن ان يأخذنا العرض الى سؤال من نحن؟ من اوصلنا الى هنا؟ من أين جاءت كل هذه القسوة والكراهية والعنف؟ وكيف تتحمل انسانيتنا تهميش واقصاء وتدمير بعضنا البعض؟ ومن اين جاء هذا السوط الذي يلهب ظهورنا ونفوسنا؟.
النص الذي كتبه “عبد الامير الشمخي” وعالجه دراميا بطل العرض، الفنان “علي عليان”، أمسك به المخرج “الشطناوي”، ليخرج المتلقي محملا باسئلة القلق عن هذا الواقع، وعن المصير المفتوح في نهاية العرض.
يفتح العرض على اختلاط صوت الموسيقى، بصوت السوط، وصراخ النساء،الممزوج بضباب،واضاءة تثير الكاّبة،باستهلال يفتح الباب لدخول المتلقي في أجواء العرض،ليواجه رجل يحمل سوطا ونساءا خائفات مذعورات،يحاولن اتقاء الضربات، او التفاف السوط حول اجسادهن، هذه الأجساد التي تسقط أرواحهم المتعبة على ارضية السجن الباردة.
زوجة ” حلا طوالبة”، واخت”رناد ثلجي”،و فتاة ليل”اريج دبابنة” وقعن جميعا في شرك رجل” علي عليان”، يحمل الغموض والقسوة ويعيش حالة هذيان لا يتوقف.
كل واحدة لها حكايتها، فالزوجة هي مجرد اّلة للعمل، ووعاء تفريخ،والاخت أكملت دراستها، ووجدت لحظة سعادة بوقوعها في حب صديق اخيها الذي حملت منه، وفتاة الليل التي نهش الرجال جسدها.
هذه المنظومة وجدت نفسها في قبضة رجل لا يرحم،وفي قبو هو سجن الاجساد والارواح، ومحاولات للهرب بلا جدوى، وتتوالى أشكال العقاب، مع فحيح الرجل الذي يحمل سوطا، لم يكن وقعه فقط على أجساد نساء العرض، انما كان يخدش روح المتلقي.
ومابين عذاب …وعذاب يخرج البوح…ومنولوجات..وسط براميل وحبال معلقة، حيث يتم استدعاء ذكريات الماضي،ذكريات الزوجة التي كان الزوج يفضل البقرة عليها، وتدري تعبها وروحها المنكسرة،عذابات واهانات، لدرجة ان البقرة تمردت على الوضع وهربت بعيدا، لكن الزوجة عندما قررت الخروج من هذا الجو، وقعت بيد زوجها لتنظم الى بقية السجينات.
فيما تتحدث الاخت عن تلك اللحظات الرومانسية مع حبيبها، وعن لحظات السعادة التي عاشتها ووجدت نفسها فيها، وهي رغم قسوة الاخ الذي يعترف بانه قتل حبيبها، فإنها تصر على الاحتفاظ بجنينها.
وفتاة الليل تتداعى ذكريات الليالي الباردة، وأحاديث الرجال الكاذبة،والوجوه المتخفية تحت الاسماء الوهمية والاقنعة، واجواء الكذب والتدليس والنضال المزعوم،والحقيقة هي الضحية الغائبة.
العرض الذي قدمه” الشطناوي” على المسرح الدائري، أضاف بحكم تكوينه الهندسي مزيدا من الاختناق والحصار للشخصيات،ةوساهم بمد جسور أقرب مع المتلقي،فكانت الاعمدة جزءا من العرض، وجزءا من الديكور الذي صمم ليقوم بأكثر من وظيفة درامية،وذلك المستوى المرتفع الذي يقف عليه الرجل في واحدة من لحظات جنون العظمة،ضمن سينوغرافيا “محمد المراشدة”،بمرافقة الاضاءة التي كانت تعطي احساس المكان، وتعبر عن دواخل الشخصيات، واحيانا التعبير عن اللحظة الراهنة للعرض، او تفتح باب التأويل كما في مشهد النهاية.
والمخرج” الشطناوي” يعرف ما يريد، ومعه فريق متوافق معه،حيث تكامل عناصر العرض، بدءا من العمل على النص، وموسيقى”عبدالرزاق مطرية” التي تعلن عن نفسها منذ لحظة بدء العرض، وسينوغرافيا محمد المراشدة، التي تعطي الدلالات الجمالية والمعرفية للعرض، وأداء الممثلين الذين يقدمون اداء فيه الوعي بالشخصية،والحركة المحسوبة على المسرح، والإمساك الإيقاع اللاهث للشخصيات ومجمل العرض.
ان الاداء في العرض أهم ما يميزه هو الحضور، والتعبير عن الشحنات العالية من المشاعر،والحوارات المتوترة معظم العرض، باستثناء لحظات بين النساء الثلاث،يتم فيها اقتناص لحظات من الصفاء والمرح.
الفنان “علي عليان” حاصر نساءه وحاصر الجمهور، بما فرضه من قهر وسوداوية، في شخصية مركبة، قد تكون هي أيضا ضحية قهر آخر،في لحظات الانفعال العالي، والمحافظة على مستوى من طبقات الصوت المؤثرة على الشخصيات أمامه، بحركته وقسوته وتسلطه،خلق جوا من التوتر والترهيب على مدار العرض في أرجاء السجن، وفي نفوس الشخصيات.
الممثلة” أريج دبابنة” التي ينضج أداؤها، في دور صعب،لشخصية أصبحت تتفرج على العالم من الخارج، بعد اكتسبت القوة من عذابات الشوارع، ووحشية الناس، فكان هذا التمرد والقوة والسخرية، لكنها احتفظت بتلك البذرة الانسانية داخلها، مع قدرتها على التحول من شخصية لاخرى، كما في استرجاع ذكريات طفولتها،أو تلك المسحة من الحزن على ملامحها وهي تتخيل مستقبل ابنتها التي تحلم بها، لتربيها بعيدا عن كل الأجواء التي عاشتها.
أما الممثلة” رناد ثلجي” ، المسكونة بالرعب والحب، الرعب من أخيها، والحب لواد جنينها،حيث أدت الشخصية بحضور كبير، وهي تحاول ان تنجو بنفسها، لتعطي الحياة لامتداد حبيبها القتيل.
الممثلة” حلا طوالبة” هي إضافة مهمة للممثلات الاردنيات، بتجسيدها لدور المراة”الزوجة” المقهورة،الصامتة، محدودة الحركة، القابعة في طرف المسرح بصمت، لكنها حاضرة دائما، واشتباكها مع حوارات الممثلين،وهذا المقترح من الأداء، والأزياء الذي قدمته انسجاما مع طبيعة الشخصية المحكومة بالطاعة والاستجابة فقط.
“نساء بلا ملامح”…عالم يسوده قهر الرجال..او قهر السلطة… تلغي ذلك الانساني فينا، عرض نخرج منه محملين بالاسئلة البديلة.
 





اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت