العرض العراقي” فلانة”….دوائر القهر…والعجز…والخيبة/ رسمي محاسنة
عن: ميديا نيوز
قبيل فتح الستارة، دقات منتظمة، تثير التساؤل لدى المتلقي، وكلما طالت تخلق أجواء من القلق والتوتر، وتفتح الستارة عن ستارة سوداء، تتم ازاحتها رويدا رويدا، لتضع المتلقي داخل أجواء الأسرة التي تسكن البيت البارد، المبعثر، المليء بالأسرار،وحالة التشظي حتى في اتجاهات الصلاة والدعاء المتعددة،وذلك الكرسي البائس الذي يجلس عليه الاب، مع كلام مبتور، و همهمات غير مفهمة، وميكرفونات تلتقط البوح الداخلي للشخصيات.
الابنة” اّلاء نجم”،تكشف اسرار جيلين، حينما تسترجع 20 عاما من حياتها، وفي تلك اللحظة التي احست فيها بالحب مع رجل في عمر والدها، وارتعاشات تلك اللحظة، أنها “فلانة” التي عاشت في بيت مغلق الجدران، لم تشتبك فيه مع الحياة، سوى ذلك الاسم الذي كان ينادي فيه الاب “يافلانه”، اسم مطلق، بلا هوية ولا ملامح، وفي اجواء الرعب تركض 6 صبايا،هن بناته مع الام، ذلك ان اجواء الرعب ادت بهن الى التعايش مع “اللاهوية”،والاستجابة لما أوقعه الأب في لاوعي كل واحدة منهن،وسيل الشتائم واللعنات الساقطة على الام خصيصا، التي فشلت بإنجاب ولد” ذكر له”.
وفي ظل مجتمع محكوم بالذكورة،والانا الفارغة المتضخمة،فإن المخرج يقدم دوائر متداخلة من القهر والعجز والتهميش،وبما ان المرأة هي الحلقة الاضعف في مثل هذه الاجواء الخانقة، ولذلك كانت الابنة محكومة بامل خرمشة الشرنقة والخروج منها، فكان الرجل الذي التقيته مصادفة،لكن الاحلام تنطفيء في ليلة الدخلة التي تحولت الى صراخ وضرب بعد ان اكتشفت عجزه،وضياع رجولته.
وفي تناوب الأدوار ما بين الشخصيات، تتكشف حالة الخواء الروحي، وهذا البرود الجنسي، الذي يمشي بالتوازي معه برود العلاقات الانسانية، والهزيمة التي تسيطر على الجميع، ويتجلى القمع والتهميش في الربط الذكي للعمل مابين الام وابنتها، حيث التناسخ وإعادة إنتاج نفس الواقع، فالام المظلومة حاملة ذنب عدم انجاب الذكور،فإن السبب نفسه تعاني منه الابنه، وهو “الذكورة”، حيث العذاب الجسدي والنفسي الدائم دون ذنب، ورغم ذلك فان الام تصبر، وترفع يديها للسماء بالدعاء، وتستغفر له، والابنة صامتة وساكتة على المستنقع الذي وجدت نفسها به، دون ان تفكر كلاهما باي حركة للأمام، ولو على سبيل خلخلة هذا الواقع المحكوم بهيمة وحشية “الذكور”.
” سرداب اسمه البيت…لكني احبه..تزوجته وعمري 15 سنة…وبقيت معه 20 عاما”…وصبرت على كل شيء”..جملة ترد في الحوار،يمكن ان تكون مفتاحا لقراءة العمل على أكثر من مستوى،دون الدخول في التنميط بعلاقة الرجل والمرأة، او الانتصار المجاني لطرف على آخر، فالعمل فيه الكثير من الثنائيات، التي تأخذنا إلى الدائرة الأوسع، فهذا البيت الاّيل للسقوط، لن تنفعه الدعوات، ولن يفيد معه السكوت، وان تلاقي ثنائية الذكورة “المسعورة” مع الانوثة المستكينة،ستخلق دوائر متداخلة، تنمو وتتحرك للأمام، منتجة مجتمعا غائبا مستلبا.يستنسخ من ” فلانة”…الكثير الكثير.
وحتى في المشهد الأخير، عندما تكتشف الزوجة ان زوجها يخرج مع اخريات، فتقرر قتله،وتطرح سؤالا مريرا” ماذا يعمل معهن غير مايعمل معي منذ 20 عاما”،وعندما يفشل في العلاقة مع امراة اخرى، يقوم ينتحر بقطع عضوه الذكري، فهذا الانتحار ليس تطهرا، ولا اعترافا، إنما مجموعته العصبية المحملة بقيم متعفنة، لم تتحمل ان يتم اكتشاف الآخرين ذكورته الوهمية، فكان قراره بالهروب من الحياة انتحارا.
في الاداء تظهر” بشرى اسماعيل” بدور صعب، أظهرت فيه قدرتها على القتال “بالصبر” حتى النهاية، بأداء واع لطبيعة الشخصية وحدودها، وكذلك الفنانة” اّلاء نجم” بحضورها،وعفوية الأداء، والتنقل بين حالات الشخصية، بهذا الاحساس العالي، وكذلك الفنان” باسل شكيب”،الذي قدم شخصية الأب، بأبعادها والعوامل المتحكمة بدواخلها وتفكيرها وسلوكا،والفنان” عمر ضياء الدين بدور صامت، ومعظم حركته في عمق الخشبة، إلا أنه كان حاضرا.
المخرج” حاتم عودة” كان ممسكا بعناصر العرض، من موسيقى، ومفردات ديكور،واضاءة تعبر عن هذه الانكسارات وأزمات الشخصيات، كل ذلك محمولا على نص “هوشنك وزيري”، حيث البناء السليم للشخصيات،وهو لايبحث عن إدانة للشخصيات،لأن الجميع ضحايا واقع ومفاهيم لم تجدد نفسها باكسجين الحياة، ليخرج بالنهاية عرض يتفرد بمساحة خاصة بين عروض عراقية شاهدناها في المهرجانات، تقدم خطابا أصاب الناس بالملل.