رسائل الحرية .. في زمن القيود / علاء الباشق

من الطواسين  الى  السقيفة  – ما انفك المخرج الجدلي حافظ خليفة ان يتنقل ما بين غربته واغترابه الفكري في زمن يكاد يكون غريبا عليه . فتطلعاته تبدوا وكأنها تصطدم بحاجز الزمن المتسارع وتمسك بخيوط الازمنة لتـُـقلب الماضي والحاضر كخيوط المغزل الذي يغزل به اعماله . بدأ من النصوص الجدلية التي يبدعها عز الدين المدني وليس انتهاءا باليات تنفيذ العرض المسرحي من اداء وتوظيف سينوغرافي متميز اضافة الى اختيار شخوص العمل كل حسب انسب موقع ليجسد مفاصل العمل والاعبين الاساسيين والثانويين للأدوار …
واعود بذاكرتي هنا لبضعة سنوات حينما التقيت بهذه الشخصية التي لم اعرف في أي الاطر اضعها فان وضعتها ضمن اطار بيئته التونسية . تراه محلقا الى العالمية من ايطاليا بشخصية المهرج المضحة الساخرة الناقدة .وان صنفته دينيا تراه يكسر اسوار المحظور مختزلا مسافات ٍ من الاختلافات المذهبية والاثنية . وان قلتُ عنه انه مسرحي لا ينطبق الوصف الا اذا قلنا انه متحرراً حتى من القيود المسرحية . على خلاف الكثير جدا ممن يعتبرون انفسهم مسرحين . (في زمن ٍ اختلط به الحابل بالنابل ) برز حافظ كمخرج يعطيك احساسا غامرا بأن من يقف امامك هو مخرج بما تحمله الكلمة من معنى – أي انه لدية افكاره الخاصة . ولدية رؤيا. ولدية اسلوب .ولدية ستراتيجية . يسير بهذه الضوابط ويفرغها على اعماله وليس كمن يقدم عمل فقط ليقدم عمل ..وايضا هو ليس كمن يقدم عمل فقط ليقول انا موجود . من هنا ! بداء اعتزازي بهذه الشخصية . التي تجسد فنها اخلقا وسلوكا وعملا .
وكان لابد ان امر على هذه المقدمة الموجزة .. واعتبرها نافذة ً واسعة على ذات العمل لان ( رسائل الحرية )  تحمل روح كاتبها العميق فكريا . والقناص الماهر للأحداث التاريخية . والذي يعرف بالضبط كيف يجعل النص متعدد الفضاءات ومتعدد المراحل ولكن دون ان يفقد اهم عامل الا وهو التشويق ويحافظ على تدفق النص بانسيابية اذا لمست كل هذه العوامل اذن انت امام نص يحمل روح عز الدين المدني .
ويحمل العرض جسد وعيون مخرجة حافظ الذي فتح الفضاءات المتعددة للنص بأسلوب شيق فالمهارة هي . حينما تحول نص مكتوب الى نص مرئي بل ان تكون العوامل البصرية والسمعية الممتزجة مع الاداء هي نابعة من روح العمل وهي امتداداً  له تضيف للمعنى ولا تؤثر عليه . وكيف تحافظ على ايقاع العمل الداخلي بسرعة تتناسب مع سرعة الاحداث في ذات النص الاصلي ليكون العمل متناسقا جسما وروحا . دون ان تعبر مساحة احداهما على الاخرى . اذا رأيت عمل بهذه الاسلوبية . اذن انت امام حافظ خليفة .
هذا المزيج المتدفق من الفن ما بين المخرج والمؤلف يؤطره الاداء الجميل والمتميز من الممثلين الذين شاركوا بالعمل والذين تشعر وكأنهم تلبسوا الشخصيات التي يجسدونها من ناحية التعبير والاداء الصوتي والتفاعل كانوا كأنهم ينطقون بعيونهم قبل شفاههم ويتحركون بالتفاتاتهم قبل اجسادهم بإحساس رائعٍ بما يؤدون. ممتزجين بإيقاع ٍ متناغمٍ مع بعظهم ومع جو العرض واداوته منسجمين مع روحية العرض الى درجة استطيع القول فيها انهم لم يعرضوا العمل على الجمهور . وانما اسقطوا الجمهور في العمل . . مع عوامل  الصوت والإضاءة .
كل ُهذه العوامل مجتمعة ً انتجت لنا  عملا يسحب المتلقي الى منطقةٍ محرمة . الى منطقة كمنطقة (السقيفة العمل الجدلي السابق لذات المخرج ) الى مكان متفرع الاتجاهات عبر الزمن . ومنذ مئات السنين . والى الان يعتبر الحديث فيها اما تدخلا في السياسة في بعض البلدان . او اثارة للتفرقة في بعض اخر او كفرا في بلدان اخرى . ولكن كل تلك المناطق المرعبة لم تثني لا الكاتب ولا المخرج عن الخوض في غمار هذه المغامرة كالعادة .
انها قضية ( المهدي المنتظر ) هذه القضية التي يتجاذبها الكثيرين كلٌ . يريد ان يضفي صبغته عليها . فما بين مذهب اسلامي واخر ترى نظرة مختلفة . ولا اعرف لماذا يريد الجميع ان ينظر الجميع . الى هذه القضية من زاويته هو . على اعتبار انه الصحيح المطلق – وغيره – هو الخطاء المطلق . متناسين ان المطلق غير موجود على الارض . واننا ننظرُ الى ذات الشمس . والى ذات القمر . والى ذات السماء ولكن من زوايا متعددة .
وفي هذا العمل ظهر المخرج والمؤلف . ليضيفوا لنا زاوية اخرى من الرؤيا لهذه القضية المهمة زاوية قد انظر انا شخصيا لها من عدة زوايا أ ُخر. زاوية تضيف شيئاً في داخلي كمتلقي . وتفتح امامي افاقا كباحث . و تـُشذبني كانسان .
انها زاوية ان – يكون المهدي في داخلي انا – فان كنت أؤمن بوجود هذه الشخصية النورانية التي تجسد الامتداد السماوي والنهاية لكل الرسلات الدينية والذروة الانسانية . وختام السلالةِ المحمدية ِالعطرة . والذي على يدية سوف يعم جميع الناس على اختلاف مشاربهم ان كنت احبهم او لا . سوف يعمهم الخير والبركة والفرح  – وان كنت أؤمن ان نصر الله والفتح سيأتي . وسوف ارى الناس تدخل في رحمة الله افواجا . وحينها سوف أ ُسبح بحمد ربي واستغفره لأنه كان تواباً على عباده .
اذن فعلي ان اعمل صالحا وان اكون حسانا بانتظار ما اصبوا اليه لأقدم اعمالي لمن انتظر ولمن احب واقول له قد كنتُ كما اردتني    .
وان لم اكن أؤمن بكل ما سبق اذن فعلي ان اكون مثالا ً لكل قيمة يجسدها المهدي لأني سأكون هاديا لنفسي مهتديا ً بأنسانيتي  قدوةً لغيري . اذن الرؤيا التي قدمها العمل في رسالتهِ الاخيرة في اخر مشهد حينما قال (( انتم المهدي )) تحتمل ُ القراءتين .
ناهيك عن الرسائل الاخرى التي تضمنها العرض والتي اذا اردت هنا المرور عليها لاحتجت الى زمن اطول وبقعة سردية اكبر قد يملها القارئ ولكني اردت هنا وفي هذه السطور ان اعرج على هذه الرسالة والتي هي ملخص العرض
وفي كلا الحالتين حفز العرض في داخلي الانسان . وان كان هدف المسرح ( هو التطهير ) ففي كلا الحالتين ( أمنتُ ام لم أؤمن ) قد طهر العرض نفسي وارسل الى داخلي كمتلقي  برسائل حرية ٍ لتحرر روحي من قيود تشبثها بالامور الدنيوية وزرعَ  بذور الخير . آملاً ان تنبت للأُحلقَ بعيداً عن سلاسل انغلاقي . فقد كان العمل بحق هو – رسائل حرية
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت