كتاب الخميس (الحلقة العاشرة)/ عرض وقراءة: صادق مرزوق
اسم الكتاب: “التأليف الموسيقي واشتغالاته في العرض المسرحي”
الكاتب: قيس عودة الكناني
المقدمة:
يشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى ظهور الموسيقى تلبية لحاجات الإنسان ومتطلبات التأقلم مع المكان ومن أجل إشباع حاجاته الفطرية والغريزية. وكانت الموسيقى لدى الإنسان الأول تقترن بطقوس العبادة والصيد والسحر والفرح والحزن وارتبطت كذلك بالاحتفالات الدنيوية والدينية وبنشاطاته الفنية منها الدراما.
الفصل الأول:
عناصر ومقومات التأليف الموسيقي في العرض المسرحي:
* الإيقاع.
* اللحن.
* الشكل.
أولا : الإيقاع
وهو عنصر أساسي وجوهري في الموسيقى وفي كافة الفنون .. ويلعب الإيقاع دورا مهما فهو عنصر التنسيق والتنظيم وهو صورة لنظام تكرره ضربة (نقرة) أو ضربات أو نبضات متتالية مرتبة موسيقيا بشكل صاعد أو نازل .. ولذلك يتابع الإيقاع تنظيم القيم الزمنية من خلال تناوب الأنغام الموسيقية ليرسم شكل القطعة بانسجام وتناسق.. والإيقاع يساعد في تنظيم وترتيب قيم الأشكال والحركات السمعية والبصرية.
وللإيقاع ثلاثة أنواع:
*الإيقاع السمعي: ويتمثل بحوار الممثلين وفترات الصمت والموسيقى والمؤثرات الصوتية.
* الإيقاع البصري: ويتمثل هذا النوع بالتفاعل داخل بنية المشهد المسرحي بين الكتل والأشكال على الخشبة ليحقق التكوين الفني بين تلك المرئيات بواسطة الانسجام والتوازن والاستقرار.
* الإيقاع الحركي: ويتمثل بحركة الممثلين وتنقلاتهم بحساب زمني يتواءم مع الإيقاعين السمعي والبصري.
ويأخذ المؤلف الموسيقي على عاتقه عملية ابتكار وصياغة وتنظيم الإيقاعات الموسيقية في العرض المسرحي
ثانيا: اللحن
اللحن هو أحد العناصر الأساسية المكونة للموسيقى . واعتمد الإنسان الأول في هذا العنصر على تقليد أصوات الطبيعة وما فيها من كائنات ، وكان الصوت المنغم يعد من أهم العناصر المتميزة المرتبطة بمضمون الفن الموسيقي .. ولهذا الصوت عناصر أساسية هي:
1/ الدرجة الصوتية: أو ما يسمى بالطبقة الصوتية. وتشير إلى الارتفاع والإنخفاظ النسبي في الصوت,
2/ الجرس: يضيف الجرس خصوصية النغمة أو يبرز نوعيتها أو لونها حيث أن لكل صوت لونا معينا سواء كان موسيقيا أو بشريا. فمثلا أن نغمة الكمان تختلف عن نغمة البيانو .وأن لون الصوت لكل من العود والتشيلو لهما خصوصية تميزهما عن بعضهما ، كذلك الحال بالنسبة للصوت البشري.
3/ استمرارية الصوت وديمومته: وهنا يشير المؤلف إلى المدى الزمني الذي يمكن أن تسمع نغمة معينة من خلاله.
4/ شدة الصوت: تشير شدة الصوت إلى قوة النغمة الظاهرة والواضحة التي ندركها ونتحسسها من خلال قوتها وشدتها أو نعومتها وهدوئها.
ثالثا: الشكل أو القالب الموسيقي
يعرف مؤلف الكتاب الشكل على أنه صورة الشيء وهيئته الخارجية دون المضمون .. ويعمل الشكل أو القالب الموسيقي على تنظيم العلاقات بين الأجزاء اللحنية في العمل الفني ويساعد في ربطها وتماسكها. ولكل عمل موسيقي شكله ولونه وطابعه الذي يتميز به عن الأعمال الأخرى..
وتتعدد الأشكال الموسيقية بتعدد الأفكار لدى المؤلفين الموسيقيين .. ويلتقي التأليف الموسيقي في بعض أدواره مع سياقات معينة مع فنون المسرح .. وفيما يخص المسرح فإن الشكل الموسيقي يسعى إلى إبراز شكل العرض المسرحي بشكل منظم وجمالي. وأن الشكل الموسيقي ما هو إلا لغة تعبيرية تنسجم وتدعم الفعل المسرحي.
الفصل الثاني:
خصصه المؤلف لأشكال الصراع الدرامي في المسرح العالمي انطلاقا من المسرح الكلاسيكي عند الإغريق، ويأخذ اسخيلوس وسوفوكس ويوربيدس انموذجا لشكل الصراع في المسرح الإغريقي عموما مع ذكر الخصوصية لكل مؤلف من كتاب المسرح المذكورين آنفا..كذلك يتطرق المؤلف إلى شكل الصراع الدرامي في عصر النهضة ولدى شكسبير تحديدا. ومسرح كورني وراسين وهنريك أبسن والروسي تشيخوف. كذلك يتطرق لمسرح برشت لما فيه من بني ثورية قوضت البنية الدرامية بشكلها الأرسطي كذلك الصراع في المسرح التعبيري ومسرح اللامعقول .. ويعد هذا الفصل تمهدا لمجريات الفصل الثالث وهو المحور الرئيس لهذا الكتاب والذي يتمثل بعلاقة الموسيقى بالعرض المسرحي.
الفصل الثالث:
علاقة الموسيقى بالعرض المسرحي
طرح المؤلف في هذا افصل تجربة الإغريقي (ثيسبس) الذي كان يتنقل بعربته بين المدن والقرى ليقدم مقاطع من أساطير هوميروس. ويستخدم الجوق بين المقاطع التي تقوم بالعزف والغناء والرقص . حيث جعل ثيسبس من الجوق عاملا لشد الجمهور للحدث وعدم إفلاتهم من الأحداث عندما يقوم بين الفواصل بتغيير الملابس بين المشاهد.
وبهذا يشير الكاتب إلى أن الموسيقى اقترنت بالمسرح منذ نشأته. حيث لعبت الدراما دورا مهما في الدراما الإغريقية من خلال دعمها للصراع الدرامي ومصاحبتها للعرض المسرحي بالعزف والإنشاد. وقد كان اسخيلوس في الأصل مؤلفا لأغاني الكورس وكان يلجأ إلى الموسيقى لشد الجمهور إلى الحدث .. كذلك الحال عند سوفوكلس الذي ينتمي إلى المدرسة القديمة على العكس من يوربيدس الذي يعتمد المدرسة الحديثة حيث كان الأخير يؤلف الأناشيد التي تمتاز بصعوبة الأداء ولا يستطيع أداء تلك الأناشيد إلا مهرة المغنيين الرومان.
تأثر الرومان بالمسرح الإغريقي من حيث استخدام الجوق والرقص والغناء. إلا أن الموسيقى في المسرح الروماني تميل إلى الحماس وهذا يعكس صفة الشخص الروماني المحارب . وكان دور الموسيقى لدى الرومان دورا ثانويا يستخدم لمليء الفراغات بين المشاهد . واهتم الرومان بالإيقاع اهتماما خاصا من خلال تنوع آلاته الكثيرة والكبيرة التي تثير الحماسة لدى المؤدي والمتلقي وللرغبة الشديدة في العروض المتوحشة والعنيفة التي كانت تتناسب مع تكوين الشخصية الرومانية التي تميل إلى الحروب والغزوات.
يشير المؤلف إلى الموسيقى وعلاقتها بالمسرح في العصور الوسطى بعد هيمنة الكنيسة المسيحية والتأثير الديني على الموسيقى التي اعتبرتها الكنيسة وسيلة روحية بإمكانها تقريب الإنسان من الخالق . وكانت العروض المسرحية تتخذ جوانب أخلاقية تدعم القيم الدينية. حيث أصبح المسرح وكذلك الموسيقى في خدمة توجهات الكنيسة التي ركزت على الأناشيد والتراتيل الدينية والابتهال للخالق ..
كذلك يتطرق المؤلف لعصر النهضة ضمن هذا الفصل الذي خصصها للعلاقة بين الموسيقى والعرض المسرحي الذي يعد انتقالة كبيرة في عموم الفنون ومن بينها فنون المسرح والموسيقى وعلاقتهما المتلازمة على مر العصور .. وفي هذا العصر أخذت هذه الفنون مجالا أوسع للتحرر من هيمنة التقاليد والهيمنة الدينية. وأصبحت الموسيقى في هذا العصر تشكل جزءا مهما من العرض المسرحي مما ساهم في ظهور نوع جديد من العروض كان للموسيقى فيها تمثلا مائزا ومنها ظهور الأوبرا التي عدت توأمة بين الفن المسرح وفن الموسيقى، وكان ل (فاجنر) دورا كبيرا في تأصيل وتطوير الأوبرا الذي نبذ الطابع التقليدي لهذا الفن حيث اندفع فاجنر. وحسب المؤلف للاهتمام بالاوركسترا وساهم في توسيعها وجعل من الموسيقى ترجمة للأحداث التي يعجز النص عن ترجمتها إلى حدث فني مؤثر ومعبر . ويرى فاجنر أن الموسيقى هي مكملة للعرض المسرحي وتابعة له لا أن يكون العرض تابعا للموسيقى.
وقد أحدث فاجنر أثرا كبيرا في الموسيقى التي رافقت المسرح وكذلك طالب بتوحيد الفنون بوصفه أن الفن الحقيق هو حاصل بجمع العناصر الثلاث ( الشعر، الموسيقى، الرقص)
المسرح الحديث (برشت):
استخدم برشت بشكل مغاير، إذ تعامل مع المسرح كوسيلة تعليمية. حيث كان برشت مؤلفا ومخرجا وملحنا حيث لحن الكثير من الألحان الموسيقية لأعماله المسرحية. وعمد إلى أن تعمل الموسيقى خارج وظيفتها التقليدية. فجعل منها عنصرا مضادا للحدث. حيث جعل من الموسيقى تعمل على خروج الممثل من اندماجه وجعله يقوم بأداء خال من أي اندماج وان هذه الخاصية حسب برشت تدفع المتلقي الممثل إلى المزيد من التفاعل.
وهنا تساهم الموسيقى في تحقيق مبدأ التغريب الذي اعتمده برشت في عروضه المسرحية. والموسيقى تمارس دورها في كسر الأيهم لتأخذ جانب التعليم والمتعة أيضا بعد أن اعتمد على خلق تكنيك فني خاص داعمة لفكرة التغريب وابتكار طرق غير مألوفة في اشتغال الموسيقى والشعر والأغنية والرقص داخل العرض المسرحي.