من عبق التجريبيي…محطات من الدورة الاولى لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر و التجريبي (ح:2)/ اعداد:د. محمود سعيد َ& تقديم: بشرى عمور
الملف مأخوذ عن نشرات المهرجان وعن مجلة المسرح العددان 7، 8 يوليو ديسمبر 1988م
*******************
دقـــة زار & الدالية &نقابة المنتحرين
دقة زار:
وفي مسرح الطليعة كان عرض “دقة زار” من تأليف محمد الفيل وإخراج محسن حلمي، والعرض يأتي على عكس العرض الأول من حيث التوجه والتناول، وفيه تبرز قضية مهمة، لم يُتح لنا العرض الأول التوقف عندها، وهي قضية التعامل مع التراث مكتوباً كان أو شفاهياً، وهي ملمح التجريب في هذا العرض.
من تراثنا الشعبي غير المدون يلتقط محمد الفيل ظاهرة الزار، فيرصدها، وبذكاء شديد لا يستند إلى حدث تقليدي في بنائه الدرامي، بل يلجأ إلى شخوص مسرحية تم بناؤها ونضجها – سلفاً – في الواقع المعاش، وما إن يبدأ العرض نكتشف أن هذه الشخوص ما هي إلا أفكار متقابلة لعالمين متناقضين، هما: التخلف، والعلم، بينهما ينشأ الجدل، ويتولد الصراع.
لذلك، تهيمن كودية الزار “أم مدبولي” كمحرك رئيسي للأحداث على مجريات الأمور، بالتهديد حيناً، وبالترغيب حيناً آخر، وبالاثنين معاً مرة ثالثة.
ويأتي مخرج العرض بعناصره وأدواته ليؤكد على الخطاب الأدبي للنص، وهو رصد العلاقة بين التخلف والعلم عبر ظاهرة الزار … كيف؟
حول محسن حلمي قاعة زكي طليمات ذات العمار الإيطالي التقليدي إلى دائرة تحلق حولها المتفرجون من الجهات الأربع، وهنا تتضح فعلاً وليس تنظيراً علاقة العرض بالمعمار المسرحي، إذ تصبح المساحة المخصصة للتمثيل مضماراً يلتقي فيه العلمان المتناقضان، في حين لم نر في “عروسة الزار” إلا فرق الزار وحسب.
واستخدم محسن حلمي الإضاءة استخداماً جيداً، بخاصة في اختياره للأضواء الحمراء المائلة إلى الدكنة أثناء مشاهد الزار، ومشاهد الصراع بين العالمين المتصارعين في العرض “الكودية وعزيزة الناظرة ثم الكودية وعزة” بينما اختار الضوء الأصفر بدرجاته الباهتة في مشاهد أخرى أهمها لقاء عزة وحبيبها الشاعر، مما أوحي بالتأثير النفسي المطلوب توصيله.
وأضفى ديكور عبدالموجود محمود على العرض جواً من القتامة والانقباض، حينما أطلت من أعلى جدران القاعة أقنعة لأشباح، مبالغ في حجم رؤوسها بارزة الأنياب، فصارت القاعة كأنها مسكونة بأرواح وجان الزار.
وحسناً فعل علي سعد، إذ استوحى موسيقى العرض من موتيفات شعبية مرتبطة بدقات الزار، بالإضافة إلى اكتفائه بالآلات الشعبية المصاحبة للزار من دفوف وطبول ونايات مختلفة الأحجام، علاوة على تواجد الفرقة الموسيقية الشعبية بين المتفرجين وما يمنحه هذا التواجد للعرض من حيوية وتدفق.
أما الممثلون في هذا العرض فطاقات ليس بمستحدث عليها أن تبدع عبر رصيد من الأدوار المتنوعة تستند إلى الدربة والخبرة الطويلتين، تريز دميان وأحلام الجريتلي وسامي مغاوري، وإذا كان أداء سامي عبدالحليم باهتاً في هذا العرض نتيجة لخلل في الشخصية التي يؤديها، فإن العرض يقدم للمسرح المصري موهبتين جديرتين بالاهتمام، هما: سلوى خطاب، وسلوى محمد علي، وهو مما يحسب لمحسن حلمي.
*******************
وكتب عبدالغني داوود عروض (الدالية ونقابة المنتحرين):
الداليـــة:
قدم (المسرح العضوي) التونسي مسرحية “الدالية” تأليف حمدي الحمايدي وإخراج عزالدين قنون وتمثيل فتحي العكاري ومنية الورتاني وإعداد عزالدين عيابي بوكالة الغوري .. ضمن عروض مهرجان القاهرة الدولي الأول للمسرح التجريبي.
يقوم العرض على علاقة جسدية بين رجل هو عبدالجليل (فتحي العكاري) وامرأة هو عويشة (منية الورتاني) تعتمد على ثلاث ركائز هي الحب والموا والسلطة .. فالمرأة حبيبة الرجل ورفيقته ساعدته حتى أصبح رجل أعمال كبير .. كون ثروة ضخمة عن طريق احتكاراته الرأسمالية، ويتنكر لها ولحبها .. ولأنها أحبته وتعلقت به، ومازالت بينهما علاقات مالية إذ أعطته في بداية حياته ليبدأ مشروعاته فهي لا ترغب في المال في حد ذاته لكنها تهواه، وتجد في طلباها لمالها منه حجة وتعلة وسبباً لإعادة ما كان بينهما من حب قديم. وعندما تطلب منه أن يعيد إليها مالها يرفض بطريقة غير مباشرة إذ يراوغ ويتملص .. فتطلبه بطريقة مباشرة – رغم أنها لا تريد المال – بل تريده هو .. لكنه لا يريد أن تفرض نفسها عليه، ويرفض أن تملكه .. إذ تمثل له هذه العلاقة نوعاً من السيطرة عليه، ويشعر أنها تفرض نفسها عليه، ويبرز التناقض بين الشخصيتين في شكل حاد .. وعندما تيأس المرأة في النهاية تسقيه سماً في كأس النبيذ في لحظة سعادة وفرحة عند الفسقية حيث يستعيدان فيها لياليهما السعيدة، وتفاجئه بأنها سقته السم، وتطول فترة الاحتضار كثيراً، وتوحي النهاية بأن المرأة أيضاً قد شربت السم حتى ولو كنا لم نراها تفعل ذلك .. لأن السم هنا شيء غير هام .. ذلك لأنها عندما قتلته فقد قتلت نفسها.
نقابة المنتحرين:
على مسرح القلعة بالقاهرة قدم مسرح الطليعة السوداني مسرحية “نقابة المنتحرين” تأليف النعمان حسن، وإعداد مصفى بن خليفة، وإخراج عادل حربي، وتمثيل عبدالرحمن الشبلي وموسى الأمير ومحمد السني دفع الله وإنعام عبدالله مصطفى وعبدالمنعم عثمان، وعبدالحكيم الطاهر، وعبدالكريم عبدالله، ومصطفى أحمد الخليفة، وجمال عبدالرحمن، وديكور صالح الأمين..
وأحداث المسرحية تدور في إطار أماكن غير واضحة المعالم يغطيها مجموعة من شباك الصيد، وربما يرجع هذا إلى أن الفرقة تعرض على مسرح مكشوف في الهواء الطلق .. بالإضافة إلى أن هذا لم يشكل عقبة في تلقي العرض، تبدأ الأحداث (بعبدالله) الذي يريد أن يتخلص من حياته (عبدالرحمن الشبلي) وهو عامل مسكين تموت أمه المريضة لأنه لايملك ثمن الدواء، ويعيش في ظروف قاسية من الفقر والحاجة فيفكر في الانتحار، وتتوالى مجموعة من الأنماط البشرية التي تقع فريسة للمشاكل اليومية بشكل يجعل حياتها مستحيلة، ويفكرون في الانتحار للخلاص من مشاكلهم ومآسيهم، وهي بالتوالي (محمد)، والشاب الغني (إبراهيم) ابن احمد الدراويش .. والذي يشعر بالفشل .. وعندما يجدون عقبات تمنعهم من الانتحار يفكرون في عمل نقابة تكفل لهم حرية الموت.
وفي تصوري إن إفساح المجال بحيث تترك الحرية للممثلين للارتجال قد أخل بالبناء التقليدي للنص .. بحيث أصبح العرض بلا موضوع محدد .. كما أن محاولات إدخال أسلوب الفرحة الشعبية وإشراك الجمهور والتوجه إليه أحياناً والتطويل والإطناب بلا مبرر .. مما أدى إلى سكونية الحدث وبطء الإيقاع – وهي عيوب معروفة في المسرح التجاري العربي وما كان يليق بفرقة المسرح الطليعي بالسودان أن تقدمها…
لكننا نشهد لكل أعضاء هذه الفرقة الحديثة التكوين ببراعة الأداء، والتغلب على عشوائية رسم الحركة في هذا المسرح العادي المكشوف وبأبسط عناصر الديكور والإكسسوار والإضاءة..