الكاتب والناقد المصري ناصر العزبي: تراثنا الثقافي وحضارتنا التي تحمل ملامح هويتنا ملكا للشعب وليست للبيع !/ حاورته: الفرجة
حالة من الغليان شهدتها الساحة الثقافية خلال الأسبوع الحالي على اثر اعلان إحدى نواب الشعب عن دائرة امبابة عبر صفحتها على الفيس بوك اعتزام نقل كل من السيرك القومي ومسرح البالون من مكانهما بالعجوزة إلى منطقة مطار إمبابة، واستثمار الأرض المقام عليهما الآن، ..
وعليه أجريت “الفرجة” هذا الحوار مع الكاتب والناقد المسرحي ناصر العزبي، أحد المتابعين للحياة الثقافية، المنتمين في إبداعاتهم للوطن، والمهمومين بالشأن الثقافي، وكان معه هذا الحوار:
ــ .. وقد سارع قبل توجيه أسئلة إليه قائلاً ؛
نقل البالون والسيرك القومي لأرض المطار بإمبابة ؛ مطلب لم يكن للظلاميين أو للإخوان أن يجرؤا على التفكير فيه، .. لا للمساس بأي معلم ثقافي، السيرك القومي هو أقدم سيرك في إفريقيا والمنطقة العربية، وفرقة السامر تستمد قيمتها واسمها بالتصاقها بهويتنا الثقافية فيما تقدمه، كذلك فإن مسرح البالون له تاريخه الكبير استمده من قيمة ما قدم عليه من أعمال خلال القرن الماض.! لا وألف لا لفكرة نقلهما لأن قيمتهما الثقافية أهم من أي عائد وراء استثمار مكانهما
ــ حدثنا بتفصيل أكبر عن حكاية نقل السيرك القومي ومسرح البالون إلى منطقة مطار إمبابة ؟!
حكاية نقل مسرح البالون ليست بالجديدة، وليست كما روتها النائبة وذفت النبأ به لأهل إمبابة وكأنه انجاز سعت لتحقيقه، الأمر يعود حسب الروايات المتعددة لـ 20 عاما، حيث ظهرت محاولة لبيع أرض مسرحي السامر والبالون ونقلهما إلى أكتوبر، ورفض وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني والفنانون الاقتراح، ثم طفت الفكرة مرة ثانية عام 2015 كفرة تهدف إلى استثمار المكان الحالي للسيرك والبالون ونقلهما إلى أرض المطار بإمبابة، وبمجرد العلم بنية النقل في مارس 2016 من خلال محافظة الجيزة قامت الدنيا ولم تقعد من خلال المثقفين الذين رفضوا الفكرة، وهدأت العاصفة وقتها، وظننا أن الجهات القائمة على تلك الفكرة قد تراجعت معترفة بخطئها، ولكن بعد مرور ثلاث سنوات ونصف تعود الفكرة مرة ثانية، لماذا؟ ومن المحرك؟ وأي مردود وراءها؟ هل هذا المردود يفوق القيمة التاريخية والأثر الناتج عنهما ؟!! لا وألف لا لنقل مسرح البالون، والسيرك القومي
ــ وماذا عن رد فعل المثقفين ووزارة الثقافة ؟
بالتأكيد لابد وأن يجتمعا في خندق واحد، لقد كان النبأ الذي أعلنته نائبة إمبابة بمثابة صدمة للمثقفين فكانت ردود الأفعال شديدة الغضب، رافضة رفضاً تاما للفكرة، كذلك نفت وزارة الثقافة عبر الصفحة الرسمية لها الخبر، وأكدت أن ما تم تداوله فى هذا الشأن غير صحيح، مع الإشارة إلى أن السيرك القومى ومسرح البالون يمثلان جزءا هاما من تاريخ الإبداع فى مصر وشهد أعمالا فنية أثرت الفكر والوجدان ويحملان صفة المعالم والرموز القومية.
ولم يتوقف موقف المثقفين بالرافض فرادا، بل أصدروا أكثر من بيان وقع عليه مئات من المثقفين مسجلين موقفهم برفضهم التام للمساس بأي معلم من المعالم الثقافية، معلنين أن المساس بهذين الصرحين الثقافيين هو مساس بجزء هام من تاريخ مصر الثقافي وتعدي سافر على منارتين تنويريتين كان لهما وما زال دور كبير في التصدي لمحاولات طيور الظلام الرجوع بمصر إلى عصور ما قبل التاريخ، مؤكدين على أن مصر تتعرض منذ سنوات إلى مؤامرات خارجية تدعمها أياد وعقول داخلية من أجل تجريف العقل المصري بحرمانه من مصادر قوته الناعمة، وأن مثل ذلك القرار الأخير يعد نتاج لتلك المؤامرة وهاهي المؤامرة باعتبارها تستهدف كيانين ثقافيين كبيرين كان لهما عبر فنانيهما عظيم الدور في التصدي لجماعة الإخوان المحظورة، … واستمرارا للمثقفين في دورهم فإنهم يتصدوا لكل محاولة تنال من ثقافة مصر وفنها، وأنهم سيقفون بكل ما أوتوا من عزم أمام محاولة هدم مسرح البالون والسيرك القومي وبيع أرضهما لوكلاء آكلي لحوم الأوطان… وناشد مثقفو مصر، رئيس الجمهورية بسرعة التدخل لإيقاف هذه الصفقة المشبوهة
ــ النائبة أوضحت أن من حقها أن تحلم بتحويل إمبابة لمصدر اشعاع تنويري وثقافي رغبة في أن تنفي عنها أنها مكان للتطرف ولا للارهاب، وأنها مع ارهاصات فكرة نقل السيرك والبالون وجدت حلمها يتجسد وأنه إن كان هناك اتجاه للنقل فامبابة اولي .. ما تعليقك ..
وأنا أحلم معها لامبابة ولكل بقاع مصر أن تنتشر فيها منابر الإشعاع الثقافي، ولكن هل يصح البناء على الأنقاض، وأسألها ؛ هل يتعارض حلمها مع بقاء المعالم الثقافية، لها ان تطالب ببالون وبسيرك وبقصور للثقافة بإمبابة وسنسادها في مطلبها، وأن عليها كمثقفة تعمل في مجال الصحافة أن تسارع بإجهاض أي إرهاصات ضد التراث الثقافي والفكري، لأننا ان قبلنا تلك المرة ببيع البالون والسامر والسيرك، فستكون تلك بداية لدائرة تتسع لتشمل معالم أخرى
ــ وما ردك على قولها بأن كل من السيرك ومسرح البالون ليس من الاثار فقد تم انشاءهما في الستينات لأن بناء أي منهما لم يبلغ المائة عام، وانهما يفتقران لكثير الخدمات، وقولها “لما لا اذا كانت إعادة إنشاءهما ستكون بمساحة أكبر وتطوير أحدث وشامل كل الخدمات المنقوصة”
في هذين القولين كارثة، والغريب فالنائبة تحاول أن تخلق مبررات وتحاول أن تسفه من موقف المثقفين وردود أفعالهم، فذهبت إلى التهوين من قيمة المعلمين الثقافيين، في ذات الوقت الذي نجد فيه أعداء الوطن يحاولون خلق تاريخاً لهم، ومع ذلك أوضح لها أن المعالم الثقافية ليست مجرد أرض أو مبنى وفقط، وإنما قيمة وأثر ممتد، أيضاً أوضح أن مربع البالون وحده يضم 4 مسارح هي البالون وصلاح جاهين، والغد، ومنف، كما يوجد به فرق كثيرة منها الفرقة القومية للفنون الاستعراضية، وفرقة تحت 18 سنة، وفرقة أنغام الشباب، وفرقة رضا، وفرقة النيل للآلات الشعبية، كما يضم مقر كل من الادارة العامة للمسرح، والإدارة العامة للفنون الشعبية، والإدارة العامة للسينما، وغيرها مما يغيب عن ذاكرتي، هل عرفتم ضخامة ما يضمه هذا الموقع ..
ــ …… ؟
السيرك القومي هو أقدم سيرك في إفريقيا والمنطقة العربية، وكذا فإن فرقة السامر المسرحية تستمد قيمتها واسمها من هويتنا الثقافية فيما تقدمه مثلها مثل فرق رضا الفنون الشعبية والنيل للألات الشعبية والغد للعروض التراثية…! هل أدركتم مكمن الخطر ؟!!لا وألف لا لفكرة نقلهما لأن قيمتهما الثقافية أهم من أي عائد وراء استثمار مكانهما، لماذا لا يتم العمل على استثمار قيمتهما الثقافية ؟!، نحن بحاجة إلى عقول المثقفين التي تقدم مشاريع في هذا الشأن، ولتكن تلك دعوة لأصحاب الرؤى منهم للرد بشكل عملي بأن يتقدموا بأفكار توضح أهميتهما وتؤكد إمكانية الاستثمار الثقافي لهما، المثقفون بحاجة إلى الشعور بالقناعة الفعلية من الدولة بقيمة الثقافة وأهمية دورها، والحاجة الفعلية لمتنفسات جديدة يتاح حتي يزيد مساحة تأثير الفعل الثقافي
ــ وماذا تقول أخيراً ؟
أضم صوتي لمثقفي مصر، بمناشدة رئيس الجمهورية سرعة التدخل لإيقاف تلك الصفقة التي تستهدف إثارة الفتنة وضرب سلامنا الاجتماع،.. وأما النائبة فإني أحيلها لملخص مكثف عن تاريخ كل من مسرح البالون، والسيرك القومي فيما يلي ؛
# تاريخ مكان مسرح البالون يمتد إلى ما قبل تأسيسه في صورته الحالية أوائل الستينات، إذ قدمت عروض تحت هذا البالون أو الخيمة لممثل إيطالي، ومنه اشتراه فنان الشعب يوسف وهبى ليتخذ منه مقرًا لفرقة رمسيس، ثم قامت الدولة بشراء البالون منه لتخصص مسرحه لفرقة “رضا” التي أصبحت الفرقة القومية للفنون الاستعراضية، ثم اتسعت لتكون مقرا لمجموعة مسارح، وعدة فرق، “مسرح البالون، مسرح الغد، مسرح صلاح جاهين، فرقة تحت 18، فرقة رضا، فرقة أنغام الشباب، فرقة المسرح التراثية، وغيرها، .. إذ أن هذا المكان صفحة في سجل الثقافة والفنون خلال القرن العشرين وحتى العام الـ 19 من ق 21، وشهد تقديم عروضاً فنية محملة بعبق التاريخ والموروثات الشعبية.
أيضاً فإن تاريخ السيرك القومي لا يقف عند حد المبنى ذاته، بل تعود فكرته إلى عصر الرومان، حيث كانت حلبات سباق عربات الخيول، والمصارعة، وترويض الحيوانات، وتطورت الفكرة إلى أن أصبحت على شكل عروض تقام فى خيمة متنقلة، ولتضم إليها عروض المهرجين والأقزام،… فالسيرك فن فرعونى، حيث أن الفراعنة أول من روضوا الحيوانات واستخدموها فى الترفيه عن الملوك.
وحديثاً كان فن السيرك محصوراً بين أسرتى عاكف والحلو، حيث أسس محمد علي الحلو سيركا باسمه عام 1889 مستفيدا من الفرق الأجنبية التي كانت تقدم عروضها في عهد الخديو إسماعيل، أيضاً أسس إسماعيل عاكف سيركا حمل اسمه بطنطا عام 1912، وبعد ثورة يوليو 1952 عمل عبد الناصر على إنشاء السيرك القومى، بعد بهر التجربة السوفيتية عند زيارته للاتحاد السوفيتى، فكان قرر للزعيم عقب عودته بإنشاء السيرك القومى بالعجوزة مستعيناً بخبراء سوفيت، ليفتتح عام 1962 كمدرسة لتدريب وخريجي لاعبي السيرك إلى أن تم افتتاحه رسمياً فى عام 1966، وليصبح منارة تقدم خدماتها الفنية وتشع بظلالها على ظل المنطقة العربية بجولاته فى بلدانها المختلفة، ومنذ أن افتتاح بابه للجمهور منذ 53 عاما كان ملاذا للمصريين يستمتعون فيه بفقراته المختلفة حيث يزداد إقبالهم عليه في الأعياد والمناسبات