المهرجان "القومي للمسرح المصري" وإصداراته المهمة/ نور الهدى عبد المنعم

انتهت بالأمس القريب فعاليات وأنشطة الدورة الثانية عشر لمهرجان “القومي للمسرح المصري”، ومما لا شك فيه أنه رغم الجهود المبذولة لإقامة وتنظيم المهرجانات إلا أنه لا يتبقى بالذاكرة بعد انتهاء فعالياته الكثيرة والمتنوعة سوى مطبوعاته المختلفة، والتي توثق لمختلف الأحداث وجميع التفاصيل، ومن أهم هذه المطبوعات بلا جدال الكتب ثم النشرات اليومية (تمثل النشرات مطبوعة خبرية خفيفة وبالتالي قد تفقد قيمتها بعد انتهاء الفعاليات)، وأيضا “دليل المهرجان” الذي يعد وثيقة تأريخ لجميع العروض والفعاليات المشاركة بالمهرجان، حيث يحفظ لنا كسجل أهم تفاصيل عروض العام والتي صعدت لتشارك في المهرجان. وتبقى مجموعة الكتب القيمة التي تصدر مع كل دورة هي الإصدار الأهم الذي نحرص على الاحتفاظ به في مكتباتنا بعد أن نستمتع بقراءته، وبالتالي يصبح مرجعا قيما نعود إليه من وقت لآخر، ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك حرصنا جميعا على الإحتفاظ بإصدارات مهرجان “القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” حتى الآن، والتي كانت ولا تزال بصمة حقيقية وإضافة تسجل في رصيد مؤسسي المهرجان وصانعيه.

  • ظاهرة إيجابية

ويحسب للمهرجان القومي للمسرح هذا العام 2019 وفي دورته الثانية عشر والتي حملت اسم الفنان الكبير كرم مطاوع – والتي تحمل مسئولية رئاستها الفنان أحمد عبد العزيز – إصدار عشرون كتابا، وهو عدد كبير يمثل ظاهرة لم تحدث من قبل في تاريخ المهرجانات المسرحية بمصر، ويجب في هذا الصدد توجيه الشكر والثناء  للكاتب الصحفي يسري حسان لتحمله مسئولية إصدار هذا العدد الكبير من الكتب بمفرده، وفي الحقيقة أنه كان على قدر هذه المسئولية حيث صدرت جميعها في موعدها المحدد قبل افتتاح المهرجان، كما أنها تميزت بخصوصية القطع والإخراج الموحد والمتميز وأيضا الدقة في التنفيذ. وقد تكونت هذه المجموعة من الكتب التالية: دليل المهرجان، ” كرم مطاوع رجل المهام الصعبة”، “المسرح المصري .. مئة وخمسون عاما من الإبداع”، وسبعة عشر كتابًا عن المكرمين وهو مقسم إلى فئتين: الأولى كتاب عن كل فنان من الفنانين المعاصرين الذين مازالوا يمتعوننا بفنهم وهم الأساتذة: (يوسف شعبان، يحيي الفخراني، توفيق عبد الحميد، لطفي لبيب، سوسن بدر، هالة فاخر، علي الحجار، المخرج محسن حلمي، الكاتبين يسري الجندي، والسيد حافظ، ومصمم الديكور د.عبد ربه حسن، مدير خشبة المسرح عاصم البدوي)، أما المجموعة الأخرى من الكتب فهي عن الفنانين الذين رحلوا خلال هذا العام وهم الأساتذة: (محسنة توفيق، محمود الجندي، محمد نجم، فاروق الفيشاوي، وفؤاد السيد المدير المالي والإداري بالمسرح القومي)، ويلاحظ أن هذا العام تم – ولأول مرة – تكريم اثنين من الإداريين العاملين وراء الستار، وبالتالي فإن تلك المبادرة تضيف إلى رصيد هذه الدورة، ولعلها تكون البداية التي تتبع بمهرجانات أخرى فيما بعد.
كما يحسب لها أيضًا اختيارها الواعي لهذه المجموعة المتميزة من الكتاب والنقاد لتحرير مجموعة الكتب الخاصة بالفنانين المكرمين، حيث تضمنت قائمتهم بعض الأسماء الجديدة التي تكلف وتشارك ربما لأول مرة بمثل هذه المهمة الشاقة التي تنتمي إلى عالم الأدب ومن بينهم بعض أساتذة الجامعة والشعراء. كما تضمنت أيضًا قائمة المشاركين الذين قاموا بإعداد وصياغة المادة العلمية وتقديم الدراسات النقدية بتلك الكتب أسماء نخبة من المسرحيين المتميزين الذين يمثلون مختلف الأجيال، أما الكتب فهي: (كرم مطاوع.. أيقونة المسرح) مجموعة مؤلفين، (يوسف شعبان.. البطل الضد) عبد الغني داود، (يسري الجندي.. الفارس بين الياء والياء) مسعود شومان، (علي الحجار.. سيرة الغناء. سيرة المسرح) طارق هاشم، (هالة فاخر.. عبقرية الجمال الآخاذ) د.وفاء كمالو (محمد نجم.. إمبراطورية الضحك) د.مصطفى سليم، (توفيق عبد الحميد.. السائر خلف قناعاته) د.محمد زعيمة، (محمود الجندي.. رحلة عطاء) أحمد هاشم، (محسن حلمي.. العابر للزمن) أحمد خميس، (لطفي لبيب.. الكوميديان المغرد) باسم صادق، (علي الحجار.. سيرة الغناء. سيرة المسرح) طارق هاشم، (محسنة توفيق.. بهية الفن المصري) د.أسامة فرحات، (د.عبد ربه حسن..الأستاذ والمعلم) د.صبحي السيد، (السيد حافظ.. مسيرة حياة وإبداع) هبة بركات (فاروق الفيشاوي.. ابن التجربة والاكتشاف) أميرة الوكيل، (سوسن بدر.. الهاربة من المعبد) ليليت فهمي، (فؤاد السيد.. قلب من السماء) أحمد محمد الشريف، (عاصم البدوي.. الحريف) يسري حسان، (يحيى الفخراني.. بين قناع الممثل وقناع الدور) د.مدحت الكاشف.
وتقتضي الحقيقة أن أقرر أن مستوى الكتب وبرغم ارتقاء مستواها الفني بصفة عامة إلا أنها قد تباينت كثيرا فيما بينها، حيث افتقد أغلبها لقائمة المراجع، كما افتقد بعضها إلى التوثيق الدقيق لمجموعة الأعمال، وإذا كان يجوز إغفال بعض البيانات الأساسية (كتاريخ الإنتاج، الجهة المنتجة، المؤلف، المخرج) بالنسبة للإسهامات السينمائية أو التليفزيونية والإذاعية لكل فنان مكرم فإن هذا لا يجوز بالطبع ويصبح تقصيرًا شديدًا بالنسبة لإسهاماته المسرحية. كذلك أغفل بعض الكتاب رصد وتسجيل مظاهر التكريم والجوائز التي حصل عليها كل فنان، في حين بذل بعض الكتاب جهدًا مضاعفًا بمحاولة الاستشهاد بمقتطفات نقدية لكبار النقاد الذين عاصروا وتابعوا أعمال هؤلاء الفنانين المكرمين.
وتبقى ملاحظة هامة في هذا الصدد يجب تسجيلها ودراستها وإيجاد حلول لها وهي إذا كانت هذه المجموعة المتميزة والمهمة من الكتب قد استنفذت جهدا كبيرا في إعدادها وأموالا في طباعتها ألا يكون من الأجدر أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين؟؟!! وذلك لتحقيق الهدف الأسمى لإصدارها وأيضا المشاركة بصورة حقيقية في تكريم هؤلاء النجوم، والذين من حقهم أن يتعرف الناس على مشوارهم الفني وعلى ما قدموه من إسهامات، وبالتالي لا يعقل أن يطبع من كل إصدار مئتي وخمسين نسخة فقط!! ولذا فإنني أطالب بضرورة مضاعفة هذا العدد أربع مرات على الأقل.

  • حارس ذاكرة المسرح

حين تصفحت هذه الكتب لفت انتباهي وجود اسم د. عمرو دواره في جميع الكتب، حيث تضمنت الصفحة الأولى (الترويسة) عبارة: جميع الصور مهداة من الأرشيف الخاص بالناقد والمؤرخ د.عمرو دوارة، أن جميع الصور من أرشيفه الشخصي وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال هام يفرض نفسه بقوة وهو: هل يتفوق أرشيف د. دوارة الشخصي على أرشيف “المركز القومي للمسرح” (وهو الكيان المؤسسي الوحيد المعني بحفظ ذاكرة المسرح والموسيقى والفنون الشعبية)؟ أم يصعب التعاون بين المؤسسات الثقافية برغم تبعيتها لوزارة واحدة ؟
كذلك رصدت من خلال مجموعة الكتب ذكر أسم د.عمرو دوارة ومجموعة مقالاته بجريدة “مسرحنا” كمرجع أساسي في عدد كبير منها الكتب، ومن بينها على سبيل المثال: الكتب الخاصة بالمكرمين: يوسف شعبان، محسنة توفيق، لطفي لبيب، محمد نجم، هالة فاخر، فؤاد السيد. ونظرا لأهمية الدور الذي يقوم به أشاد بعض مؤلفي تلك الكتب بإسهاماته المتميزة بمجال التوثيق حيث كتب الكاتب والناقد المسرحي/ عبد الغني داود في كتابه عن الفنان/ يوسف شعبان: “تضيع ذاكرة الأمة بسبب الإهمال واللامبالاة بينما ذاكرة المسرح تولى حراستها د.عمرو دوارة في موسوعته غير المسبوقة “موسوعة المسرح المصري المصورة” والتي لا تزال الكترونية وفي انتظار النشر الورقي لتعم الفائدة. كذلك كتبت د.وفاء كمالو في متن كتابها: “تقتضي الحقيقة العلمية أن نؤكد أن المخرج والناقد والباحث والمؤرخ د.عمرو دوارة قد قدم للواقع الثقافي المصري والعربي إنجازا عبقريا رفيع المستوى، هو “موسوعة المسرح المصري المصورة”، التي توثق للمسرح المصري منذ عام  1870 وحتى الآن، ومن خلال تجربتي مع كتابة هذا الكتاب عن الفنانة هالة فاخر لمست أن واقعنا الثقافي بهذه الموسوعة يشهد بالفعل ميلادا جديدا للوعي والعلم والدقة والموضوعية وتقدير الإنجازات والتاريخ”. أيضا أشاد الناقد المسرحي باسم صادق بمساندته حيث كتب بمقدمة كتابه عن الفنان لطفي لبيب: لم يكن الكتاب يخرج إلى النور لولا مساندة بعض الأصدقاء وفي مقدمتهم الناقد والمؤرخ المسرحي الجليل د.عمرو دوارة الذي أمدني بالمعلومات القيمة والصور المسرحية النادرة الخاصة بهذا الفنان القدير”. وذلك بالإضافة إلى إشادة الشاعر والناقد د.مصطفى سليم ثلاثة مرات في متن كتابه عن الفنان محمد نجم بأهمية المقال الذي كتبه د.عمرو دوارة بجريدة “مسرحنا”، والذي اتخذه كمرجع أساسي بالنسبة له.                                                               وبخلاف كل ماسبق نجد لرجل المسرح دعمرو دوارة مشاركات أخرى مهمة بهذه الإصدارات حيث شارك في كتاب “فؤاد السيد .. قلب من السماء” تأليف/ أحمد محمد الشريف بفصل كامل (خمسة عشر صفحة) بعنوان “ومضات بالسيرة وعلامات بالمسيرة”، وأيضا بكتاب “محسنة توفيق .. بهية الفن المصري” تأليف/ د.أسامة فرحات بفصل “الأعمال الفنية” (عشرة صفحات)، وذلك بالطبع بخلاف مشاركته الأساسية بدراسة قيمة وقسم رئيسي بكتاب “كرم مطاوع .. رجل المهام الصعبة” الذي شارك في تأليفه مع ثلاث كتاب آخرين، وأيضا تأليفه لأهم وأكبر الإصدارات هذه الدورة وهي كتاب “المسرح المصري .. مئة وخمسوون عاما من الإبداع” والذي تناول المسرح المصري منذ بدايته عام 1870، حتى اليوم مرورًا بالأحداث السياسية والاجتماعية التي مرت بالبلاد وتأثر بها المسرح من سواء كانت حروب أوثورات، متناولاً جميع الفرق التي أنشأت سواء بمسرح الدولة أو بالمسارح الخاصة والفنانين الذين أثروا المسرح، وإنشاء أكاديمية الفنون ودورها ……….
ويتضح مما سبق جليا أن الناقد والمؤرخ المسرحي الكبير د.عمرو دوارة بعشقه الكبير للمسرح وإخلاصه له قد أصبح بمفرده مؤسسة ثقافية وفنية مستقلة، تنافس الهيئات المتخصصة في مجال التوثيق والتأريخ لحياتنا الفنية، خاصة بعدما برز هذا الدور بوضوح بإنجازه لموسوعته الكبرى عن المسرح: “موسوعة المسرح المصري المصورة”، والتي تتكون من سبعة عشر جزءا وأكثر من سبعة عشر ألف صفحة، مما استحق عليه اللقب الذي أطلق عليه وهو “جبرتي المسرح العربي”، وكذلك اللقب الذي منحه إياه الناقد المسرحي عبد الغني داود وهو “حارس ذاكرة المسرح المصري”.
 



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت