التوثيق الجمالي للأحداث قراءة في العرض المسرحي : "الجنسية فلسطيني"/ بقلم: الدكتور محمد الوادي

في معنى التوثيق للمسرح، والتوثيق بالمسرح.

 
المسرح من أكبر وأهم الفنون الملتصقة بالقضايا الكبرى، والقضايا الإنسانية المتعلقة بالوجود والكينونة، التي تؤرخ للمسيرة الإنسانية في كل تجلياتها( تاريخ- حروب- أحداث اجتماعية- …..)وهو من أهم الفرجات التي تستقرئ الأزمنة وتشرح وتفسر الأحداث، وتتوقف عند التفاصيل، وتسائل الراهن، وتستشرف المستقبل، وتطرح الأسئلة العميقة الاستفزازية، وتقرب المضامين إلى المتلقي بأساليب فنية وجمالية.. كل ذلك من أجل الإنسان/ المتلقي الذي هو عصب اهتمام المسرح وشغله وانشغاله.
إذا كان هذا هو مصب اهتمام المسرح بشكل عام، فالمسرح التوثيقي أكثر فحصا وتدقيقا في الزمن والأحداث التاريخية، وخاصة تلك المرتبطة بالقضايا الوجودية، ومصير الأمم والشعوب.
يعتبر الناقد المسرحي جون جيرسون أول من استعمل تعبير المسرح الوثائقي أو التسجيلي الذي أطلق على هذا النوع من المسرح في حدود سنة 1950. وفي سنة 1960ظهرت حركة مسرح الواقعة الألمانية، وبدأت الموجة النقدية الجديدة تقنع المتلقين بأن ما يتابعونه على خشبة المسرح إنما هو في أساسه حدث تاريخي، أو اجتماعي، أو سياسي، أي أنه مرتبط بما حدث ويحدث في الواقع، وليس مجرد خيال المؤلف أو تصور المخرج، لأنه يستند على وثائق الحقيقية مثل ما فعل ” بيتر فايس” الذي اشتغل على نصوص توثق لجرائم النازية.
في أوربا الحديثة، فالمسرح التوثيقي، يرصد العلاقة بين السياسي والفني كما نجد في مسرحية” محاكمات موسكو” للمخرج السويسري ميلو راو التي عرضها سنة 2013، وهي المسرحية التي يقدم فيها ميلو راو رؤية جديدة للمسرح التوثيقي متجاوزا بذلك الرؤية التقليدية. ينحاز راو إلى الأشخاص الحقيقيين في رواية الأحداث وبشكل ارتجالي ليجعل من المسرح وثيقة آنية وحية ، وشهادة دامغة ناطقة.
وفي ألمانيا، وتحديدا سنة 2016 تم تقديم العرض المسرحي ” كي لا ننسى” للمخرج ومصمم الرقصات النيجيري عبد القدوس أونيكوكو الذي ركز فيه على دمج الثقافات ومقارباتها المختلفة لما هو توثيقي أو سيري، كما تشير إلى ذلك الكاتبة والفنانة المصرية نورا أمين المقيمة في برلين في دراسة لها تحت عنوان:” المسرح الوثائقي في أوربا فضاء لعلاقة جديدة بين السياسي والفني” العرض يعالج تيمة الإبادة الجماعية كجريمة.
التوثيق هو مفتتح ومفتاح أي عمل يروم التأسيس لمشروع علمي دقيق يكون بمثابة أساس تقعيدي لردم كل الفجوات المخلة بمصداقية المنجز.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Houssam Grimah‎‏‏، و‏‏وقوف‏‏‏
المسرح التوثيقي عند العرب:
في المسرح العربي لا يزال العمل التوثيقي بعيدا كل البعد عن الانشغال والاهتمام الرسمي. لحد الآن فالمجهودات الفردية نتصب على توثيق النصوص، والتوثيق بها. أما العروض المسرحية وما تدونه من شهادات تسجيلية تنتهي بانتهاء زمن العرض، والشاهد هنا حال الفرجات، أو الأشكال ما قبل مسرحية التي طواها الإهمال، واندثر معظمها، أو هو في طريق الزوال، وعندنا في المغرب أمثلة كثيرة: سونا، سيدي الكتفي، بيلماون،
المسرح التوثيقي في المغرب:        
في المغرب استمد المسرح التوثيقي وجوده -كما المسرح بشكل عام- من المسرح المصري وخاصة مع رواده أمثال يسري الجندي الذي يعد من أبرز الباحثين والمبدعين في هذا المجال.
ينطلق المسرح التوثيقي في المغرب من مسلمة الدفاع عن الحق في التعبير، في حين عند الغرب يهدف إلى الدفاع عن الحق في الحياة. وهنا يمكن أن نشير إلى دور المقاومة الذي لعبه المسرح المغربي في الدفاع عن البلاد وتصديه المستعمر الفرنسي، وأبرغ كتاب يرصد هذا الدور هو ” المقاومة في المسرح المغربي” للدكتور عبد الرحمان بن زيدان الذي يعد مرجعا لا غنى عنه في هذا الباب.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏أحذية‏‏‏
صناع الموقف:
أية فرجة مسرحية، في نظرنا، لا تكتمل، ولا تتخذ بعدها المسرحي بمعناه الفني والجمالي والعلمي والصناعي إلا باكتمال عناصرها ومكوناتها الأساس، وأهم هذه المكونات النص المسرحي، والرؤية الإخراجية، والممثل.
النص المسرحي.. حمولة فكرية وتاريخية
المسرحية من تأليف رضوان عبد الغني شبلي، إخراج رشيد بوفارسي، أعد العمل للعرض الأستاذ عبد السلام لحيابي، وقام بتشخيصها الفنان المسرحي الواعد حسام گريمح .
رضوان عبد الغني شبلي يقرأ النضال الفلسطيني من منظور تاريخي موثق بالدلائل والشهادات، من خلاله، أن يثبت بمنطق الحجة، أنه فلسطيني، برسم ولادته، بثقافته وتراثه، وعمل على تصحيح جملة من المصطلحات والأسماء التي تطلق عبثا على الفلسطيني من قبيل اللاجئ والإرهابي، وغيرها من الأسماء، التي تحاول الصهيونية أن تحقق بها تمويه الحقائق وبث الشكوك فيها.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Boufarissi Rachid‎‏‏، و‏‏لحية‏‏‏
المخرج رشيد بوفارسي.. فارس لا يترجل
وفيما يخص الإخراج، حاول المخرج ، رشيد بوفارسي، توظيف نصوص موازية للنص الأصلي ، من أشعار لكبار الشعراء الفلسطينيين أمثال محمود درويش، سميح القاسم. كما وظف الصورة التي هي أقرب إلى الإدراك ومن خلالها يتم تحقيق دحض فكرة أن فلسطين للصهاينة، حيث كانت الشهادة من اليهود أنفسهم، هذا علاوة على رقصة الدبكة التي تبين رجولة و مقاومة الفلسطيني.
 
جمعية فضاءات مسرحية في سطور..
يشار إلى أن جمعية فضاءات مسرحية، حصلت على عدة شواهد تقديرية نذكر من بينها :
_ شهادة تقديرية من هيئة القانون والنظام الفلسطينية
_ شهادة تقديرية من مركز غزة للثقافة والفنون .
_ تهنئة من سفير دولة فلسطين
_ شواهد تقديرية خلال المشاركة في المهرجانات
هذا و كان آخر مشاركة الفرقة المسرحية، نهاية شهر أبريل 2919  في مهرجان مونودراما قرطاج التونسية، كما تعمل على الانفتاح على فضاءات الجامعات والمدارس الوطنية، للتعريف بالقضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
اما عن تفاعل الجمهور مع عروض المسرحية فقد صرح المخرج في العديد من المرات عن ارتياحة وعدد المشاهدين الذين يحضرون العرض كل مرة ويتفاعلون بشكل إيجابي مع مستوى الأداء، والطريقة الإخراجية، وحجم الوثائق التوثيقية التي تقدم بشكل فني، وهذا تحصيل حاصل لأن الشعب المغربي تشكل روحه وكيانه وقلبه القضية الفلسطينية وكان دائما في مقدمة المدافعين عنها في كل المناسبات والمحال الدولية. وعن هذا العرض المسرحي الذي يحمل القضية القومية العربية الأم ، أعرب رشيد بوفارسي، عن إعجابه بالجمهور الذي قال عنه بأنه “جمهور مسرحي ذواق ومبدع ومتفاعل يعرف متى يصمت، ومتى يصفق ومتى يقف.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت