قراءة نقدية عن مسرحية "ليام الكلحة" لفرقة المدينة الصغيرة بشفشاون/ عزيز ريان

مسرحية ليام الكلحة (الأيام السوداء) لفرقة المدينة الصغيرة بشفشاون (المغرب) شاركت بالمهرجان الوطني للمسرح بمدينة تطوان في دورته الواحدة والعشرين المنظم من طرف وزارة الثقافة بالمغر ، وتخلفت استحسانا لدى الحضور الذي ملأ جنبات قاعة إسبانيول بمدينة تطوان وقد حج الكثير منه من مدينة شفشاون القريبة.
العرض من تأليف الكاتب أحمد السبياع وإخراج مسعود بوحسين. سينوغرافيا: أحمد بنميمون, تصميم الملابس:هند فاطمي، تشخيص: حميد البوكيلي،عادل لوشكي،فريدة بوعزاوي،أمال بن حدو،محمد بوغلاد،بادي الرياحي،عماد الغلال.
العرض المسرحي يعتمد على تيمات معاصرة تستقي من تقنية الكتابة المسرحية العالمية التي نعرف تأثر السبياع بها.الكاتب اعتمد تقنية أكاديمية في الكتابة المسرحية والتي تعتمد على البداية أولا وهي عبارة عن افتتاحية لموضوع المسرحية،حيث تناول فيها معاناة وزير أول لحكومة ما في بلد ما من جراء استتباب الأمن والغنى والهدوء داخل البلد. وبالتالي إحساسه بالملل والروتينية القاتلة. وثانيا عقدة العرض أي الصراع الذي يدور حول مجرياته الموضوع في ايقاعات مختلفة. وثالثا حل العقدة والوصول بالمتفرج إلى نهاية العرض المسرحي وهي عدم جدوى التزييف واللعب على الناس.
ركز العرض على تيمات بعينها يمكن جردها:

تيمة الأداء الحكومي:
لعل اللافت هو حضور حكومة مصغرة مشكلة من ثلاث وزارات كمحركات لخيوط العرض الدرامية. ولعل موضوع الأداء الحكومي بالعالم العربي خصوصا مع ما يشهده من احتجاجات شعبية بدول بعينها كلبنان وغيرها. جعل الموضوع أقرب إلى هموم المتلقي الذي بدأ في تتبع فصول المسرحية (الحكومة).
فالحكومة التي يقودها وزير اول  قد قطعت وعدا بأن تحاسب نفسها وتستجيب لمحاسبتها، وترى أن الأداء الحكومي لا يجب أن ينتظر نهاية الولاية بل إن تدارك الأخطاء يتطلب مراقبة التسيير اليومي استعجالا لتحقيق التنمية.
وتبعا للضجة التي أثيرت حول بعض الآراء المعارضة من طرف بعض العناصر المشكلة للأغلبية الحكومية صار من اللازم طرح الإشكال التالي :هل هناك ثقافة خاصة للمعارضة وثقافة خاصة للحكومة؟ وهل هناك حد فاصل بينهما؟
وبالمغرب لقد عرفت الأيام الأخيرة نقاشا سياسيا حادا حول أحقية الحزب المشارك في الحكومة في أن يفصح عن آرائه المعارِضة في التسيير الحكومي للرأي العام وأن يبدي ملاحظاته بشأن الجانب السلبي الذي يراه، وأنه عندما يقوم بذلك يكون متأثرا بثقافة المعارضة الشيء الذي يرى فيه البعض عدم انسجام الأغلبية المشكلة للحكومة ويرى في ذلك مشكلا أساسيا.
والحقيقة أن التنبيه الإيجابي للتسيير الحكومي من طرف مشارك فيها سواء كان هذا المشارك من فريق يرأس الحكومة أو يساهم في تسييرها أو حتى من قبل أعضاء فاعلين داخل المؤسسات الحزبية المشكلة للأغلبية، هذا التنبية يدخل في إطار الثقافة الديمقراطية التي تهدف إلى التقويم عن طريق الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، السلوك الذي يجب أن يسود في مغربنا الجديد تماشيا مع توجه جديد مرجعيته دستور جديد، خصوصا وقد تعددت منابر التعبير وفتحت أبوابها بعيدا عن كل تحكم.
والأكيد أن غياب هذه الثقافة هو المسبب الأساس لتخلف العالم الثالث بل لانهيار العديد من الحضارات ولنا نموذج يتمثل في انهيار دول أوربا الشرقية التي عملت على إغلاق الأبواب أمام التوجيهات التي تعارض إيديولوجيتها بل بنت جداراً حولها من أجل تحصين قيمها الأحادية، وكانت النتيجة تخلفا عاما وزلزالا أسقط الجدار وتبعاته.كما أن ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي ما هو إلا نتاج للتوجه الأحادي للحكومات العربية التي رفضت التعدد وفرضت أسلوب التحكم. الوزير الأول الذي يلجأ إلى صحافية مرتزقة لكي تقوم ببروباكاندا وخلق صراعات بالمجتمع مادام الفقر قد غاب عنه.

تيمة أخلاقيات الصحافة:
الصحافية “سوسو” الأجيرة لدى الوزير الأول تحاول التفنن في خلق أخبار صحافية وسبق صحفي على حساب معاناة الناس. تبحث بلهفة على البوز المعاصر الذي يصبو إليه الكثيرين. تتفق مع سلام لكي يقنع أسرة بحياة الفقر وكتابة الأخبار الخاطئة. في صفقة مشبوهة تعيد إلى أخلاقيات المهنة.
تظل إشكالية أخلاقيات مهنة الصحافة في المغرب مطروحة بقوة ، و بالمقابل ما انفكت أصوات المهنيين ومختلف فعاليات المجتمع المدني، و أوساط أخرى ، تلح على ضرورة احترامها والحد من الانتهاكات المتزايدة لأخلاقيات المهنة و ما ينتج عنها من أضرار.
تجليات مظاهر هذه الإشكالية معاشة في الممارسة اليومية ، و تعكسها تقارير الهيئات المعنية بحرية الصحافة و التعبير وحقوق الإنسان في بلادنا، ثارة بشكل قوي و ثارة بشكل محتشم . و يعبر عن هذه التجليات تزايد التظلمات و الشكايات و القضايا المعروضة على القضاء من طرف مؤسسات و أشخاص اعتبروا أنفسهم ضحايا بعض وسائل الإعلام و النشر لأنها مست كرامتهم أو نشرت أخبارا كاذبة عنهم.
قد لا تتسع هذه الأرضية لاستعراض مختلف أشكال الخروقات التي تمارس بشكل يومي و منهجي من قبل صنف من الصحافيين أو بعض وسائل الإعلام . لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن هذه “الأجناس ” من الانتهاكات تتجلى في الرشاوى التي تدفع من طرف هيئات أو شخصيات، إما بهدف تلميع صورتهم في الإعلام أو من أجل الاعتداء على خصومهم. و تتمثل أيضا في توظيف القذف والسب وتشويه صورة الناس في المادة الصحفية، و في نشر الشائعات و الأخبار الزائفة والإثارة و الميوعة، و في الترويج لخطابات العنف و الحقد و الكراهية، ثم الخلط ما بين ما هو مهني و ما هو تجاري إشهاري.
على مستوى آخر، لم تتوقف المطالب الرامية إلى تفعيل مبادئ و قيم أخلاقيات المهنة و احترام قواعدها. و في هذا المضمار ما فتئت المنظمات و الهيئات المدنية و السياسية و النقابية و الثقافية ،الجادة، تؤكد في تقاريرها و خطاباتها على ضرورة احترام أخلاقيات الصحافة .

تيمة جماليات الفقر:
تعتبر المسألة الاجتماعية إحدى الملفات الحاسمة في قياس وتيرة النمو بأبعاده المختلفة، وهي الوجه الذي يعكس مسار ونتائج السياسات العامة في كل البلدان، ومدى قدرتها على رفع تحديات التطور الفردي والجماعي،ومتطلبات التقدم والرقي لبناء المواطنة الفاعلة.وفي بلادنا، لا تحضى المسألة الاجتماعية بما يكفي من النقاش العمومي، حيث يتم تناولها عرضيا إما عند اندلاع أزمة من الأزمات، أوعند حدث طارئ.
وقد تكرس هذا المنحى خلال التجارب الحكومية السابقة، وتعمق خلال التدبير الحكومي الحالي حيث تم تهميش النقاش العمومي بصدد القضايا المجتمعية الحاسمة، وذات الأولوية، في اتجاهات لا علاقة لها بمتطلبات المرحلة الراهنة.
ومن حسنات النقاش الذي تفجر في مجلس النواب بخصوص مسألة الفقر ببلادنا،وما تلاه من ردود أفعال إزاء تصريحات الوزيرة بسيمة الحقاوي والتي اعتبرت بأن الفقر المدقع غير موجود ببلادنا، أنه( أي النقاش) أعاد المسألة الاجتماعية إلى صلب النقاش العمومي.
كما سمح بالكشف عن النواقص المترتبة عن المقاربات السطحية للفاعل السياسي، ومن ضمنها ما جاء على لسان وزيرة الأسرة والتضامن، حيث بات من الواضح أن مقاربة إشكالية الفقر ببلادنا لا تخضع لرؤية موضوعية، ومستقبلية ، بل إنها تظل سجينة الأرقام الدولية المرتبطة بقياس معدلات وخرائط الفقر في العالم، وكذا بالمعايير التقليدية المرتبطة بقياس الفقر بناء على الدخل الفردي.
وهو ما أسقط حزب العدالة والتنمية في تناقضات مكشوفة بين ما كان يصرح به في المعارضة، ، وما أصبح يصرح به اليوم إزاء نفس الظاهرة.
وفي هذا الصدد، ينبغي التذكير بأن الاتجاه العام الذي تتبناه العديد من الدراسات والتقارير ذات الصلة بالموضوع لم تعد تقارب الفقر ارتباطا بأبعاده المادية (ضعف القدرة الشرائية، تدهور الدخل الفردي، و انحطاط شروط العيش…) بل أضحت تدرج عوامل ومحددات أخرى من قبيل العجز المسجل في الولوج إلى الشغل،والصحة،والتعليم،والماء الشروب، والكهرباء، والتطهير،والسكن، وعدم القدرة على الادخار، والاستثمار، وكذا عدم القدرة على المشاركة في صنع القرار، والمساهمة في التدبير الجماعي، ناهيك عن أبعاده النفسية المترتبة عن الإحساس بالإقصاء الاجتماعي، والحرمان،والضياع، والعجز عن مجابهة متطلبات الحياة. وترتبط حالة الفقر بمؤشرات التطور الاجتماعي( على المستوى المحلي) ومؤشرات النمو البشري.
حيث لم يعد الفقر يقاس بمستوى الدخل، لتحديد الحد الأدنى من الاحتياجات ،و بمستوى الانفاق، بل أيضا بإدراج المحددات التنموية المرتبطة بمستوى الولوج للخدمات الاجتماعية،ومؤشرات النمو،والاندماج الاجتماعي، والمواطنة النشيطة..الخ.
وقد سبق لتقرير الخمسينية (المغرب الممكن) أن تنبه للأمرعندما أشار إلى أنه ” لا يمكن للفقر أن يختزل فقط في الحرمان من الموارد المالية.ذلك لأن هذا المفهوم يتسع ليشمل أشكالا أخرى من الحرمان الإنساني”.
واعتمادا فقط على المعيار المالي المرتبط بالفقر أظهر تقرير لمنظمة “فاو” للأغذية والزراعة، أن 5 ملايين مغربي لا زالوا يعيشون تحت عتبة خط الفقر، بأقل من دولارين في اليوم الواحد..
وكشف التقرير أن مظاهر الفقر لازالت تعشش في المغرب، خصوصا في الوسط القروي. وإذا أصفنا إلى هذا المستوى الجوانب المرتبطة بالحماية الاجتماعية فيكفي أن نشير أن التغطية الاجتماعية لا تشمل سوى 36.8 بالمائة من مجموع سكان المغرب.
وقد سبق أن سجل ” التقرير الوطني حول السياسة السكانية ” بالمغرب أن نسبة الفقر قد وصلت إلى تسعة عشرة في المائة (19 %) وإن سبعمائة وثمانين ألف (780000) أسرة تعيش فقرها المدقع في تجمعات سكنية غير لائقة، بأحياء الصفيح وبمساكن هامشية.وتبرز معطيات البحوث حول استهلاك ونفقات الأسر التي أنجزتها وزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط بالمغرب،في السنوات القليلة الماضية، أن نفقات أغلب السكان تقترب من عتبات الفقر.
ويصل المعدل الإجمالي للفقر على المستوى الوطني إلى حدود 22 في المائة، وفقا لنتائج البحث الوطني حول استهلاك ونفقات الأسر المغربية، وهي المعطيات ذاتها التي تبناها تقرير للبنك الدولي.
الرؤيا الإخراجية:
الإخراج المسرحي تطور من مجرد نسق متكامل من المعلومات إلى نسق مليء بالإبداع والإبتكار الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بمتغيرات المجتمع.فالمخرج بحسب (أليكسي بوبوف):” الساحر الخفي عن المتفرج الذي يملك بيده خيوط ماكينة المسرح المعقدة (حتى الإرادة الإبداعية الخلاقة عند جميع فناني المسرح) ثم هو كذلك الفنان الذي يعطي العرض المسرحي كله طابعه ولونه ونغمته.
وقد أكد المخرج مسعود على قيمة تدريب الممثل وإعداده جيدا لكل دور. فالممثل من أهم مكونات العرض المسرحي. وبليام الكحلة كان أداء الممثلين يميل إلى الحركية وتنويع تقنيات اللعب التشخيصي بحسب كل دور ممثل وممثلة.
واعتمد بوحسين على تصورات ميزونسية تختلف بين البساطة (باعتبار الموضوع الشعبوي للعرض) والمعقد (باعتبار مس  الموضوع بالنخبة).
محركا الممثلين بتقنية الثلاثي وعلى أسلوب تحريك لعبة الورق مادام الجميع يعرف أن السياسة لعبة ذنيئة. الوزراء الثلاث تم توظيفهم بطريقة ذكية لكي تلامس أبعادهم عمق كل شخصية.
السينوغرافيا التي لعبت على ملابس تتنوع بين اللباس الرسمي وبين ملابس شخصيات بلعبة الورق التي نعرف شكلها المتحايل. قطع الديكور اعتمدت على قطع ثلاثية بالخلفية مع طاولة وثلاث كراسي التي يتمت تحريكها من طرف الممثلين. فالكراسي في لعبتها السياسة هي حركة أو لعبة يجب التنبه إليها.
الموسيقى برغم اقتصادها اعتمدت على الألحان السياسية والحربية التحريضية في لحظات وفي لحظات تعكس الحزن والألم الذي يعاني منه المجتمع.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت