المتغيرات الثقافية وتشكيل الخطاب النصي في مجموعة (رحلة زمن عبر الزمن) / د مهند ابراهيم العميدي
ان الاقتراب من خلال الدراما لمرحلة عمرية معينة واقصد بها مرحلة الطفولة اوالفتوة له مخاطرة حقيقية في ظل متغيرات كثيره وانساق تربية متعددة ، حيث ان هذه المرحلة بطبعها مرحلة معقدة تتلقف انساق متعددة تحاول بها ان تقف على ارضية صلبة لتؤسس سلوكها فما بين انساق تربوية مختلفة ومتعددة جاء المسرح كنص وعرض ليؤسس لنسق اخر يدعم تارة كل تلك المتغيرات بوصفها متغير ايجابي ، وتارة اخرى يقف بالضد منها محذرا وناقدا وكاشفا لسلبياتها، من خنا جاءت المجموعة المسرحية رحلة زمن عبر الزمن : ومسرحيات اخرى (نصوص في مسرح الطفل ومسرح الدمى ) للكاتبة د زينب عبد الامير ، ومن اصدارات دار لارسا للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 2019 ، ضمن هذا التوجه المعرفي والجمالي في تأسيس وعي مغايرة لمرحلة الطفولة بوصفها مرحلة تأسيس للوعي الانساني بشكل عام .
لقد كانت الكاتبة في مجموعتها المسرحية هذه واعية في تعاملها اولا مع المتغير الثقافي الذي غلف البنية المجتمعية العراقية ، وثانيا مع الطفل كوحدة مهمه ضمن البنية المجتمعية بوصفه وحده منتجة لم تعد متلقية فحسب وانما وبفعل انساق التربية المتعددة كانت منتجة ذهنيا ، وعليه اعتمدت الكاتبة على اليات الاشتغال جاءت لتتمحور حول شخصية الراوي بوصفه شخصية محركة للحدث ، حيث ان هذه الشخصية تراها محلقة حول الحدث تنسج بنية النص وهي ايضا جزء من الحدث وهذا ما يميز الكاتبة اذ ان شخصية الراوي اختلفت عن المتوارث النصي بوصفه شخصية سارده لما ياتي من الحدث بل في نصوص د زينب عبد الامير كانت جزء من اللعبة المسرحية وجزء من البنية الدرامية للنص ، فشخصية الراوي حملت ملمحا لنص ثقافي له الياته الخاصة به فهذا النص الثقافي عمل على انتاج لنص ادبي ، فشخصية الراوي هي الاصل فنرها هي مؤلف النص في مسرحية رحلة زمن عبر الزمن ونرى تارة اخرى شخصية المعلم في مسرحية علاء الدين والمتاب السحري ، جميع الاحداث وحركتها هي نتاج مخيلة الكاتب اولا وثانيا رغبة الراوي في انتاج هذا النص الادبي
ان الكاتبة في مجموعتها هذه اشتغلت على بنى مغايرة اذ لم تعتمد على مجموعة القيم الاخلاقية التي كانت موضوع لأغلب نصوص مسرح الطفل بل تلقفت المتغير الثقافي والأنساق المغايرة التي دخلت للبنية المجتمعية واهمها الميديا والتكنلوجيا الرقمية التي اصبحت الشغل الشاغل لأطفالنا ومالها من اثار ايجابية تارة وتارة اخرى سلبية ـ لقد تماثلت الكاتبة مع المتغير الذي حصل ما بعد 2003 لتنتج منه نصوصا تتناغم مع تركيبة الطفل واخلاقياته وانساق تربيته فكانت هذه المجموعة هي التبشير بنسق تربوي حاولت الكاتبة ان تتساوق معه لإنتاج فكر درامي متماثلا مع جميع هذه المتغيرات وكذلك كانت المفاهيم التي طرأت على البنية المجتمعية العراقية حاضرة في نصوص الكاتبة فمفهوم الحق والمواطنة ظهرت بالتزامن مع ظهور الميديا في المجتمع فكانت هذه المفاهيم حاضرة كثيمة نص لأنها نسق ثقافي انتجه المتغير الثقافي فتوزعت نصوص المجموعة ما بين تماثل مع المتغير التكنلوجي والمتغير المفاهيمي في البنية المجتمعية العراقية وعلى وفق هذا المفهوم كان الطفل في نصوص زينب عبد الامير شخصية متفردة واعية لمحيطها ، شخصية ايجابية مفكرة ولديها القدرة على المبادرة فكانت شخصية تمتلك القدرة على الانتاج فحتى الشخصيات السلبية في النصوص هي شخصيات منتجة فسلبيتها ليس خصيصة بطبعها بل هي الرغبة غلى المشاكسة والتمرد ورغبتها في القفز لإنتاج معنى والتماثل مع المتغير وهذا توضح جليا في شخصية زمن وشخصية (ان) في نص مسرحية ( رحلة زمن عبر الزمن ) ، وايضا في شخصية علاء الدين في مسرحية ( علاء الدين والكتاب السحري ) وكذلك شخصية حقي في مسرحية ( جرس حقي) ، وبالإضافة الى تلك النصوص التي تحاكي مرحلة عمري معينة تمحورت ما بين (12عام الى 16عام ) كانت نصوصا اخرى تحاكي مرحلة عمرية اقل ، حيث ان الكاتبة اشتغلت على نسق نصي اخر والمتمثل بمسرح الدمى وكانت المجموعة تحتوي على نصين هما ( فارس المشاكس والورقة العجيبة ) ومسرحية (يدا بيد)
ان هذه المجموعة المسرحية لهي اضافة حقيقية لمكتبنا العراقية والعربية لما تملك من ثراء نصي يتماثل مع مشاكل الطفل في ظل المتغيرات الثقافية التي طرأت على البنية المجتمعية ومن ثم على الطفل ذاته.
** د مهند ابراهيم العميدي / باحث واكاديمي عراقي