نص مسرحي: "العظيم" / تأليف: محمد الكامل بن زيد
الشخصيات : هو ، هم، الحاجب
رؤيـــــا1
المنظر : بهو قاعة واسعة تزين جدرانها شهادات وأوسمة ..نوافذها عالية وكبيرة سمحت لأشعة الشمس أن تعم المكان ..يتوسط البهو مكتب فخم على جانبه جلس أعضاء اللجنة المكونة من ثلاث أشخاص ..يتهامسون فيما بينهم دون مبالاة ..
هو ..بعد أن قدم أفضل ما لديه من عروض.. تقدم بثيابه القديمة الرثة ببطء شديد وبخطى عرجاء نحو المكتب ..يظل يحدق بعيون مرتجفة في أعضاء اللجنة تارة وفي القاعة تارة أخرى بانبهار شديد..
العضو 1: (في حزم بعد أن داعب قلمه زمنا )..وجهك لا يصلح للمسرح
هو: (يتلمس ملامح وجهه المتعبة في صمت)
العضو 2: (واضعا الساق فوق الساق).. ألا ترى معي أن قدراتك على التمثيل بعيدا كل البعد عن الإبداع
هو: (بامتعاض يتحسس أطراف جسمه من الأسفل إلى الأعلى)
العضو 3: (يطلق تنهيد عميقة بعد أن يضع نظارته السميكة جانبا.. ) ثم شيء مهم ..أصحاب القاعة رغم انشغالاتهم تساءلوا في حيرة بالغة ..هل يمكن لك أن تضمن لهم الجماهيرية .. الجوائز .. عقود رعاية وإشهار..؟!!
هو: (عدّل ساقه الخشبية مقتربا أكثر فأكثر من المكتب ..حدجهم بنظرة يتطاير منها الشرر حتى أشعرهم بالخوف..ثم تراجع إلى الخلف ..قهقه طويلا حت كاد يسقط على الأرض الرخامية ..زمّ شفتيه من الغيظ زمنا ثم انفجر بصوت عال) .أنا إنسان ..أقصى حلمي أن تشعر بطني بالدفء هذا المساء .. فجرذان بيتي الطيني لم تترك لي شيئا..(تراجع إلى الخلف خطوة ..خطوتين ..ثلاث خطوات ثم قام بتحيتهم بطريقة استعراضية .. )
الحاجب: (يدخل سريعا مذهولا وفي حنق شديد يصرخ)..يا أنت ..من أنت ؟
هو: (في أنفة واصرار) ..أنا الحالم
الحاجب : (يدفعه في شدة نحو الباب) ..حالم معتوه!
هو: (يرفع ذراعيه عاليا كأنه يحلق) ..الحلم ليس هذيانا ..الحلم آية من آيات الخلود الأبدي ..
الحاجب: (يبتسم في خبث)إنها تماثيل يا أنت !
هو: (يتوقف زمنا ثم يعـبس متسائلا مشدوها)..تماثيل؟!.. تماثيل ؟!
الحاجب: (تزداد ابتسامته أكثر خبثا ).. تماثيل ..تماثيل .. (ثم بعد صمت جنائزي متعمّد )..هي ما تبقى من حطام سفينة غارقة منذ عصور عتيدة..
هو: (في استغراب يحدث نفسه).. حطام سفينة غارقة.. (يبتسم في مرارة حارقة ثم سرعانما تعتريه نشوة عارمة من الفرح )..لأنها خالدة ..لأنها خالدة .. (ثم يخرج بسرعة مذهلة كأنه لم يكن )..
الحاجب: (مرعوبا واقفا يضرب كفيه )..ألم يكن أعرجا .. (ثم يضحك في هيستيرية حتى يسقط على الأرض)..نعم ..نعم ..كان هنا أحدهم
ستــــــــــــار
رؤيــــــــــــا2:
المنظر : غرفة معتمة ..
هو: ( يدخل بخطاه العرجاء متحسسا المكان وقد اعتراه ذهول كبير.. إذ تساءل في قرارة نفسه) ما هذا؟! ..كيف دخلت إلى هنا ؟!..من أتي بي إلى هنا ؟!..أكاد أفقد صوابي ..أنا ..لا أعلم شيئا ..أنا لا أذكر شيئا ؟! (سعى جاهدا أن يتحاشى الأشياء المتناثرة في الأرض.. فقد تصيبه بمكروه حال اصطدمه بها فيعقد من حالته فتزداد سوءا..في سقف الغرفة مصابيح بين الحين والحين تشتعل منفردة ..وفي أوقات مختلفة ..فإذا ما انطفأ مصباح اشتعل آخر .. تنتابه نوبة من الحزن والحيرة والقلق ..إذ مجرد أن يخمن بأن يعجل السير نحو أحد المصابيح ينطفأ .. ) أي ذنب اقترفت؟!..أي ذنب ؟! (حاول مرة ..اثنتين ..ثلاث..أربع ..) هل هذه لعبة.. وإن كانت فهي لعبة قذرة ..سمجة ..ووقتي ثمين ..ليس لدي وقت للعب (يشتعل مصباح آخر في جهة أخرى فيحث الخطى اليه لكن ينطفأ هو الآخر ..تنهد عنيقا وزفر في فزع ممزوج بالغضب..) سأقذف بكلام قد يجعلني من أرذل الناس (لكنه عند اشتعال المصباح التالي انتبه أن في الحائط المقابل نافذة صغيرة ..بسرعة البديهة تخلى عن فكرة الوصول الى المصباح واختار أن يصل الى النافذة عساها تكون منفذا ..في سيره المصابيح تشتعل وتنطفأ بحركة زمنية تزداد وتنقص بشكل سريع وبطيء ..حين وصل إلى النافذة عمل المستحيل كي تفتح وما إن نجح حتى هبت عليه رياح قوية أسقطته أرضا ..الجو في الخارج عاصف ومقيت ..أسرع الى النافذة وأعاد اغلاقها بإحكام ..) أتصبح جدران هاته الغرفة اللعينة أقفاصا ؟! (جلس على الأرض من شدة التعب متخذا الاسفلت بساطا له ..لم يرد قول شيء ..وضع يديه تحت رأسه كالوسادة ..زفر مرة أخرى زفرات بائسة ..يائسة ..انتظر زمنا ثم انتبه إلى مصباح كبير بقي يتدلى يمينا ويسارا كأنه يشير وينبه إلى باب خشبي من الطراز القديم ..أصابته فرحة عارمة.. ) كيف لي أن أغفل عن هذا المصباح ؟! (هرول بسرعة الريح العاصفة وأمسك بالمقبض ..الباب لا يفتح …لا لا غير معقول ..شد على المقبض بقوة وحاول ثم حاول ثم حاول ..وقبل أن ينطفأ المصباح برمشة عين .. استجمع كل ما لديه من عزيمة ثم رمى جسده على الباب فانكسر أخيرا ..ليجد نفسه في الشارع الطويل ..)
ستــــــــــــار
رؤيــــــــــــا3:
المنظر : شارع طويل مصابيح أعمدته الكهربائية تتلألأ بانسجام مع زخات المطر
هو: (يتقدم بخطى عرجاء سريعة نحو وسط الشارع.. يدق طبلته بشكل حماسي).. أيها الناس لقد عدت ..أنا هنا ..(ثم يمضي يدق على أبواب البيوت الطينية) ..هيا..هيا اليوم وليس غدا …
هم: ( يخرجون من الأجداث كأنهم عطشى ..يتحركون بشكل فوضوي من حوله فرحين )
هو: يها الناس.. من منكم يريد أن يتقن معي اللعبة الخالدة؟
هم: (تتدافع الأصابع بشكل هيستيري ) أنا.. أنا..
هو: (في نشوة و إجلال)رائع ..رائع ..أيها الناس ..هذا آوان أحلامنا جميعا ..وهذا الشارع شارعنا ..هنا سنغرق بأحلامنا ..هنا سنغرق..
ستـــــــــــــــــــارة
بسكرة في 07 ديسمبر 2019