نص مسرحي: "إحتفالية الخليقة" / تأليف: حسين السلمان

( المسرح عبارة عن قبو… باب مغلقة وبالقرب منها عربة طويلة عليها جثة الأب ..وسلم طويل في وسط القبو )
الابن الأول : (يصرخ) كفى ..لقد سأمت هذا الوضع المشين ..ها نحن ننتقل من موت إلى موت آخر أكثر ضراوة وأكثر قسوة.. ننتقل من الحياة على الأرض بما حملت من حروب ونزاعات بائسة إلى قبو تتجمد فيه الحياة .. أريد أن أرى الحياة بجمال هدوئها وضجيجها ، بقبح فوضاها ونظامها ..أريدها حياة تليق بنا كبشر ليس ألا ..أريدها …
الابن الثاني: (مقاطعا) أهدأ يا أخي.. لعل في الأمر حكمة .
الابن الأول : أية حكمة هذه التي تجعلك تنسلخ من الحياة!! ها هي جثة والدي تتفسخ مثلما تفسخت وذابت جثة أمي..ونحن هنا في قبر لعين لا يطاق فرض علينا فرضا قسريا من أبوية مدمرة وفانية (يذهب إلى الجثة الموضوعة على عربة تشبه عربة المستشفيات ، الموجودة في أعلى المسرح وهي مغطاة بقماش اسود.. ويدور بها داخل المسرح) ماذا فعلت بنا يا أبي ؟؟ أيعقل أنك تقتلنا بكل حرية متاحة لك ؟ حينما كنا فوق بين البشر منعتنا من الاختلاط بهم وحجزتنا في البيت المغلق وألبستنا الأقنعة والكمامات وكنت تردد أنها : الحرب قد حلت بنا ..وتقول : هذا الوجود، وهذه الحياة يشكلان خطرا مميتا علينا..وها أنت ألقيت بنا إلى هذا المصير المجهول مجردين من كل تلك الأحاسيس الإنسانية الجميلة ..   أنت أيها الأب ستدفع ثمن الأبوية التي فرضتها علينا (ينهض الابن الثاني الجالس على بداية السلم  متجها بغضب نحو الابن الثاني )
الابن الثاني : أبي كان ولم يزل لا يريد بنا إلا الخير (يحاول سحب الجثة من الابن الأول الذي يظل يدور بها)
الابن الأول : أي خير هذا الذي يقودنا إلى الموت..!!
الابن الثاني : على العكس هو الذي أدخلنا في حياة جديدة بعيدا عن الموت الذي كان ينام معنا حينما كنا مع البشر.
 الابن الأول : اللعنة عليهما حتى آخر أنفاسي (يصرخ وهو يحمل الجثة متجها بها إلى السلم لكنه يتعثر فيسقط   هو والجثة على الأرض.. ينظر إلى الجثة بغضب) أنت حتى في موتك عقبة في طريقنا..اللعنة عليك يا أبي .
الابن الثاني: أستغفر الله ..لا يحق لك شتمه ..للوالدين حرمه يا رجل .
الابن الأول : أنا أشتم فيه الجزء الخاص بي (يبتعد عن الجثة ..يذهب الابن الثاني ويعيد الجثة إلى مكانها الأول )       أنا غبي .. كان علي الإصرار في البقاء مع الحياة بكل ما تحمل وما تعطي وأن أمارس حقي مثل بقية البشر .
الابن الثاني : إذا عليك قبول فشلك وفشل ما تحمله من أفكار مريضة .
الابن الأول : أنا لم أكن طرفا في هذا الفشل . أن الذي فشل ويتحمل الفشل هو الذي أوصلنا إلى هنا ..إلى قبو الموت هذا.. أنا أشعر بحزن كبير لأنني سمعت كلامه . كان علي الرفض ليدرك أبي الخطر الحقيقي الذي يحيط بنا..هو أصر على التنصل من الحياة من دون أن يعرف ماذا سيأتي فيما بعد. وهذه هي كارثتنا الكبرى لان من يرسم لنا الحياة عبثا لا يدرك نتائج فعله.
الابن الثاني: أنت تجيد تنسيق الكلام وقادر على ترويض أفكارك، لكن دروسك هذه لا تمنحني شيئا من هذا العطاء الذي أنت أراه فيك .
الابن الأول : أنا سأفعل ما أراه صائبا. وكل خطيئة أنا أتحملها وحدي  لان الحياة التي أعيش هي ليست الحياة التي أريدها .قيمة الحياة في تنوعها ، في تحولاتها ، في تناقضاتها .أنها مثل الإنسان لا يمكن أن يبقى ثابتا كشيء واحد .
الابن الثاني : أنا لا أفهم شيئا من هذا اللغو.
الابن الأول : اللغو هذا يعني التالي يا أخي الفاضل أذا كانت الطبيعة في الخارج علمتنا أن نحب بعضنا البعض فان الطبيعة هنا تعكس حياة أخرى . بمعنى أنهاستقلب كل التوقعات وسترى ماذا يحدث بعد حين .
الابن الثاني : (يضحك ساخرا ) ثانية لا أفهم شيئا .
الابن الأول : أنا واثق أنك تفهم كل حرف مما أقول .
الابن الثاني : أقسم لك بكل المقدسات وكل الأنبياء و الاوصي…
الابن الأول : (يقاطعه) كلما توسع القسم ذهب إلى الكذب .
الابن الثاني : (يصرخ) أنت الكاذب .أنت ولدت في ليلة كاذبة مات فيها الصدق واشتعلت نار الضغينة والرياء والحسد.. ليلة سوداء احترق فيها كل شيء.
الابن الأول : (يضحك) هل تعلم أني ولدت قبلك بعشرة أعوام.
الابن الثاني : أنا استطيع أن أسرد لك واقعة ولادة أبي وجدي .وهذا لا يمنع من أنني أعرف تاريخك جيدا . وأعلم  أن التاريخ على الطرقات ينتظر العقول لتحركه .
(الابن الأول يقترب من الابن الثاني الذي يبدو عليه الخوف ..فيبتعد متخذا وضعية المدافع عن نفسه ..)
الابن الأول : يا أخي وحبيبي لماذا دائما تعارضني من دون حجة ولا برهان !! أرى أنك تكرهني ..بل أراك تريد قتلي كما قتلنا أبائنا .
الابن الثاني : الآن أدركت حقيقتك ..نعم هذا ما أنت تفكر بفعله ..هذه دواخلك التي تقودك إلى قول الحقيقة  . أن من ينطق بالقتل فهو قاتل .
الابن الأول : مهما اختلفنا في الآراء والأفكار فانه لن يؤثر على روابطنا الأخوية .
الابن الثاني : كف عن أمراضك الشيطانية هذه .أنا لا أرى فيك إلا جيفة ميتة لا تستحق ألا الحرق . أنت تكرهنا لأن أفكارنا طيبة وتدعو إلى الإصلاح  والبناء
الابن الأول : لتعلم أن الأخوة أكبر بكثير من الآراء والأفكار ، بل أقول أنها جوهر الوجود.
الابن الثاني : يبدو أنك أصبت بالجنون ..نعم ..نعم أنت مجنون .. أنت مجنون ( يدور سريعا في المسرح وهو يصرخ..)      نعم ..أخي أصبح مجنونا ..أنه مجنون . عليك أن تعترف أنك مجنون. يا للسعادة أخي أصبح مجنونا ..مجنونا…
(من تلك الباب المغلقة تخرج الأخت  منزعجة ويبدو أنها استيقظت  للتو من النوم ..)
الأخت: ما هذا الصراخ ؟!! عدتما إلى التقاطعات والمناكفات الفارغة ..آلا يحق لي  أن أستريح في قبري هذا !!
الابن الثاني : (يجري مسرعا في تحيتها والتودد لها ..) أهلا بالعزيزة .. ,أخبرك أن آخانا أصبح بحق مجنونا..وأعتقد أن هذا يعنيك بشكل مباشر ،خاصة وأنه ينافسني في طلب يدك الكريمة أنا لم أنم ليلتي فأنا بانتظار قرارك المبارك.
الأخت:  رائحة الموت  تنبعث من جسدك .
الابن الثاني : لا أنها رائحة أبي المسكين .أنا أتعطر كل يوم ..لا بل كل ساعة.. لا ..فأنا أتعطر كلما أراك جميلتي
الأخت: هذا عطر الأحياء الأموات .
الابن الأول : صدقت أخيتي ..هذا قبر الأحياء الذي ينتظرون الموت ..في بلدي كل منا يحمل قبره وينتظر..
الأخت: هل هذا مدخل قصيدة ؟
الابن الأول : أنت القصيدة أخيتي ..القصيدة التي بدأت ولن تنتهي أبدا
سألتها الوصل قالت لا تغـرّ بنـا
من رام منّا وصالاً مـات بالكمـد
فكم قتيل لنا بالحـب مـات جـوىً
من الغرام ولم يبـديء ولـم يعـد
وخلّفتنـي طريحـاً وهـي قائلـة
تأمّلوا كيف فعل الظبـي بالأسـد
وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقـت
ورداً وعضّت على العنّاب بالبـرد
هم يحسدوني على موتي فوا أسفـي
حتى على الموت لا أخلو من الحسد
الابن الثاني : كارثة ما بعدها كارثة ..أنا أشم رائحة الغزل المقيت .
الأخت :  أخي العنيد دعه يسمعنا الجمال .
الابن الثاني : وأنا من يمنحني ذلك ؟؟..أشعر أنني محروم من الغزل .
الابن الأول  : بل هو الحنين برائحته الفواحة.. فالحب يا أخي يحتاج إلى نفس عظيمة حتى يتم التفاعل معه..تمت وتم الحسن في وجهها فكل شيء ما خلاها محال للناس في الشهر هلال ولى وفي وجهها كل صباح هلال
الابن الثاني: (منتفضا) هذا باطل ..هذا حرام ..هذا خارج عن أرادة السماء..يا أيها الذين امنوا…….
الابن الأول : هناك من يتلو الكتب السماوية كالبلهاء لا يفقهونها ولا يريدون أن يفهمونها إطلاقا لأنهم  بهذا التخلف يسرقون الناس .
الابن الثاني :سنبقى مثالا لكل الأجيال من هذه الصلوات المباركة .
الابن الأول : لقد استغنت الذئاب في بلادي عن قوائمها الأربع فهي أكثر شراسة بساقين فقط
الأخت: هذا ليس طريقا صائبا ..أنتما تتحكمان بي  وكأنني خارج الوجود . تتجادلان، بل تقرران كل حسب هواه  وحسب ما يريد.
الابن الثاني : اخيتي الجميلة  لا يمكن الاستغناء عنك مطلقا ..أنت الأول والأخر..وأنا سأكون طائعا لما تقررين بشرط موافقتك .
الابن الأول : يا ليت هذا يكون أخي العزيز لان المحبة تنمو بحب الآخرين، فمتى يتحول الإنسان حارسا لأخيه الإنسان نكون قد وصلنا الكمال والجمال .
الأخت : أرأيت ..هذه هي الأفكار التي تصنع الحب والصفاء والمودة .
الابن الثاني : (متظاهر بالحزن) أنتما لا تحباني ..بل أنتما تتآمران ضدي .
الأخت : على ماذا نتآمر !!!  على هذا الخراب الذي حل بنا ؟؟ على هذا الموت الذي يحتوينا ؟؟ أنظر ماذا ترى هنا ؟ تكلم لا تسكت .أن السكوت هنا يعني الجريمة ذاتها .
الابن الثاني : على مهلك. هل تعلمين أنني أنا الذي كنت أرعاك في طفولتك ..كنت أداعبك واجلب لك الكثير من الهدايا  (يسحبها جانبا بعيدا عن الابن الأول الذي ينظر بابتسامة ساخرة ويذهب ليفتح تلك الباب ويختفي.) هل تتصورين أنك كنت ترفضين النوم قرب أمي وكنت تأتين وتنامين على صدري.  كنت أداعب شعرك الجميل وكنت أحكي لك قصصا جميلة وطويلة لأنك لا تنامين بسرعة ، وهذا ما كنت أحبه كثيرا .. وهكذا أكرر القصصلمرات ومرات فأنا كنت أتمنى أن تنامي كثيرا على صدري قبل أن تأتي أمي وتنهرك بقسوة وعنف (الأخت تبتعد عنه خائفة ..) تماما مثلما أنت الآن خائفة، كانت أمي كذلك تخاف عليك مني ..أنا الآن قد حصحص الحق في جسدي وتوثبت كل طاقتي ..فيا اخيتي ضميني أليك  كما كنا نمارسها من قبل ..فها أنت كاملة الوصف  وكاملة القد، عريضة، خصيبة، كحيلة الشعر، واسعة الجبين، زجة الحواجب، واسعة العينين في كحولة حالكة وبياض ناصع، مفخمة الوجه، أسيلة ظريفة الأنف، ضيقة الفم، محمرة الشفائف واللسان، طيبة رائحة الفم والأنف، طويلة الرقبة، غليظة العنق، عريضة الصدر، واقفة النهود ممتليء صدرها، ظريفة اليدين  والرجلين، عريضة الزندين، بعيدة المنكبين، عريضة الأكتاف، واسعة المخرم، كبيرة الردف “(يتقدم نحوها ويبدأ في مطاردتها ….وحين يمسكها تصرخ       بقوة  .. يخرج الابن الأول ويقف حائلا بينهما …)
الابن الأول : مثلما تريد أن تفعل  الأمر  بوحشية وتريد أن تفرض عليها قراراتك..ها أنذا ارسم لك طريقا آخرا يختلف عن طريقك ولعلك تهتدي به (يذهب عند الأخت المختفية خلف جثة أبيها ويتقدم بها ليقف بالقرب من الابن الثاني ..) حتى لا ينضب  معين العائلة..وحتى تتفتح أزهار حدائقنا..وحتى نحقق عدالة الحاجة الإنسانية أقدم نفسي إليك.. أنا أعرف أن الذي في  داخلك لم ينضج بعد.. أنا أعرف أن الأفكار تفترش رأسك..فكرة تتمدد على بساط التردد ..فكرة أخرى تتمايل بلا أتزان..      وفكرة أخرى تدور في آبار الخطيئة، تتمازج ما بينهما شعرة النقاء والرذيلة..أنا أعرف أنك تترنحين من  ثقل المصيبة..أعلم أنك كساعي البريد يرمي أشيائه سريعا من دون  اكتراث..غريبة أنت..مثيرة أنت كواجهات الماضي تشق القلوب وتثير المواجع..     لك الحق ، كل الحق في أن  تنجين الجدل وتقدمين النزيف، فأنت وحدك من يرضى بتلك اللهفة الكبرى ..
الابن الثاني : (يتقدم مسرعا ويختطف يد الأخت ..)خذوا بدمي ذات الوشاح فإنني  رأيتُ بعيني في أناملها دمي           أغار عليها من أبيها وأمها ومن خطوة المسواك إن دار في الفمِ أغار على أعطافها من ثيابها إذا ألبستها فوق جسم مُنعّمِ       وأحسد أقداحا تُقبّلُ ثغرها إذا أوضعتها موضع المزجِ في الفمِ
الأخت: ( تبتعد عنهما وتجري مسرعة لتسحب العربة التي فوقها جثة الأب وتدور فيها حول الأخوين ..) إن المرأة مفعول بها طبعاً وشرعاً، وإذا كانت فاعلة خالفت مقتضى الطبع  والشرع.لا ينفع الجارية الخضاب ولا الوشاحات ولا الجلباب ولا الدنانير ولا الثياب من دون ما تصفق الركاب. أيها الأب هذا الذي جنيناه من أفكارك المريضة التي قادتنا إلى الخراب..” في وطني يستحي الرجل من أن يُجاهر بحب زوجته ولكنه يتباهى بماضيه السيء مع خليلاته  في وطني لا تستطيع الزوجة أن تأتمن زوجها على سر يخص أُسرتها لأنها تعلم أنه سيعايرها بهِ يوماً في وطني نستحي من الحب والجنس ونُجاهر بالكراهية   نعتبر الاحتيال شطارة والأمانة تفاهة ﻓﻲ ﻭﻃﻨـــﻲ ﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺻﻔﺔ ﻣﺤﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﻐﺒﺎﺭ ﻭﺍﻷﺗﺮﺑﺔ ﻭﻋﺒﻖ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺩﺧﺎﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ   ﻭﺗﺒﺎﻉ ﺍلأﺣﺬﻳـﺔ ﻓﻲ ﻣﺤﻼﺕ ﻣﻌﻄﺮﺓ ﻭﻣﻜﻴﻔﺔ ﻭﺗﻤﺴﺢ ﻛﻞ ﻳـﻮﻡ إذن فسلام ﻋﻠﻴــﻚِ ﺃﻣــﺔ أﻗـﺮﺃ في وطني خمسة أشياء يحفظها الرجل : الرجال قوامون على النساء,, ومثنى وثلاث ورباع,, وإن كيدهن عظيم,, وللذكر مثل حظ الأنثيين,, والنساء ناقصات عقل و دين,,في خمسة ينساها الرجل: خيركم خيره لأهله ورفقا بالقوارير وأستوصو بالنساء خيرا وما أكرم النساء ألا,, كريم ولا أهانهن إلا اللئيم ولن تعدلوا ولو حرصتم..في وطني:
الحب = حرام
السب = حلال
العادات = واجبة
العبادات = جائزة
المرأة = عوره
الرجل = سلطة
الطيب = غبي
الواثق = مغرور
الموهبة = يجب أن تدفن
في وطني
يستشهد بائع الزهور
ويعتقل بائع الخضار ويجرح بائع البقالة
كل الباعة في وطني مستهدفون
إﻻ باعة الوطن فهم بالأمن والترف ينعمون
في وطني
يموت من لا يستحق الموت على يد من لآ يَستٌحقُ الحَيآة
فى وطني
تمتلئ صدور الأبطال بالرصاص وتمتلئ بطون الخونة بالمال
في وطني
كل شيء لا يُشبه ما يجبُ أن يكون عليه..”
الابن الثاني : صبرا جميلا ..دعينا يا دفء الروح في صلب موضوعنا .
الابن الأول : أتعس الأمور أن يقال لك أصبر وأنت في حدود الانفجار .
الابن الثاني :الصبر يا أخي من فضائل الأيمان .
الابن الأول:غاية وجود الإنسان ليست هي العبادة وحدها لأنه ما من ظلمة أشد  وحشة من ظلمة الديانة الزائفة..
الابن الثاني : أنت وأمثالك من أفسد الحياة بكلمات بلهاء لا معنى لها ..أنت وأمثالك من أخرج الطريق عن حقه وفتح الآفاق للدجل والرياء  .
الابن الأول : هل تستطيع أن تذكر لي واحدا فقط من العلماء من شذ عن قول الحقيقة ؟ أنا أستطيع أن اذكر لك الآلاف ممن حرف وأستغل الدين والدنيا..
الابن الثاني : يا ألهي أمنحني القوة الكافية لردم هذه المستنقعات (يهجم على الابن الأول ألا أن الأخت  توقفه …)
الأخت :  ويحك لا تعرف غير القتل بديلا ..
الابن الثاني : ويحك أنت ..ألا ترين ماذا يفعل ؟؟!! والله لو كنت أمريكيا لاستخدمت السلاح النووي وأنهيت كل هذا الكون وتركت الأمر للخالق يفعل ما يشاء..
الأخت: لحاجتك الخاصة تريد تدمير العالم ..حقا كانت الأرض أكبر عقاب لبني البشر، وألا لفسدت السماء في حال بقائهم هناك (تذهب لتقف بالقرب من جثة الأب ..) هذه عاقبة الأرض وقد تحولت إلى جيفة ..ها أنتم تشمونها وهي تصدر من     جسد الأب الذي رمانا في هذا المستنقع ..الأب الذي لا يعرف غير ما يراه  بعين واحدة وغالبا ما تكون  مريضة (تقترب منهما …) ها أنذا أشم جيفتكما ..أنتما ذات العقل المعطوب يأتي بأشكال أخرى ..أنتما ذات الغريزة الفاسدة التي لا تنجب ألا مثلكما، كما أنجباكما والداي…سنا سأضع حدا لصراعكما للحصول علي كغنيمة رخيصة..سوف لن أكون بالشكل الذي تتصورانه، لن أكون كما تريدان، فأنا لي كياني وأحاسيسي ومشاعري ..خسئتم ما كنتم تتصورون..الآن أتركاني أفكر  (تدور في أماكن متنوعة في المسرح ..الابن الثاني يهدد  الابن الأول الذي يتابع حركة الأخت التي تحاول الصعود  عبر السلم ألا أنها تعود مسرعة وفد غطت أنفها ..) يا للهول الجيفة على أشدها فوق ..يبدو أن الأمر سيان في الأعلى وفي الأسفل ..حينما تتشابه الأشياء تتساقط القيم و المباديء  كمسبحة هرمة .اسمعا جيدا ..من يريد الحصول على الغيمة عليه أن يقدم قربانا لي وأنا حينذاك سأختار القربان الذي أحب ولا يحق لأحد منكما الاعتراض أطلاقا (تجري مسرعة وتفتح الباب وتدخل..           الأخوان كل منهما ينظر الى الآخر بحيرة واستغراب … الابن الثاني  يقترب من الابن الأول ..)
الابن الثاني : أنت تجيد الكلام وقادر على ترويض أفكارك ..لكن ألاعيبك هذه لا تمنحني شيئا مفيدا .أنا سأفعل ما يحلو لي ،  وكل خطيئة تأتي من هذه الأفعال أنت تتحمل وزرها أمام الله .
الابن الأول : أنا أطلب منك ، بل أرجوك أن تقدم لها أفضل ما عندك من قرابين . وأرجو أن تقبلك أنت لا أنا .
الابن الثاني : هذا قول يرضاه الله ..قول سديد ..حسنا يا أخي العزيز أنسحب  من هذه  المنازلة .
الابن الأول : هي لا تقبل بأي انسحاب لأحد منا .
الابن الثاني : طيب ..أنا أمتلك الحل ..لتكن أنت القربان .
الابن الأول : ربما من غير المقبول هذا الذي تفكر فيه .
الابن الثاني :أنت أخي ومن حقي التصرف بك مثلما تصرف بنا الأب .
الابن الأول : وهل يتوجب علينا استنساخ التجارب الفاشلة ؟ أعذرني  أنا ذاهب للتفكير ماذا أفعل في هذه الحالة ..أتمنى لك التوفيق والنجاح (يخرج الابن الأول ..الابن الثاني يتحرك داخل المسرح حائرا مغلوبا على أمره …يخرج وكأن فكرة ما خطرت بباله ..)
الابن الثاني : هذا شيطان ماهر . كيف لي أن أغلبه في هذا الوضع العصيب..هل علي  أن أستعين بخطة مما علمني أياه والدي ..لا أعتقد هذا لأنه دائما يفشل..أذا لأستعين بخطط والدتي فهي التي قلبت كل موازين السماء والأرض
(يخرج مسرعا فرحا.. يحل الظلام في المسرح.. تحدث حركة  قوية حيث الابن الأول وهو يدفع العربة التي      فوقها جثة الأب  ويطوف فيها داخل المسرح ..الحركة أشبه ما يكون الى حركة طواف الجثامين في الأضرحة..  الإضاءة معتمة والشخصيات غير واضحة المعالم ..)
الابن الأول :كم تمنيت أن أحصل على طائرة ورقية .دعوت الله أن يستجيب لدعائي . ففي كل وقت أسمع فيه آذان الصلاة أرفع رأسي وأدعو.. يا رب حقق لي أمنيتي…لم يتحقق دعائي .. وهذا الصبي أبن جارنا الغني يلعب كل يوم بأعصابي وهو يلهو سعيدا بطائرته الورقية التي يطلقها بعيدا في السماء وقلبي يصعد معها متمنيا أن يمسكها ذات يوم.. كثيرا ما صليت خلف والدي داعيا الله أن يرزقه… وكثيرا وصليت خلف أمي .وصليت…وصليت.. يوما حين كان الصبي يلهو فرحا بطائرته المحلقة في السماء..هجمت عليه وطرحته أرضا وأخذت الطائرة عنوة منه وأنا أشعر بفرح غامر رافعا رأسي الى السماء: ــ ربي أغفر لي فلا سبيل ألا هذا ..
(يخرج سريعا من المسرح…يدخل الابن الثاني إلى المسرح وهو يدفع العربة التي فوقها جثة الأب..)
الابن الثاني : لأنني أحب والدي كنت أتمنى أن أقدم نفسي له قربانا من أجل حياة مديدة وجميلة. ولأنني أبنه البار أدخلني والدي مدرسة دينية تعلمت فيها الكثير من التعاليم حيث استطعت أن أستبدل نفسي كقربان لوالدي لأقدم الحيوانات والطيور لما أريده أن يتحقق.ولأن والدي كموظف كبير وسياسي مرموق فقد علمني أن أربط بين عملي الديني والوظيفة السياسية. وفعلا حققت لوالدي ما أراد فأخذت أقدم الناس قرابينا لما أريد (يعيد العربة الى مكانها  ويخرج مسرعا.. من الباب تخرج الأخت وقد ارتدت ملابس فيها انعكاس للروحانيات أو كما يقال روح الملائكة والالوهية.. تقف في مكان مرتفع بالقرب من الجثة وتبدو كأنها فوقها ..)
الأخت : كل خسارات  بلادي لا تدمرنا  بل هي تبتلعنا بكل سهولة.. الآن حلت سلطتي ويجب أن أمارسها بكل قوة واقتدار ..فهذا العالم يحتاج الى أمرين هما السلطة وأختها القوة (تعود الإضاءة إلى وضعها الطبيعي ..) الآن هلموا بتقديم قرابينكم الطاهرة .(يدخل الابن الأول وهو يحمل قربانه بيديه ويجلس على مقعد لأرجوحة معلقة في بداية يسار المسرح..            يدخل الابن الثاني وهو يحمل قربانه بيديه ويجلس على مقعد لأرجوحة معلقة على يمين المسرح.. لأخت تقترب من الابن الأول وتتفحصه جيدا وتبدأ في هز الأرجوحة …) في أي الأوصاف تحب المرأة ؟
الابن الأول : كسفينة هرمة قذفها البحر جانبا أقف أمامك الآن عزيزتي. أنا أبكي وأريدك أن تشاطريني البكاء ، هو ربما يصبح لذيذا في المشاركة..لا يا صديقتي ، أعتذر إليك ، ها أني أفسخ هذا العقد. فأنا لا أحب الشراكة ..فهي بائسة ، عاقرة ، هي لا تنمو ألا ومعها. الدمار والخراب. يا صديقتي كل الشراكات في الحياة خاسرة في أولها وفي آخرها .لكن شراكة الحب ، يا صديقتي حاجة إنسانية تعمل على تجديد الحياة، وهي الوحيدة التي تنمو كالأشجار .
( تتجه الأخت إلى الابن الثاني الذي يحتضن قربانه ولا يريد أن يعرفه أحد ..تهزه فيشعر بالغبطة والفرح …)
الابن الثاني : ما ابهاك وما أروعك
الأخت : يبدو واضحا أنك تضمر شيئا خفيا ؟
الابن الثاني : أجمل الأشياء هي تلك التي تضمن وجوب أسرارها
الأخت : في أي الحالات تحب المرأة ؟
الابن الثاني : حينما أكون منتصرا وسيدا لكل الأشياء والمعتقدات..
الأخت: حسنا ..الآن حان الدور لكما.. قدما أنفسكما واتركا قرار الأمر لي ولكن بعد حين (تنسحب وتقف في مكانها الأول  خلف الجثة..تتغير الإضاءة وتتمركز لتضيء الابن الأول  فقط ..)
الابن الأول : ولأنني أبن الماء كثيرا ما أسمع الغناء يأتيني منه.. ولأني أبن القصب كثيرا ما أسمع غنائه يحتويني بحنان..      فحين أحزن يغنيان لي.. وحين أفرح ، وهذا نادر بالطبع ،  يغنيان لي أيضا… لذا عشقت القصب والماء والطير والغناء. فمن ذلك المزمار الذي صنعته من قصب قريتي انسابت منه نغمة عذبة ..استقرت فوق سطح الماء الذي سرعان ما أذاب صوتها..فاختنقت ، كما أنا أختنق حين هرعت لإنقاذها.. حزين في موتي وأنا أرى مزمار القصب يغرق معنا في الماء ..
(تتغير الإضاءة وتتمركز لتضيء الابن الثاني فقط …)
الابن الثاني : أيقنت كل أجهزة الأمن والاستخبارات وكل مراكز الشرطة في المدينة  الصغيرة أن المجرم الذي يغتصب الفتيات النائمات على سطوح المنازل ليلا  هو نفسه الذي يغتصب الفتيات داخل بيوت المدينة نهارا.. عمت الفوضى وساد الخوف والفزع كل الناس ،وأخذوا كافة الاحتياطات اللازمة في حماية الفتيات من شر هذا المجرم الغريب الأطوار والذي ظهر فجأة في مدينة كانت تنعم بالهدوء والاستقرار، حيث أن علاقات الناس الاجتماعية متماسكة ومترابطة إضافة  إلى التداخلات في صلات الرحم وفي العلاقات العشائرية وغيرها من الارتباطات العميقة التي خلقت المودة والمحبة بين أفراد هذه المدينة الهادئة. ومن جانب الجهات الأمنية تم تعميم كتب كثيرة لكافة الأجهزة الأمنية والعيون التي زرعوها في الأزقة والشوارع وحتى بعض الطرق الخارجية تحوطا من قدومه من مدن أخرى مجاورة ربما تريد العبث بأمن هذه المدينة المستقرة  والتي ينعم أهلها بالسلام والأما .       وفعلا تم التأكيد على ضرورة المراقبة الشديدة ليلا ونهارا ومن دون كلل أو ملل من أجل ألقاء القبض حيا على هذا المجرم الكبير الذي جعل من المدينة جحيما لا يطاق، حيث أن أغلب العائلات أخذوا يضعون بناتهم داخل أقفاص حديد والتي سرعان ما ارتفعت أسعارها وصار الطلب يزداد عليها بوتائر متصاعدة مما أثر على الوضع الاقتصادي للمدينة، كما انه اثر سلبا على نوعية التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للمدينة التي بدأ الخمول يدب في حركتها الاقتصادية. ذات ليلة يرسل فيها القمر أشعته فوق المدينة التي امتلئت بصراخ فتاة تركض  في الشارع والدماء تسيل من بين فخذيها ..
(ينزل الابن الثاني من الأرجوحة بعد أن يضع قربانه هناك.. يحاول التوجه نحو الابن الأول ألا أن صرخة قوية من الأخت توقفه في مكانه ..ويخرج..الابن الأول ينزل من الأرجوحة بعد أن يضع قربانه هناك ويخرج.. (( تتغير الإضاءة فتبدو معتمة أو على شكل بقع تتناثر على خشبة المسرح..)) 
الأخت لوحدها في المسرح ..ما بين أرجوحتين تمايلان …تشعر بهول المأساة والمعاناة من هذا الامتحان الصعب في الحياة ..مرة تذهب باتجاه مكان الثاني …ومرة تذهب باتجاه مكان الأول ..تتوقف ..تخطر على بالها فكرة ما ..تسرع الخطى باتجاه جثة الأب ..تدور بها ما بين الأرجوحتين ..)
الأخت: أيها الأب ها أنت الآن قد واجهت النتائج ووجب عليك الاختيار واتخاذ القرار ..أنت وحدك من أوصلنا لهذه النتيجة ، وأنت  وحدك الذي يتحمل وزرها كاملة من دون تبرير أو تنصل  أو اعتذار ..تكلم فأنت بيننا قائم وأن كنت جثة هامدة ..لم  تزل بذات الصلاحيات وذات القرارات وذات النفوذ وذات السيطرة ..تكلم ..تكلم فهناك جمع من الناس تنتظر ما تقوله أنت. تكلم (ومن شدة غضبها تدفع العربة بعيدا حيث مكانها ، وتتجه نحو أرجوحة الثاني وتفتحها …فتظهر  دمية قبيحة باكية ..تتركها في مكانها وتتجه نحو أرجوحة الأول ..تفتحها فيظهر كتاب جميل التصميم.. تضمه الى صدرها  وهي تصرخ…)
الأخت: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ
الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي
مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ
بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ
نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
(تخرج ومعها الكتاب.. يدخل الابن الثاني ..يشعر بالمذلة والحزن حينما يجد دميته لم تزل في مكانها .. فيصرخ غاضبا ..)
الابن الثاني: إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي ..صاعقة من السماء أحرقت كل شيء فاستحال إلى رماد ، حمم نزلت من السماء أحرقت الزرع و الأرض ..لا شيء سوى الرماد و الأرض … ها هي الأرض تفجرت عن نيران وبراكين … ماذا تفعلين أيتها الأخت ؟؟ لماذا تتقبلين منه  ولم تتقبلي مني ؟!!” أيتها البراكين بعيونك النارية وسيولك الأخطبوطية التي انقضت على نذوري ودمرت كل شيء .تعالى وانقضى على هذا الهزيل الممجوج الكلمات.. تعالي واحرقي أخي لأقضي على هذا الألم المبرح الذي لا نهاية له.. ظلام هائل و سيل جارف يقذف بي من صخرة إلى صخرة ..ومن وادي إلى وادي.. لن أبقى هكذا منحنيا ، ولن أعيد أخطاء أبي فلقد كان خاضعا بلا أرادة وبلا موقف ..” (يخرج مسرعا ..تدخل الأخت مرتبكة تبحث عن أخويها ..)
الأخت:” أين أنتما ؟!! ..قلبي يحدثني بشر مستطير ..شر كبير يهز الوجود.. أخي دميتك هل ترضع مع الذئاب أم تسرح مع النسور؟ هل تنام في أحضان الأسود؟؟ أعرف أن ضجيجك لن يهدأ وإن نظراتك المتوحشة تخترق خط الحياة… أين أنت يا جميل الكتاب ماذا حل بأحلامك وآمالك ..ها أنا أطوي الفيافي والقفار أقف ليل نهار اسأل عنك عنقاء الليل ونسور السماء أبحث بين بردى الأهوار ونخيل شاطيء الرافدين. ها هي أمنا حواء تلف وتدور تبحث عن أطفال بلا هوية وشباب بلا غد ونساء تفترسها عذابات الليل الموحش .تفتش عن بلد سرق تأريخه وقتلت أصواته ومزقت مآذنه واحرق نخيله.. أننا ندور وندور نبدأ من نقطة وننتهي إليها… أنظروا ها هي تقترب ، أنها الساعة التي لا أريدها أن تقترب..يا بنات حواء الوفيات هل طلبوا منكن أن تذهبن إلى القصور لممارسة الزنا للوصول إلى الجنة؟ ها هي مرآة المستقبل تظهر أمامي أي شرائع انتهكت وأي قوانين دمرت وأي  أخلاق حطمت .. يا صاحب الدمية تعال سواء كنت حياً أو ميتاً فقد تراء لي كحمل بريء وديع كغزال يطوف في وديان ما بين النهرين هل تعزف الناي لقطعانك وخرافك أم أنك تجول بها على ضفاف أنهار الرافدين لتشرب من أكسير الحياة ولكن هيهات.. أن قلبي يحدثني ..ماذا يحدثني قلبي المسكين ؟؟!!..عويل ..نواح.. نباح ..صراخ ..هل غادرنا الجنة مرة أخرى .. هل خلعت الحية ردائها وأنزوت في قبو آثم ..هل كشر النمر عن أنياب مهمشة أم طار الصقر دون جناح؟ أين ذهبا…؟ نفوس أبت أن تقضي الليل في حجرات اللذة الرخيصة وأجساد أبت الانحناء أمام مرايا داخل مرايا ورفضت الدخول إلى بيوت تتصاعد منها رائحة الشواء  لخروف لم يذق لبن الأم ولم تنتظر ليلاً يغطي سماء ينزل منها القمر في جلالة ومهابة ليغرق في كؤوس الخمر. لقد ضاع الكتاب وضاعت اللعبة بين هؤلاء..أين أنا ؟ أين أنا ؟!!أنا في الطرف الأقصى من هذه الحياة البائسة ،أنا في طرف دجلة أبحث بين دفتيها عن أسفار لم تقرأ وتنبؤات تحققت بفعل هوى مجنون. وبيوت أقتلعت لترحل إلى أماكن مجهولة غريبة ونساء يجذفن قارباً بين الجبال وأطفال يبحثون عن أثداء أمهاتهم ورجال لا يمارسون الجنس حتى في الأحلام  وآه عليكما كتابا ولعبة .”(تخرج مسرعة  باكية..يدخل الابن الأول  مرعوبا ويتجه مباشرة نحو جثة الأب ..يدور فيها داخل المسرح  وهو يصرخ بجنون..)
الابن الأول: منذ بدأت اللعبة كنت أول من شرع الموت والخراب ..وأنت أول  المتخاذلين والخانعين لأنه كل ما فكرت به جاء الآن على شكل حريق يلتهمنا بكل ارتياح. ( يشعل النار في جثة الأب …وهو يصرخ كالمجنون)
الابن الثاني : (يدخل الابن الثاني مسرعا منقضا على الابن الأول ويضع الحبل على رقبته.)” أيها المتبجح التافه الهزيل الجسد المتقيأ للكلمات ..عد من حيث أتيت إلى خرافك واختبأ بينها واسمع صوت النعاج .أذهب إلى هناك و أنظر ملياً إلى القوانين ، اذهب إلى ينابيع الفرات وسترى الجبال والوديان تنخر قدميك. اضرب بعصاك ولتحرسك نعاجك واقرع الأرض على إيقاع رقصات اسماك الأهوار التي نزعت قشورها وأرتدت جلود الأفاعي. إني أحملك همومي وما يؤول إليه مصيري مع هذه المرأة البلهاء التي تمردت على  وخرجت من الجنة تحمل عصيرها الدامي بين جنبيها… أصرخ فيك وفيها لماذا هذا الشقاء؟ لقد تشققت يداي وتمزق كاحلي وأنا أجوب الوديان  وأشقى واكدح لأجعل الأرض تبتسم عن زهرات يانعة أريد أن أحيلها إلى جنة  ولكنها تأبى بعناد وإصرار ساخرة مني.. أي طريق موحش سأسير.. الديدان  تنهشني و الوحوش تلتهم إطرافي لتنمو  من جديد هل تعرف ما معنى أن  تنمو أطرافك من جديد.. أللعنة على الجديد.. انه شيء يقتل القديم ويسلبه روحه..آه أيتها المرأة الفاسدة سأجعل الليل يزحف نحوك ليحتضنك وستترقبين بعين زائغة انتظار طلوع  النهار وستكونين لي وحدي.
الابن الأول : يا عزيزي لماذا هذا التشاؤم؟ خرجنا للحياة  لتحقيق ذاتنا ونبرهن بأننا أناس قادرين على تحمل المسؤولية لأننا أحرار .
الابن الثاني :هل تعتبر هذا مسؤولية؟ انه جنون الشقاء و العذاب والألم و القسوة. أنها أختك أرادت ودفعت ثمن الإرادة .لا اعرف ما الذي تملكها لابد أنها رفضت كل شيء لا يصدر عن أرادتها. أرادت أن تهدم أسوار الجنة لأنها لم تستطع أن تحمل        ثمرة الوجود.
الابن الأول:سترى انه الزمن العدو الذي يتعقبنا بفراغه ليقضم حياتنا، سننتصر على الزمنسنحول الزمن إلى إحداث ولا ندعه يتحكم بنا سنحول الأرض إلى جنة وسيقف الزمن مشدوها أمام سيل الأحداث.
الابن الثاني : ماذا افعل بجنتك بعد أن نخرت عظامي وانحنى جسدي ولم اعد على صفحة الوجود أريد أن أكون شيئاً ينحني له الأقوياء قبل الضعفاء.
الابن الأول : لن نكون شيئاً بدون حرية. بالحرية نمتلك القرار لقد افتخر علينا إبليس بأنه من نار لان النار تمتلك حرية الانطلاق والتمدد ونحن طين لا نملك ذلك ولكن ها أنت ترى إننا أحرار  بفعل المعرفة.
الابن الثاني  : (ساخراً) ما تعني المعرفة… الألم المبرح ، الذي لا نهاية له
الابن الأول: بالمعرفة نعرف المجهول ونضع الشرائع وسنطبق عملياً ما نعرفه دون أن نغرق في بحر الظلمات التي تحملها لنا رؤى غامضة ونفوس حاقدة أضناها طول الخضوع للذل و الاستسلام .
الابن الثاني: صاعقة من السماء أحرقت كل شيء استحال كل شيء إلى رماد حمم نزلت من السماء أحرقت الزرع و الأرض لا شيء سوى الرماد و الأرض … رباه الأرض تفجرت عن نيران وبراكين … ماذا أيها الرب لماذا تقبلت منه ولم تتقبل مني (يلف الابن الثاني الحبل بقوة على رقبة الابن الأول …)
الابن الأول: أقتلني أذا كان في ذلك خلاصك وحريتك .
الابن الثاني: (يضغط الابن الثاني الحبل بقوة على رقبة الابن الأول ) أيتها البراكين بعيونك النارية وسيولك الأخطبوطية انقضضت على نذوري ودمرت كل شيء تعالى وانقضى على هذا الهزيل الممجوج الكلمات .تعال واحرقي هذا المخبول بالتغير وليكن كلانا على قدم المساواة أمام الرب (الابن الثاني يدفع الابن الأول بعيدا عنه. و الدماء تسيل من رقبته.. يترنح الابن الأول وتخور قواه ويصدر أنات عميقة وأصوات مكتومة وهو يصارع الموت..) 
الابن الأول : بموتي هذا أدين  كل كاذب ومنافق و كل من يسبب لي الألم والموت أرادوني أن أكون ذئباً مع الذئاب وعندما رفضت وضعوني أمام أمرين لا ثالث لهما أما ذئباً أو تكون لاشيء. أردت أن يكون لي جناح لأطير ولكن هيهات… وهيهات..سيكون هناك دائماً قابيل ودائما هابيل ستنزل الشرائع وتسن القوانين ويخرج قابيل من بين طبقات الأرض وجحور الفئران وملاذ الأفاعي ليقتل هابيل. سيكذبون ويزورون الأحداث ويختلقون البطولات ويسرقون تاريخ الآخرين ليصبوه إلى تاريخهم يستعملون المعاني و الكلمات ويحكمون على الأشياء…رباه إن الأرض تدور و السماء تهوى و المخلوقات تقترب مني و الليل يطفأ أنواره الساطعة الملائكة تقترب لتضمني بجناحيها أنها ترفعني إلى الأعلى …  رباه أنها الراحة الأبدية.. (يسقط الابن الأول على الأرض يتلوى)
 الابن الثاني: (يقترب منه …يدور حوله راقصا.) “سيتغير كل شيء و سيتغير لون الأرض فتصبغ باللون الأحمر سترتدي الأرض حلة أرجوانية سيرتعش ويخاف منى سمك البحر وطير السماء ووحش الصحراء وكل دابة تسير نحو المرعى وترتجف الأقدام وتصمت الأفواه وتتلون الضمائر وتسقط المدن وعلى أعدائي سيسقط المطر الأسود وأحجار النيران وتعمهم الأوبئة و الإمراض و الجفاف سيأكلون الكبريت ويشربون النفط الأسود “.
(الابن الأول يزحف أثناء كلام الابن الثاني ويلتصق بظهر الابن الثاني الذي يحاول بجهد كبير الخلاص منه ألا أنه لا يستطيع ..)
الابن الثاني : ها هو يلتصق بي ..أن دمه يغلي ويفور وقد تغير الطعم وتغير اللون..رائحة لا قبل لي بها .ماذا افعل به ؟أريد أن احتفل وادعوا حيوانات الغابة..أنهم ينتظرون دعوتي للاحتفال بالعودة إلى الجنة لقد أعطيت عهداً بذلك سأعلن سلطتي و سأتحكم به واحكم هذه الأرض وامسك بتلك المرأة وأقدمها إلى المحاكمة..ولكن الرائحة تزكم الأنوف كيف أتخلص منها..آه انه يكبر ويتوسع ويتمدد.. أن له أطراف تأخذ بخناقي… لقد قفز على ظهري وعظامي تسحق تحت وطأته وانحنى جسدي تحت تأثير ثقله ..ساعداه تأخذ برقبتي ورجلاه تلتف حولي إلى أين اذهب كيف أتخلص منه … تعالى يا شياطين الأرض. يا شياطين السماء وارقصي يا جنيات مكبث ، فالموت هنا بالمجان.. ورتلي يا آلهة الظلام ودق مساميرك يا  يهوذا .. وانفث سمومك يا بن ملجم …واغرز سيفك يا بن جوشن ..واحرق الخيام يا ابن سعد فهذه حفلتنا الكبرى ..يا سادة يا كرام الجنة بات قريبة…وقريبة جدا حتى أني أراها الآن ..”
الأخت: (تدخل مسرعة وتأخذ العربة وتدفعها بقوة باتجاه الابن الثاني الذي يترنح داخل المسرح…) إلى أين سائرون ؟ نسير لنهرب من الأرض . لقد مزقنا الكفن وهجرنا الوطن بعد  أن أطعمونا لحوم أبناءنا وسلطوا الجراد والجرذان على مزروعاتنا.
الابن الثاني: تقدس أسمك بين البلدان، بوركت أرضك وسمائك يا من وضعت الشرائع وبنيت المدن وعمرت الأرض ليعلم الشرق والغرب أنك أول حضارة على الأرض. (وينفصل الابن الأول عن الابن الثاني ..)
الأخت: اسكت عليك اللعنة .. من أين أتيت ؟؟..أتيت من بين صفحات كتب سطرتها أقلام مريبة ضالة.أخرج أيها الكاذب من حياتي. ضاعت عصاي التي أتوكأ عليها وسرق منجلي وكسر معولي وجف أبريق الشاي ولا أملك قطرة ماء .. أخرج من حقلي هذا ..أخرج..” منذ أنهى الله عمل يومه السادس فأدار ظهره في قيلولة يومه السابع، منذ نعق الغراب يوم هوى قابيل بطعنته الغادرة، منذ انهمك نوح في إعداد سفينته مستبقاً الطوفان الوشيك، منذ خطّتْ أول يد أبجديتها على لوح الطين بادئة إياها بكتابة تاريخ الأسى، منذ أور يوم انعكس لهب حرائقها على مرآة الفرات، منذ امتلأت أزقة بغداد بالرماد واسودّتْ مياه دجلة بمداد الكتب، منذ غفا أول طفل يائساً على ثدي أمه الميتة، منذ أزهر الحزن على شكل وردة سوداء من دون عطر، منذ أعتلى أول جندي مارينز ظهر أسد بابل، منذ وجد الإنسان على هذا الكوكب كُتب عليه الشقاء إلى الأبد. ”
(تندفع بقوة نحو الابن الثاني وتجرفه معها الى الخارج)( ويبقى الابن الأول محاولا النهوض من على الأرض..      وهكذا ينهض ..ويترنح..ينهض …يترنح… يخرج من المسرح منحني الظهر …….)
 
 
25/1/2018
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت