(فيض المسرح )/ رأي : ناصر بن محمد العُمري

من أقصر حوارية
وأفقر مشهدية
وأشد صور التناقض
وأوضح حالات الهوّة بين القول مع الفعل صنع صموئيل بيكيت مفهوماً وأرسى منهجاً ورسّخ ممارسة مسرحية وأوجد تياراً أعتبره المنظّرون رائداً له .
(في انتظار جودو )
المسرحية التي قوبلت
أولاً بالرفض قبل أن تشغل العالم أحداثها كانت تمضي بين صمت كصمت القبور وثرثرة خاوية لا طائل منها
وبين : تكرار الجمل.. وعقم الحوار وعبثيته هذه ملامح أحد أعظم الأعمال المسرحية لسيد مسرح العبث .
عملٌ من الصعوبة أن يمتعك مالم تكن مُهيأ لاستقباله ، مالم يكن لديك طاقة تأمل جسورة ، ومالم تمتلك قدرةً على فك رموزه كما يُفك حجر رشيد.
لاشك لديّ في أن ( في انتظار جودو ) من أعظم مصادر الإلهام للمسرحي يقيناً هو العمل الذي يمدنا بقدرات قرائية وتأملية عن عبقرية الفنان وكيف يمكن له أن يسحر العالم.
صموئيل بيكيت الذي استطاع بعنوان من ثلاث كلمات فقط أن يجعل العالم أمام ما يمكنني تسميته (فيض المسرح )
استناداً إلى مشهدين فقيرين وحوارات لا معنى لها ظاهرياً …… بينما هي في عمقها (خلاصة الواقع)
هذا الفيض الذي يصنع ( دراماتورجيا المتلقي ) حين يدرّبه على الحفر والغوص عميقاً في ثنايا المشهد والعمل الفني ويجعله يبحر باتجاه المتعة الحقيقية التي يمكن أن تهبنا الفن.
من ذلك الفيض ستجد نفسك وأنت تتأمل انبثاقات (بيكيت ) أمام عمل فني خارق يصعب تصنيفه حيث لا موضوع ولاثيمة ولا ملمح بارز عملٌ لايُناقش شيئاً بالمطلق
– وما أصعب أن تكتب عن اللاشيء – !!! قطعاً : الأمر ليس كذلك للمبدع الحقيقي هو يستطيع ذلك ربما
– في تقديري
-لأنه : – عايش وتأمل وأحس واستحضر كل ماعشق وكره وافتقد وحزن عليه
-جمع كل ما آلمه وانفعل به وأثر فيه
-عجن هذه التفاصيل الصغيرة وكل هذا النثار والشتات وتلك المنمنمات الصغيرة واللحظات البعيدة والأنّات المدفونة والأوجاع الخفية مزجها بروح الفنان ولمسة المبدع ورائحة الوجع وانسيابية الفن ليخرج بالخفي والبسيط والساحر.
(في انتظار جودو )العمل الذي يخفي خلفه حياة كاملة. ومصير إنسان وملامح حقبة ، بل هو(حياة كاملة .. وكوناً بأكمله)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت