نص مسر حي: "كلب مات صدفة" / تأليف: نسرين نور
مونودراما
المنظر العام
خلفية بيضاء (كلب ينبح وراء الستار)، أعلى يسار المسرح جزء من واجهه فيلا من طراز الأربعينيات لها باب حديدي عالى و مهيب، في أجزاء متفرقة من المسرح مفردات لشارع مصري حديث، كراسي مقهى أسفل اليمين، واجهات لمحال مختلفة أهمها محل كبابجي يصدر عنه دخان في أوقات متفرقة من العرض، يقف خلفه رجل بدين متحفذ دائما. و كلب شرس يحمل عداء أصيلا لبني جلدته. في الخلفية الأصوات المعتادة لجلبة شارع عمومي تعلو و تنخفض حسب الحاجة، على إحدى كراسي المقهى تجلس فتاة جميلة ” ريم ” تعزف على جيتار، جلبة الشارع و نغمات الجيتار معا أو فرادى المصدر الوحيد لموسيقى المسرحية ترتفع جلبة الشارع، يصاحبها صوت النباح، الإضاءة خافته لا تأتي إلا من الخلفية التي تعكس خيال الكلب و نباحه، يبدأ كلب الحاتي بالنباح ايضا، تنسحب الإضاءة من الخلفية و يضاء المسرح يدخل الكلب. يقترب في حذر من محل الحاتي، يبدأ كلب الحاتي في التحفز يعلو صوت كلبنا بالنباح (تتغير الإضاءة) (تنويه .. كل ما سبق يمكن أن يروى عن طريق الفيديو بروجيكتور .، كذلك أغلب الوصف مابين الأقواس) جلبه الشارع تنخفض و تبقى في الخلفية، يعزف الجيتار منفرد لحن شجي ..
الكلب : منذ طردت من الفيلا و أنا أمارس التسول و التشرد الإجباري، كنت يوما كلبا منعما مثله تماما، مربوط في سلسلة حديدية، لكن أنعم بالراحة و الحياة السهلة.
( موسيقى ، تتغير الإضاءة )
الكلب : نعم لم أذق يوما الحرية التي أنعم بها الآن، أصحو وقت أشاء، أنام وقت أشاء و لست مضطردا للحراسة، لست مضطرا للعق أحذيتهم، لكني ولدت للعمل و الحراسة و تاقت عنقي للقيود مع النعيم والراحة .( ألحان الجيتار تتغير ، كذلك الإضاءة ) بعد أن ماتت سيدتي بيومين أثنين، قرر أبناؤها الاستغناء عني و استبدالي، في البداية لم أتبين الأمر، اختلاف في المعاملة، تجاهل، إهمال، لم يعد يأتيني طعامي المفضل ثم لم يعد يأتيني طعام على الإطلاق، حتى جاء يوم سعى إلي احدهم، فك قيودي في صمت و سحبني للخارج بهدوء. لم أفهم الأمر في البداية، دخل و أغلق الباب دوني …. فهمت .
(يتغير عزف الجيتار، تتغير الإضاءة ، الكلب يسعى جيئة و ذهابا أمام الباب ، ثم يبدأ في النباح، تتغير الإضاءة، يفتح باب الفيلا، يحاول الدخول، تنهره سيده يغلق الباب، تتغير الإضاءة، يجري الكلب متفاديا عصا مكنسة، يخرج من المسرح، صوت مكابح سيارة مسرعة، يدخل الكلب يمشي بصعوبة يقطر الدم من إحدى أرجله، تنهض ريم تترك الجيتار تتناول ضمادات و تجبر قدمه اليسرى، الكلب ينظر إليها بامتنان، تنهض و تعود للجلوس في مكانها، الكلب يحاول القيام، يخفق عدة مرات ثم يستطيع أن ينهض يمشي بخطى عرجاء )
الكلب: أصابني التغيير الذي أصاب العالم، دوام الحال من المحال (يضحك بمرارة) الكل يحتقرني، إلا هي (الجيتار يعزف لحنا رومنسيا، ينظر إليها) سمعت أمها تنهرها أكثر من مرة، تقول: (يحاكي الأم)
الأم: كلب، كلب يا ريم تأتي بكلب للبيت ألا تعرفين أنه نجس. لعابه نجس إذا مس ثوبي لن يصلح للصلاة .
الكلب: صرخت في وجهينا معا و قالت بعد أن هدأت أن بيت يأوي كلب.. بيت لا تقربه الملائكة .. و هي لا يمكن أن تقايض على وجود الملائكة بكلب. يا سيدتي أنا أنزف كائن من صنع الله يتألم، ليس لي حول و لا قوة..
( موسيقى )
الكلب: هل يخلق الله شيئا نجسا، إن هذا الافتراء من صنع البشر !! و لماذا تدخل امرأة النار بسبب هر حبسته، و لا تدخل تلك السيدة النار بسبب منعها للخير و إلقاء كلب مصاب بحجر.. نعم ألقمتني حجرا في فمى، من يصدق أنها أم لتلك الملاك.
( موسيقى ، تتغير الإضاءة )
الكلب: هل الهرره أفضل من الكلاب ؟؟ هل يخلق الله شيئا نجساً ؟؟ هل بكت ريم ؟؟
(يحاول الكلب تفادي الأذى ، يقترب من محل الحاتي، كلب الحاتي يزمجر في غضب يبتعد.. أصوات مجموعة من الأطفال تضحك عاليا و تتصايح الموسيقى تتغير لتعبر عن توتر ممزوج بالشجن، يضحكون، الكلب و كأن احدهم يضايقه، يركبه، يسحبه من ذيله تستمر تلك المناوشات لفترة.. ينبح و ينبح، يتدخل أحد المارة و يلقم الكلب حجرا في فمه ثم يخرج مثلما دخل. يجري الكلب ، يخرج من المسرح ينسحب صوت الأطفال تدريجيا ، تتغير الإضاءة ، يبدأ الجيتار في العزف يدخل شاب و يجلس بجانب ريم)
الكلب: ليس أسوأ من البشر إلا أطفالهم. عدت للشارع من جديد، أسعى جاهد للقمة العيش و أتحاشى مناطق نفوذ كلاب آخرين و بحثت عنها في كل مكان، أنفي دليلي و حين وجدتها طرت فرحا و في كل ليلة كي أنام أقترب منها (يقترب من “ريم” و يتمسح فيها، تمسد جسده بحنان الشاب يظهر تأففا واضحا، و يحاول إبعاد الكلب، فيبتعد) أتذكر تلك اللحظات التي قادني حمقي و قلة خبرتي لعبور الشارع فجأة لتصدمني عربة، نزل السائق ليطمئن على سيارته قال إن عظام الكلاب صلبه، يا سيدنا تلك العظام تهشمت وها أنت أورثني عاهة و ألما دائما
( تتغير الإضاءة ، يخفت صوت الجيتار تدريجيا )
الكلب: أفهم لغة البشر، ليست اللغة التي يكذبون بها، و لكن لغة العيون، لغة الجسد أسمع إشارات الرغبة في الهواء، و أشم المداعبات الصافية، و تعلمت الحكمة (ينظر إلى الشاب و ريم ) يكذب عليك يا جميلتي، الحب كلمة أخترعها ذكور البشر ليداعبوا وجدان الجميلات طمعا فيهن و إرضاء لرغباتهم ليس إلا ( موسيقى ، تتغير الإضاءة) لم أكن أطمح في حب أو حنان من البشر، أطفالهم لم يمنحوني إلا الأذى، أصحابي لم يقابلوا وفائي إلا بالنكران، لم أكن طامعا إلا في منع الأذى عني، عن جسدي الضعيف، عن روحي الهشة التي حجبت عن وحشه الدنيا الحقيقية، عزلتي الأولى منعما، تذوقت الحياة السهلة، ثم تركتني خلفها و غلقت الأبواب، البشر هنا يحتقرون الكلاب و لا يطعموهم إلا للاستفادة ..
(صوت صياح ديك، نقنقة دجاج، بط ، أوز ، ثغاء ماعز ، خروف، يعلو ثم ينخفض تتغير الإضاءة، الكلب الحاتي لاهيا بمجموعة من العظام )
الكلب: البشر هنا لا يطعمون حيوان إلا إذا استفادوا منه.. أرى في ذلك خسه وضعه، إن تطعم كائنا لكي تأكله..رأيت الموت رأي العين باضطراد.. كل يوم.. هذا هو معنى الحياة في الشارع تشرق الشمس عليك بمعجزة، لكن عمر الشقي باقى..
(موسيقى توحي بالترقب، الكلب يقترب من كلب الحاتي، يحاول أن يلمس أي من طعامه كلب الحاتي يغيظه و يتلاعب بجوعه و فاقته، ثم يتركه و يذهب داخل الدكان ممسكا بالعظام في فمه، تتغير الإضاءة، الموسيقى)
الكلب: ازدهرت تجارة الكلاب في بعض المناطق الشعبية (يدخل الشاب، يتبادل حديث ميم مع ريم، يتفحص الكلب جيدا) لاحظ صديقها أنني من فصيلة معتبرة، تلفظ باسمها لكني لم أدرك كنه بالتحديد، أصابني منه اهتمام مفاجئ يحضر لي طعام، يغير ضمادات الجرح.
(يبدأ الجيتار في العزف لحن يعكس حالة من الترقب .. التوتر . كلب الحاتي ينبح ، يترك مكانه الأثير خلف سلة مهملات الدكان ، و يتجه مباشرة إلى الكلب ، تبدأ المناوشات ، ثم يشتبك معه يتدخل الشاب ، في خوف و وجل محاولا إنهاء الاشتباك ، بعد لئ ينجح في إبعاد كلب الحاتي )
الكلب: لا أخفي سرا، لم أكن أحب هذا الشاب و في البداية لم أفهم سر اهتمامه بي ذات يوم باعني ففهمت، يسهل على البشر التخلي عن ممتلكاتهم بمقابل مادي .
( موسيقى )
الكلب: طعام مجاني، اهتمام، نظافة كنت نسيتها منذ زمن لكن البشر طامعون لا يمكن الوثوق بهم .
( تخفت الإضاءة ، يتلفت الكلب حوله ، ثم يهرب ( الجيتار يعزف موسيقى حالمة، تتغير الإضاءة يقترب من “ريم ” تحنو عليه و تداعبه، يبدو مستمتعا بالحنان. تتغير الإضاءة، صوت جلبة الشارع يزداد، الحالة العامة على المسرح توحي بالتوتر )
الكلب: ارتفعت أسعار اللحوم بشكل جنوني، يومها فقط بدأنا نشعر بالخطر
(يتبادل النظرات مع كلب الحاتي، موسيقى تعكس حالة التوتر، الحاتي ينظر إلى كلبه ثم إلى الكلب الآخر، يسرعان بالهرب و هما ينبحان، يسرع خلفهما، تستمر المطاردة لبضع دقائق يهربان خارج المسرح، نباح كلب ثم عويله، بعد برهه يدخل الحاتي حاملا جثة كلبه، تتغير الإضاءة، يدخل الكلب)
الكلب: تناقصت كلاب الشوارع باضطراد، و لم يهتم احد بذلك، بل فرح البعض. المتسكعين ليلا، السكارى، المرفهات من البشر، السارقون، المتسولون، من تشارك معنا الشوارع و القمامة و الخرائب القذرة. يا روح ما بعدك روح، حاولت الرجوع مرات و مرات إلى المأوى حيث الماء و الطعام لكني أخفقت، حاولت تتبع الأثر بالشم، لكن الغبار الربيعي هنا و هناك آذى أنفي، و تنوع الروائح حال دون ذلك، و لما زاد الأمر و الموت قادم لا محالة (موسيقى) قررت للمرة الأولى تذوق لحم البشر (تعلو الموسيقى) أشهى اللحوم هو لحم بني آدم، كيف لا و هم لا يأكلون الجيف أو القمامة و يتذقون الفاكهه و الخضروات الطازجة يأكلون أفضل الطعام و لا يشربوا ماء عكرا، كما أن لحمهم مالحا !!! أي نوع من الحوم عذب كالماء، إلا اللحم البشري من يتذوقه يصير كالمجذوب، ساعيا في الأرض مهوسا بتكرار التجربة سعار.. سعار . بمن أبدأ يا ترى
( تتغير الإضاءة ، الموسيقى )
الكلب: بالسيدة التي طردتني من النعمة.. أم ريم.. كل الأطفال في الشوارع صديق ريم.. الحاتي.. ثم.. من طردني من الجنة، نعمتى الأولى الفيلا .
( تنسحب الإضاءة تدريجيا )
الكلب:(يكرر باستمرار) السيدة التي طردتني من الفيلا.. أم ريم.. كل الأطفال في الشوارع.. كل من ألقمني حجر .. صديق ريم.. الحاتي.. السيدة التي طردتني من الفيلا.. أم ريم.. كل الأطفال في الشوارع.. كل من ألقمني حجر
( يخفت صوته تدريجيا ، تنسحب الإضاءة تدريجيا ، صوت طلقات رصاص )
صوت مذيعة : هذا و قد تم التخلص من عدد كبير من الكلاب الضالة في الشوارع كانت تلك الكلاب تشكل خطرا دائما على سكان المدينة لإن اغلبها مصاب بالسعار ..
(يدخل احدهم يلقي بجثة الكلب ، يخرج )
إظـــــــــــلام
ستـــــــــــــــــــــــــــــــــار
** نسرين نور
كاتبة ومخرجة مسرحية
مواليد الإسكندرية . درست المسرح في كلية الآداب جامعة الإسكندرية
عضو اتحاد كتاب مصر ، عضو نقابة المهن التمثيلية شعبة التأليف والإخراج
من النصوص المسرحية (أسرار منسية ) – (طرطشة شمس)
مونودراما (كلب مات صدفة ) و (دكر ولد عمران)
“في قفا رجل” هي آخر أعمالها حيث عرضت ديسمبر 2019 في المركز الثقافي الألماني من خلال منحة نهاد صليحة وكان العمل بطولة الفنانة القديرة ماجدة منير.\
والمسرحية الإذاعية (الهروب إلى الكارثة) تمت نتاج ورشة “تبدو كالهمس” تحت إشراف المخرج والدراماتورج السويسري “إريك التوفير” بدعم من المركز الثقافي السويسري على هامش مهرجان “لازم مسرح” الإسكندرية مارس 2019 .
رواية هجرة إلى المألوف صدرت عن كلمة للطباع و النشر 2015
لم ينعكس الاهتمام بقضايا المرأة العربية المعاصرة على نشاط خاص دفعها للإنضام للحركات النسائية أو الجمعيات المعنية بالمرأة و الطفل ، بل جاء التعبير عن هموم تراها و تلمسها بوسائل فنية بحتة . و لم يقتصر النشاط الفني على الكتابة فقط بل إدارة المشاريع الثقافية ايضا ففي مطلع العام 2014 تم إنتاج مشروع ” بنت الحتة ” في منطقة غيط الصعيدي بالإسكندرية. ثم في العام التالي مشروع ” العصفور قالت لي ” للتدريب على الحكي المشروعان تما بدعم من مؤسسة مدد مصر مبادرة دعم الثقافة في مصر .، ثم مشروع إعادة حكي الموروث الشعبي المصري بمنظور نسوي بدعم من المجلس الثقافي البريطاني وبالتعاون مع مؤسسة المرأة الجديدة .